Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الحركة الاسلامية من المهد للنظام الخالف (1-7)

بقلم : علي السيد – المحامي[email protected]

هذه المقالات ليس المقصود منها التوثيق للحركة الاسلامية انما هي دراسة لفكر (اخوان السودان ) منذ النشاة الي اليوم اعني بها الجيل الجديد خاصة الذي اتي الدنيا في عهد الانقاذ او قبلها بقليل موضحا كيف تخلت الحركة عن الدعوة لله واتجهت للسلطة والجاه .

نشأت الحركة الاسلامية فى السودان فى الاربعينات من القرن التاسع عشر ،من مجموعة من الشباب الذين وفدوا من الجامعات المصرية وبعض المنتدبين من طلاب الجامعات والمعاهد العليا، الرافضين للفكر الشيوعي واليساري الطاغي فى ذلك الوقت فى المؤسسات العلمية، الي ان عقد مؤتمر سمي مؤتمر العيد فى عام 1954 ،تمت فيه تسمية الحركة باسم (الأخوان المسلمين) وهو اسم الحركة الإسلامية فى مصر ،ومن وقتها ارتبط فكر الأخوان المسلمين فى السودان بفكر الأخوان فى مصر ،ولكن أخذت الحركة فى الاستقلال الذاتي تدريجيا الى ان خرجت نهائيا عن فكر الأخوان العالمي كما سوف نبين فيما بعد .

يرى الترابي انه لا تأثير لحركة الأخوان المسلمين فى مصر عليهم ،حيث ان البئية السودانية كانت مهيأة لتنظيم الجماعة ،حيث يقول الترابي فى كتابه الحركة الإسلامية ( نشاة الحركة الإسلامية الحديثة استجابة تلقائية من الفطرة الدينية العرفية المتمكنة فى وجه الاستفزاز الذي مثلته انماط منكرة من مسالك ومقولات روجتها التوجهات اللبيرالية والشيوعية فى أوساط الطلاب فلا غرو ان تداعت الى الدين عناصره التى كانت فى غمرةٍ وغفلةٍ من جنوح اليسارية او الوطنية اللبيرالية وشكلت نواة الحركة الإسلامية الأولى (حركة التحرير الإسلامي وفى اسمها اشارة لخليفتها) .

غير ان هناك من يقول ان حزب التحرير الإسلامي الذي كان يتزعمه بابكر كرار كان أسبق من الحركة الإسلامية التي تحولت مؤخرا الي (الأخوان المسلمين) ،وهناك من يقول ان السيد الصادق عبد الله عبد الماجد جاء من مصر وهو يحمل فكر الأخوان المسلمون ،ويري انه لابد من الارتباط بفكر الأخوان فى مصر والسير علي هداهم ،وبهذا اختلف مع الترابي بهذا الشأن ،وهناك اقوال كثيرة ومتفاوتة بهذا الشان، المهم ان الحركة الإسلامية (الأخوان المسلمون ) لم يكن لها وجود فى فترة التحرر الوطني فى السودان ،وظهر الأخوان المسلمون كتنظيم سياسي بعد ثورة أكتوبر 1964 وبعدها سمي(الأخوان المسلمون) أنفسهم (جبهة الميثاق الإسلامي)، وهي عبارة عن تحالف ضم بعض التيارات الإسلامية الصغيرة التي ظهرت عند المناداة بالدستور الإسلامي ،وبعض الافراد وقادة الطرق الصوفية الصغيرة ، غير أن هذه التيارات التي انضمت كانت بطبيعتها صغيرة التكوين صغيرة الفكرة ، ذابت فى التيار الإسلامي الكبير(الأخوان المسلمون)الذي أصبح يعرف فيما بعد بجبهة (الميثاق الإسلامي) ، متخذين نفس المنهج الذي تتبعه التنظيمات والأحزاب العقائدية ، وذلك لتوسيع قاعدتها الشعبية فى سبيل التحول من حزب عقائدي صغير إلي حزب جماهيري كبير ، وهذه واحدة من مشاكل الأحزاب السياسية فى العالم الثالث .

نشأ تنظيم الأخوان المسلمين فى السودان كحركة ودعوة فى منأى عن الطائفية والطرق الصوفية ، إلا إنهم لم يذهبوا كثيرا عن الفهم العقائدي الولائي كطريق فى استقطاب غالبية قواعد أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي، غير إنها فشلت فى استقطابهم فى تلك الفترة ، يقول الحسيني فى كتابه الأخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية فى سبب عدم دخول الأخوان للسودان ، فى وقت مبكر (دخلت الحركة الإسلامية السودان متأخرة بسبب وجود أحزاب دينية التوجه واقرب إلي الإسلام الشعبي والصوفية ، لذلك كانت لهذه الأحزاب شعبية واسعة ولم تتجرأ حركة ” الأخوان المسلمين ” فى السودان علي مواجهتها أثناء صعود الحركة الوطنية ) .

فى فترة ما بعد الاستقلال لم تستطع الحركة الإسلامية الانتشار وسط الجماهير التي بقيت علي ولاءاتها التقليدية حتى اليوم ) ، وأخيرا اضطرت (جبهة الميثاق الإسلامي ) إلي مد جسور عريقة مع الطرق الصوفية بتركيز كبير علي زعماء الطرق الصوفية الصغيرة ، التي لم تكن لها علاقة بالطرق الصوفية الكبيرة ، واهتمت بشكل أساسي بقادة تلك الطرق، وأخذت فى تلميعهم واستفادت من زعامة الطرق الصوفية والبيوتات الدينية فى كسب مؤيديها ، فأصبحت بهذا قادرة علي التحرك السياسي نحو البرلمان والسلطة ، وقد استفادت جبهة الميثاق الإسلامي في بداية عهدها من الانتقادات التي كان يوجهها البعض للقيادات السياسية ، من زعامات الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة ، فى الوقت الذي كانت زعامة الطرق الصوفية الاخرى الصغيرة بعيدة عن تلك الانتقادات فلما اتت الجبهة الاسلامية القومية بعد انقلاب 1989 اخذت تعمل عن محو الطرق الصوفية الكبيرة التي كانت تسميها الطائفية او التقليدية ،فحلت احزابها وسجنت قادتها ولاقي هذا التصرف الاستهجان من الجميع ،فقادة الطرق الصوفية الختمية والأنصار وغيرهم لهم مكانة لدى الشعب السوداني ليس من مريديهم ،ولكن من كل اهل السودان ،وحتي فى عهد الاستعمار لم يجرؤ المستعمر فى سجن او اعتقال قادة الطرق الصوفية بهذا المسلك فقد بعدت المسافة بين قادة تلك الطرق والحركة الإسلامية رغم وجود مايقارب بينهم.

جبهة الميثاق الإسلامي رغم تمددها ، فشلت فى أن تصبح حركة ودعوة فى وقت واحد، لترسيخ وجودها . لان تكوينها يقوم على أساس ديني شامل ومن الصعب التمسك بالحركة والدعوة معا ، لهذا كانت هناك مجموعة ترى عدم الاستعجال للولوج إلي العمل السياسي ،منهم من رأي أن مسالة تحويل الأخوان إلي تنظيم واسع (جبهة الميثاق الإسلامي) فيه خطورة علي منهج الأخوان، لذا أصر البعض منهم علي التمسك بتنظيم (الأخوان المسلمين) ، وعاد إليهم البعض بعد أن ثبت لديهم أن جبهة الميثاق الإسلامي خرجت عن المنهج المنظوم للإخوان عالميا غير ان الصادق عبد الله عبد الماجد عاد مرة ثانية لجبهة الميثاق الإسلامي الا انه خرج ثانية بعد المصالحة 1977 ليعود ثانية (للإخوان المسلمين) ولكن ظل (الأخوان المسلمون ) هؤلاء حزباً صغيراً إلي يومنا هذا،غير انه ظهر الآن تيار داخل الأخوان المسلمين منخفض الصوت ، يري انه من الأفضل الخروج من هذا التقوقع ، والالتقاء مع الآخرين فى الحركة الإسلامية عموما ، والمؤتمر الوطني خصوصا ، وهذا الاتجاه يقوده بعض الذين استهوتهم السلطة أو رتعوا فى جناتها، فى الفترة الأخيرة مثل الدكتور الحبر نور الدائم ، (الذي صار مرشدا بعد اعتزال زعيمها صادق عبدالله عبد الماجد) والحبر هذا بطبعه متردد فى مواقفه الفكرية يمضي الأمر ثم يرجع متسترا بألفاظ اللغة العربية فى حياء أحيانا ، وعلنا تحت راية المشاركة فى السلطة كضرورة اقتضتها الضرورة ! الاخوان المسلمون هذا الحزب الصغير انقسم الان لعدة اقسام منها ماهو تابع للمؤتمر الوطني تبعية مطلقة وهو القسم الذي يقوده الحبر يوسف نورالدائم الذي تنازل مؤخرا من الارشادية .

الشيخ حسن الترابي ومن شايعه فى ذلك الوقت ، قدموا تنازلات كثيرة وخرقوا قواعد الحركة الإسلامية العالمية ، وهو تنظيم الأخوان العالمي، وتحولوا إلي (جبهة للميثاق الإسلامي ) فى سبيل توسيع القاعدة الجماهيرية، واستعداداً للوصول للسلطة، ومن ثم سعت جبهة الميثاق الإسلامي للسيطرة علي الجبهة الوطنية المعارضة لنظام مايو وقيادتها ، ولما فشلت الجبهة فى إزالة نظام النميري ، شاركوه الحكم ، وقاموا بتأسيس مؤسساتهم المالية بنك فيصل وغيره وتمكنوا منه وزرع عضويتهم فى القوات المسلحة وفى جميع مفاصل الدولة .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *