Thursday , 21 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

عمر البشير وألفة فصلنا

بقلم مبارك أردول

هذه قصة لن أنساها أبدا وهي قصة الألفة (ص، م) الكبير والعاتي المعضل بل العنقالي الذي كان يكبرنا سناً وقد إختاره الأستاذ (100) ألفة لفصلنا سنة أولي دون مشاورة أي واحدأ فينا ( انقلابا على شرعية التلاميذ) بل أمرنا جميعا بأن نقف (قيام) في أول زيارة له في الفصل بعد قبولنا، عندما كان يحمل سوط العردك (مصدر قوة ) والذي كنت أطول منه قليلاً، بعدما وقفنا له قيام كما أمرنا، أختار أطول ثلاثة من زملائنا وسط حيرتنا وخوفنا معا، منها أمر الجميع بالجلوس وواصل في عملية اختياراته فأختار أعتى واحد من هؤلاء الثلاثة، فقال له أسمك منو:
إسمي (ص،م) وهو يرتجف خوفاً من سوط إستاذ (100)! وسط شفقتنا جميعا على مصير زميلنا (ص، م) المسكين.
قال له أستاذ (100) أنت تقف هنا فاهم! وأشار الي الفراغ بين الكنبة الأولى والسبورة، وأضاف أنت ألفة هذا الفصل من يوم الليلة، وزاد تشيل معاك ورقة وقلم وتكتب أسم أي زول مهرجل بعمل فوضى وشغب، وأضاف مستدركاً هل تعرف تكتب إسمك؟
قال له لا ما بعرف والله يا أستاذ؟
قال له إذن أي زول بعمل هرجلة (شغب) خليهو يقف هنا، وأشار بخط على الأرض بسوطه من الحائط الي الحائط في نفس الفراغ الفاصل بين الكنبة الأولى والسبورة، كرر كلامه له فأهم كلامي دا !.
ردد زميلنا وهو يرتجف حاضر يا أستاذ.
قال لنا وهو خارجاً من الفصل، ما داير أسمع أي إزعاج من هذا الفصل ووقت أعود سوف أعاقب المهرجلين، وأضاف ما داير أسمع ولا نفس فاهمين.
رددنا له بصوت واحد فااااااهمين.

لم نكن ندري أن عملة الاختيار العشوائية للألفة هذه سوف تترتب عليها نتائج كارثية علي مستقبلنا في هذه المدرسة، بل شفقنا على زميلنا وقلنا يا له من حظ عاثر أن يكون حجمك سبباً لتعاستك.

المهم الأسبوع الأول مر عادي ونحن (مخدوعين) ونحرص أن نكون في قمة التعاون مع هذا الزميل المسكين، الذي (بدى لنا) مهموماً في أن يخدمنا ويوفر لنا سبل السعادة والهدوء في فصلنا الطرفاني في المدرسة، ولكن في الأسبوع الثاني بدا هذا الألفة في انتهاج بعض السلوك الغريب، تمثل في عدم مشاركته في نظافة الفصل مع مجموعته التي كان عليها كنس ونظافة الفصل كل يوم ثلاثاء، فعمد أن يعطي زميلنا (أ ، ح ، أ) مكنسته وهو يقوم بالإشراف فقط، مع إن هذا كان ليس من مهامه.

وايضا حدثنا زميل أخر أثناء فسحة الفطور ويسكن مع الألفة في حلة واحدة، بأن الألفة (ص، م) لا يحمل حقيبته المدرسية ذهاباً أو إياباً من المدرسة ككل التلاميذ، بل كلف بها زميلنا (ع، م ، د) لهذه المهمة، وعلمنا أيضاً أن ألفة الفصل الثاني كان قد جلس مع ألفة فصلنا مطولاً في حديقة المدرسة الشرقية وأخبره بمزايا هذه السلطة التي منحت له مجاناً، وكيف أن هذه السلطة ممتعة وهو في صراع دائم للبقاء فيها نظراً لامتيازاتها المتعددة.

جاء الاسبوع الثالث وبدون أي مقدمات أصبح (ص، م) متشدداً ويكشر وجهه أمام أي واحداً فينا دون سبب مقنع، ذات يوم أخرج ثلاث أرباع الفصل مهرجلين وجلدوا شديدا بواسطة أستاذ (100) والذي كان لا يسأل الألفة أبداً من الأسباب ولا يعطي بالتالي فرصة للمهرجلين للدفاع عن أنفسهم تجاه تهم الألفة لهم بإحداث الشغب في الفصل والتي كان أغلبها ملفقة.

من جراء هذا التشدد من الألفة (ص، م) أصبح لا يستطيع وحده ضبط الفصل فأختار زميلنا (ع، م ، د) حامل حقيبته أختاره نائباً أولاً له وبعد يومين أضاف زميلنا (أ ، ح ، أ) حامل مكنسته أختاره نائب ثاني له، وبعد مرور أسابيع أصبح نوابه حامل حقيبته وحامل مكنسته ذات سطوة وجبروت كبيرين قاربت جبروته، فكبروا على ذلك الدور الوضيع وهو حمل الحقيبة والمكنسة، خاصة عندما أصبح محل سخرية وتندر من زملاء الصف، فاختاروا هم آخرين على التوالي لتلك المهام..

أصابتني الملاريا وغبت أسبوعاً من المدرسة أتعاطى حقن الكلوركين الذي كتبها لي الطبيب العم حاج أميكو (رحمه الله)، وبعد معاودتي للمدرسة وجدت الزملاء الآخيرين الذين كلفوا بحمل الحقيبة والمكنسة بعد تعيين الأوائل نوباً للألفة وجدتهم أصبحوا نوباً كذلك أطلق عليهم النائب الثالث والنائب الرابع على التوالي، فمن كان يحمل الحقيبة فهو ياتي في النيابة أول ممن يحمل المكنسة وهكذا دواليك وأستمر الحال الي أن أصبح لألفة فصلنا (16) نائباً أطلق على آخرهم الستاشر..

الألفة (ص، م) كان فقير للغاية لا يملك قبل إختياره ألفة حق الفطور ولا حق الطعمية وحلاوة قصب يشتريها من الحاجات الفرشات أمام بوابة مدرستنا (الرديف الإبتدائية بنين)، ولكن بعد هذا الاختيار للألفة بسبب القوة والبسطة في الجسم (كبر عضلات) و (الهرشة) من إستاذ (100)، أصبح (ص، م ) يفطر يومياً بساندويتش فول معدل وبالجبنة (كمان) ويستطيع شراء حلاوة قصب، فول مدمس، تسالي ، بافرة بالشطة وهذا كله من جود بعض زملائنا الذين يخافون من أن يدونهم نوابه في قائمة المهرجلين ويجلدوا من أستاذ (100) عشرة سوط كل مرة.

كانت كل هذه الرشاوي للألفة من قروش وفواكه من اللارينج والجوافة والقشطة والليمون والبرتقال له كنظام للتقرب منه وإصطناع الصداقات لكسب وده والبقاء في بلاطه أو قل كسب ثقته لكي يصبحوا نوابا له في القريب، وقصة النائب هذه طبعا يتم تعينه بمزاجه دون مشاورة أي أحد حتى الأستاذ نفسه، يرجع سبب النواب أيضا بالأضافة للخدمات التي يسدونها له من رشاوي والتمسح في بلاطه هو أن الألفة (ص، م) كان لا يستطيع كتابة أسماء المهرجلين حتى بعد مرور أكثر من ثلاثة شهر في المدرسة لبلادته وغباءه وسقوطه يومياً في مادة الإملاء.

بالإضافة للجلد عشرة سوط من أستاذ (100) فهذا الألفة كان لديه أسلوب عقاب خاص به لكل من لا يروق له ولا يجلب له هدايا، فهو يأمر نوابه بأن يسجل فلان هذا مهرجل (حتى دون معرفة السبب) ويطلب من هذا المهرجل أن يقف على ركبتيه أمام السبورة ووجهه عليها حتى يأتي الأستاذ، وإذا لطف ربك وأخرج أحد المهرجلين منجة أو قروش أو قشطة، عندها يأمر الألفة بأن يطلق سراح هؤلاء المهرجلين، والويل لكم إذا كنتم مثلنا لا تخفون عداءكم له، فهو سوف يكتبكم لا محال أمام أسماءكم عاصي ويضع شارة (+) أو عاصي جداً ويضع الشارتين (+ +).

وكان (ص، م) لا يغيب كثيراً من المدرسة لأنها تمثل له مصدر رزق ووسط يمارس فيه هوايته التسلطية المطلقة والتي لا تخضع لأي نوع من المراقبة والتقويم.

وكنت أنا شخصياً أنبسط شديد عندما يظهر علينا في فصلنا حزمة أسوط الأستاذ (ي ، م) قبل أن يصل هو معلناً تسميع بعض سور جزء عم، فالألفة في ذلك اليوم كان يجلد ويبكي ويتمخط ويكسر جبروته مع الأخرين لانه بالطبع مع زمرة الما (حافظين) للسورة المراد تسميعها، كنا نضحك مع بعض الزملاء أعداء الألفة عندما يبكي ويولول بحضور أستاذ (ي ،م )طبعاً، وعندما يغادر الأستاذ نصمت، ولكنه يظل متربصا لينا متى ما حانت له الفرصة .

فهذا الألفة طبعاً كان ما بعرف يلعب الكورة ففي حصة التربية البدنية (أروش وأشتر كمان) وفريقه مغلوب دوما ولا يحبونه في التيم كل كباتن الفصل الثلاثة. والمضحك أنه في يوم النتائج يكون ترتيبه بالطبع في ذيل القائمة ونطلق عليه يا (الطيش) امرأة الشاويش، ولكن نوابه كانوا يقولون له الأول با (المقلوب).

بصراحة، حتى الأن لا أشتاق لهذا الألفة (كزميل ) ولا أحب أن أقابله مهما طال الزمن بيننا، الهم الا صدفة، وأتذكره دوما كلما أرى عمر البشير مع نوابه.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *