القلم ما بيزيل بلم (2/3)
بقلم: نعماء فيصل المهدي
الوجه الأكثر خطورة من أوجه الاستعمار، وترسانته الراسخة في عقول من تم استعمارهم هو مفهوم إن الحضارة مرتبطة بقناعات وأساليب وثقافة المستعمر، يتلازم ذلك دوماً مع انكار واستنكار بل تجريم الثقافة المحلية ، هذا الوجه حاضر وكثير الظهور في ثقافة دولة السودان اليوم، وهو انعكاس لاذمة ثقة بالنفس حادة وعدم احترام بالغ للذات السودانية، خصوصاً وإن ثقافة الدول المستعمرة السابقة تراجعت عن رؤيتها الاستعلائية للمستعمرات السابقة، بل وأصبحت تمارس وتتبني ثقافات كانت تلقبها في السابق بالوضيعة، مثل تبني ثقافة النباتية من الهند وتبني ثقافة احتساء الشاي من الصين وغيرهم.
قد يفسر ذلك بعض اوجه الاستلاب الحضاري لطبقة المتعلمين في السودان، فتجد البعض يتضامن مع اهل غزة ضد العدوان الإسرائيلي ولا يتضامن مع أهل جبال النوبة ضد عدوان مماثل من قبل الحكومة السودانية، وتجد البعض يتعامل مع الزائر الاوربي للسودان او لجالية سودانية في المهجر بحفاوة بالغة وفي ذات السياق يتعامل مع الزائر الافريقي بعدم اكتراث وتهميش بالغ، وتجد البعض يعرف تاريخ روسيا علي ظهر قلب ولا يعني نفسه بتفاصيل تاريخ السودان بل ويوصف ابطال تاريخ السودان بالدراويش دون ان يرمش له طرف.
فبينما تطورت الثقافة الغربية وانفتحت علي العالم بصورة مذهلة، ما زال في السودان من يحمل عقلية استعلائية متحجرة ومستلبة تقضي اغلب وقتها في سب وشتم السودان واهله وتسننكر تخلفهم! والغريب المريب هو إن تكتب هذة العقيلات بل وتشكل جزء مقدر من الرأي العام السوداني.
يقول مدرب فن الصحافة، الصحافي الشهير، كاتب خطب الوزراء والمشاهير، وكادر حزب العمال البريطاني المخضرم بول ريتشارد، يقول; ان الاعلام الجيد يتكون من عدة ابواب، منها اخبار الساعة او المقالات التي تشرح اوضاع قضية ما، او التعليق والتعقيب علي مواقف واحداث محددة، ومقالات او برامج للنصح او توفير المعلومات، او قصص تمثل سيرة او مسيرة معاصرة او تاريخية، او مواقف حقيقية.
اما الصحافة السيئة، الصفراء، الغير مجدية، فهي الكتابات التي تعتمد تماماً علي المدح او الذم لشخصيات محددة، والتي تعتمد علي أسلوب الغزل في مرشح سياسي او زعيم سياسي، او الكتابة بغرض مضايقة اشخاص بعينهم، او اللجوء لأسلوب ترويج الشائعات للنيل من خصوم في السياسة، او العمل علي تشويه سمعة غريمك او خصمك في كل المجالات باطلاق الشائعات المغرضة حوله، او الكتابات التي تعتمد تماماً علي المدح او الذم لشخصيات محددة، او الكتابة من اجل الظهور حتي يشار اليه بالبنان …فلان يكتب!
الصحافة احد اعمدة الديمقراطية والشفافية، فهي احد أبواب الحكم علي الشعب والشعب علي الحكم، اما اصحاب الاقلام فهم حراس مشارع الحق، ولذلك تقع علي عاتقهم مسئولية كبيرة جداً في توضيح الحقائق وتوصيل المعلومات، مع الابقاء علي الحياد والموضوعية في تحليل الامور واستجواب ومسائلة المسئولين واصحاب القرار والمال والساسة بأسم قراء ما يكتبون – لكن والعياذ بالله صحافتنا في السودان وخارجه اغلبها من النوع الاصفر، فاغلبية من يضع القلم علي الورقة ليكتب اما يكتب عن شمارات والشمارات هي الوصف العام للنميمة والنميمة جريمة او يستخدم أسلوب البهتان او الكذب اوالشتيمة وجلها من كبائر الذنوب في ديانات الاغلبية في السودان الاسلام والمسيحية.
اما الشتم وتوزيع الاتهامات من دون دليل فحدث ولا حرج. فكثير من الاحيان يشتم احد الاخر بوصفه بما ليس به من سيئات و تجد هناك من يشاركه الشعور بالاستياء الغير مبرر نحو من كُتب عنه – يوافقه علي ما كتب من شتائم ومن تهم من دون دليل بل و يوصفوه بالشجاعة او القلم الشجاع،….
متي اصبحت الشتيمة شجاعة؟ لا ادري.
في سياق اخر فان اغلب التحليلات السياسية تحلل شخص السياسي ولا تعلق علي مواقفه، يقول علم النفس الحديث بان النفس هي عبارة عن انفس مختلفة يتسني للشخص الصحيح نفسياً التنقل بينهم واختيار ما يريد حسب ما يواجهه من تحدي، ففي موقف قد يختار شخصاً ما مواجهته بروح الشجاعة، في حين قد يختار ذات الشخص مواجهة موقفاً اخراً بروح الخوف. فلا الموقف الاول يحدد من هو ولا الاخر يحدد ما هو بل هو كائن متغير ينتزع تصنيفه بشئ او باخر من أنسانيته واحترام حرية ارادته وتقلب صفاتة لتلائم الموقف الذي يراه مناسباً لمواجهة ما تمثل له .
لو كانت الكلمات تعي وتملك الارادة لشكت سوء استخدامها.
في لقاء أسري مع عضو حزب المؤتمر الوطني المنشق الأستاذعبدالغني ادريس اهدي لشخصي الضعيف نسخة من كتابه المثير للجدل “الإسلاميون … وأزمة الرؤيا والقيادة” تمنيت لو انه تطرق لعدم وجود استراتجية وسياسيات سليمة وذكية (SMART ) قابلة للتنفيذ والقياس المادي والزمني لحزبي الأسلاميون الوطني والشعبي سوا، ولكنه زحم الكتاب بما يعتبر ونسه لا تفضي الي شئ، وتحدث عن شخص القائد ولم يتحدث عن القيادة في حد ذاتها- فالكتاب لا يعد في رائي المتواضع سوي شمارات، كتبت بعبارات منمقة ليس الا ولم يتطرق لجوهر الازمة او لأسلوب علاجها، وهي في مجملها عدم ادراك الحكومة بادني مستوي لأساليب الحكم الحديث لدولة حديثة.
اما عن رؤي الأسلاميون فهي في حد ذاتها لا جدوي منها او فائدة ناهيك عن النطرق للقيمة المضافة التي تنتج عنها فهي في مجملها اعادة أسلمة شعب مسلم، اي كما يقول البريطانيون اعادة اختراع العجلة التي تم اختراعها …كيف لجهة ان تساهم في بسط الأسلام لشعب مسلم وما هي جدوي أسلمة شعب مسلم …لا ادري!
في ذات السياق فان للاستاذ بكري الصايغ والاستاذ عمر دفع الله مدعي الانتماء للفكر الشيوعي، او العلمانية فأن لديهم – تخصص في شتم الامام الصادق المهدي حتي ظننت بان لا وجود لسياسي في السودان سواه. للتحقق من ملاحقة بكري الصايغ للمهدي بالشتم والأساءة فما عليك سوي ادخال مفردات” بكري الصايغ والصادق االمهدي” في محرك البحث غوغل لتظهر لك ٤٠٤,٠٠٠ مقال للكاتب كلها يدور حول الأساءة للامام الصادق المهدي.
اما عن أسلوب الشخصنة وتوزيع الاتهامات علي الاخر في محاولة واضحة لاغتيالة شخصياً ” فأسكت كب” كما يقول اهلنا الشوايقة في وصف احتسائهم للشاي دون انقطاع.
ان النظرة الدونية التي يتعامل بها بعض أصحاب الاقلام والنخبة مع الشعب السوداني ليس من السهولة تفسيرها ولكنها في البداية والنهاية أستعلاء زائف وعنجهية جوفاء علي مجتمعات قد تصيب او تخطئ في حساباتها ولكنها ليست متخلفة كما يصفها البعض وليست رجعية كما يصفها الاخر فالانسان بالفطرة ذكي والانسان بالفطرة يدرك ما فيه خير له وما فيه شراً له وبالفطرة يحسن التصرف وبالفطرة قابل للتعليم ولتحسين وضعه ان شاء ذلك.
اما عن الاغلبية الأمية الصامتة والصامدة والتي تمثل ٦٠% تقريباً من الشعب السوداني الحالي فالأمية لا تعني الجهل، بل كان منهم رسول امة يفوق عددها اليوم المليار نسمة، وهي مجموعة ستنظم صفوفها وتزأر يوماً في وجه من ينظر اليها اليوم بدونية وتجبره علي احترامها وحتي ذلك الحين فيا أصحاب الاقلام التي لا تزيل بلم …اتقوا الله في شعب السودان وان تفعلوا ولم تفعلوا فلتتقوا شر الحليم اذا غضب وحليم السودان حتماً سيغضب يوماً ويرغم من يوصفه بالتخلف علي احترامة.