Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

فقراء الخرطوم يعجزون عن شراء الأضاحي رغم الكساد وبدعة الأقساط

الخرطوم 5 أكتوبر 2014 ـ عجز الغالبية من محدودي الدخل بالخرطوم، حتى أول أيام عيد الأضحى، عن شراء خراف الأضاحي نظراً للأسعار العالية التي تراوحت بين 1200- 1400 جنيه للأوزان المتوسطة، وبيعت الأوزان الكبيرة بنحو 2000 جنيه، وسط شكاوى من الكساد وممارسة نقابات للسمسرة وهي تبيع العاملين في الدولة الأضحية بالأقساط.

الأسواق السودانية تشهد إرتفاعاً كبيراً في أسعار السلع
الأسواق السودانية تشهد إرتفاعاً كبيراً في أسعار السلع
وخبر السودانيون شراء الأضاحي بالأقساط في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي باتوا يعانونها منذ انفصال جنوب السودان في يوليو 2011، حيث ذهب بحوالي 75% من انتاج النفط الذي كانت تعتمد عليه البلاد في جني العملة الصعبة.

ورغم التكهنات التي راجت قبل أيام من حلول العيد عن إمكانية هبوط أسعار الخراف بسبب إيقاف التصدير، أو زيادة العرض بالعاصمة عن طريق مؤسسات وشركات ـ في الغالب حكومية اعتادت استجلاب الأضاحي بأسعار أدنى أو بالتقسيط (في حالة النقابات ) ـ إلا إن مستوى الأسعار وحتى نهاية يوم السبت، حرم الكثيرين من شراء الأضحية.

ويبلغ ثمن الأضحية في المتوسط ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور البالغ (426 جنيها).

وشكا عمال وموظفون لـ”سودان تربيون” من امتهان بعض النقابات للسمسرة، بهدف تحقيق أرباح قصوى، إذ يعرضون خرافاً اعتبروها هزيلة بأسعار عالية تصل إلى (1300- 1700)، عن طريق التقسيط غير المريح (4 أقساط)، مستغلين حاجة العاملين.

وأكدوا أن جلب الاتحادات والنقابات للخراف في كل عام أصبح تجارة رابحة، تدخل فيها بنوك ووسطاء وقيادات نقابية بعينها، بينما النتيجة المزيد من الديون التي تلقى على عاتق العمال والموظفين في القطاعين الخاص والعام.

الأسعار والتصدير
وبحسب توقعات الخبير الاقتصادي د. أحمد محمد حامد فإن أسعار الخراف ستظل مرتفعة، لجهة مساعي الحكومة لتكثيف الصادر من أجل الحصول على النقد الأجنبي، ما يقلل من حجم العرض في الأسواق الداخلية ويرفع السعر تلقائياً.

ويشير الخبير إلى أن قطاع الثروة الحيوانية أيضا مثقل بالضرائب والرسوم التي تزيد من كلفة الإنتاج، وعليه فإن مؤشر أسعار اللحوم بكافة أنواعها سيظل في تصاعد طالما ظلت الأمور على ما هي عليه.

وأضاف أن سياسة بيع الخراف بالتقسيط، وإقحام النقابات في أسواق المواشي، تعتبر ذات تأثير طفيف على عملية الشراء، لأن القسط نفسه فوق طاقة محدودي الدخل.

وأكد حامد أن الكثيرين يرون أن الأضحية “لمن استطاع إليها سبيلاً” وأن شراء “الخروف” بالتقسيط “بدعة رغم فتاوي شيوخ الحكومة”.

وقطع بأن انخفاض أسعار الخراف واللحوم عموماً يتطلب المزيد من الإنفاق الحكومي على قطاعي الثروة الحيوانية والزراعة، بهدف تنميتهما وتطويرهما، ثم تخفيف العبء الضريبي عليهما من أجل تقليل كلفة الإنتاج وبالتالي تنخفض الأسعار.

تكاليف متصاعدة
ويرى أصحاب الخراف، أن أسعار البيع الحالية هي نتيجة طبيعية للتكاليف المتصاعدة، في العلف والخدمات البيطرية، والضرائب والزكاة المفروضة علي القطعان.

ويقول سامي عز الدين وهو جزار وتاجر مواشي إن السوق في أول أيام العيد لا يبشر بخير لهم كأصحاب خراف، لجهة الكساد وقلة البيع، مضيفاً أن الأسعار ستظل على ما هي عليه، ولا توجد ضغوط عليهم تتطلب تخفيضها، ولن يضطرون للبيع بالخسارة طالما في إمكانهم لاحقاً ذبحها في المسالخ وبيعها بالجزارات بأسعار مجزية.

وتعج الخرطوم بالفقراء، الذين ليس بمقدورهم شراء الأضحية حتى لو انخفض ثمنها إلى النصف، فالحروب المشتعلة وعمليات النزوح المستمرة للعاصمة هرباً من الموت أو بحثاً عن العمل، جعلت الملايين يعيشون في أحزمة الفقر داخل وحول ولاية الخرطوم، بلا خدمات مياه أو كهرباء وبلا مصدر دخل ثابت.

وبينت دراسة عن سياسات الإقتصاد الكلي في السودان أعدتها د. ابتسام ساتي نائب عميد كلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم أن البرامج الإقتصادية الحكومية التي اعتمدت على تطبيق شروط صندوق النقد الدولي أو ما يعرف بسياسات التثبيت الهيكلي أدت إلى زيادة في تكاليف المعيشة واتساع الفجوة بين “الأجيال الجديدة من المليونيرات والجماهير الفقيرة بالفعل”، ووجدت البلاد نفسها في حلقة مفرغة من زيادة الديون وتراجع الإنتاج وانخفاض مستويات المعيشة.

وأضافت إبتسام في ورشة عمل عقدتها مجموعة اقتصاديات سودانيات بالتضامن مع مفوضية الاتحاد الأوروبي أخيرا “أصبح من المقبول عموما أن الفقر البشري له أبعاد كثيرة، وأنه ليس مجرد فقر الدخل أو عدم وجود الأشياء الضرورية للرفاه المادي، فالفقر البشري يعني الحرمان الذى يعاني منه الناس طوال حياتهم.. إنهم لا يتمتعون بالخيارات والفرص التي هي أساس للتنمية البشرية والتي تجعل من الممكن العيش لفترة طويلة، وصحية، والتغذية الجيدة والعيش في حرية واحترام الذات والكرامة والمشاركة في المجتمع”.

أرقام الفقراء
وعلى الرغم من أن الأرقام الرسمية عن معدل السكان تحت خط الفقر تقف عند حد 46.5%، إلا إنه رقم متواضع قياساً لعدد الفقراء بحسب مصادر مستقلة، كما أن تعريف الفقر نفسه لم يعد يشمل الدخل المادي فقط، بل القدرة على الحصول على ماء الشرب النظيف والخدمات الصحية والتعليمية، والسكن الآمن وغيرها من التعريفات الحديثة للفقر والفقراء.

ومضي اليوم الأول لعيد الأضحى، وسط كثرة الشكاوي من تصاعد تكاليف المعيشة والضغوط الإقتصادية التي يواجهها الناس، ولم يخفف من هذا الواقع لافتات “بنك الطعام” المعلقة في شوارع الخرطوم والتي حملت شعار “عيد بلا جوعى”، وهي تطلب من الميسورين التبرع بكيلوجرام واحد من أي خروف، بينما ثمن لافتة البنك الفاخرة يعادل سعر خروف بحاله.

وتبقى الأضحية حلماً بعيد المنال، للغالبية من الفقراء ومحدودي الدخل، طالما ظل الفرق شاسعاً بين السعر الخروف المرتفع والأجور المتدنية، دون أدنى أمل في انخفاض الأسعار، في بلد يرتع في مراعيه 39.2 مليون رأس من الضأن.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *