كيف اقنع جارتى “الجمايكية” من ان الاسلام برئ من هولاء ؟!
بقلم محمد بشير ابونمو
[email protected]
يتوارى المرء هذه الايام خجلا من “افعال ” من ينتسبون الى الاسلام ويرتكبون من الجرائم يرتجف منها الابدان ، وليت مثل هذه الجرائم يرتكبها الافراد بقناعاتهم الخاطئة ، سواء كانت قناعات دينية او سياسية او حتى عرقية ، لان خطأ الفرد مهما تعاظم لا تستطيع اى جهة ربطها بالمجموعة ومعتقداتها ، وذلك اما لمعزوليته او لمعرفة المجتمع العريض بالسلوك العام لتلك المجموعة او تبرءُ المجموعة نفسها – وبسرعة – من افعال مثل هولاء الافراد الذين يحاولون ربط افعالهم وسلوكياتهم بقناعات المجموعات وخاصة الدينية ، حتى يتم ابعاد الدين من افعال هولاء . ولكن يصعب جدا نفى الافعال والجرائم وإبعادها من المعتقد عندما تكون مرتكبوها جماعات دينية كالمجموعات الاسلامية المتطرفة فى بلدانها المختلفة سواء كانوا فى السودان ، ليبيا ، العراق ، سوريا ، اليمن ، الصومال ، افغانستان ، او باكستان ، والتى تدعو جميعها فى هذه البلاد الى تحكيم شريعة الدين للفعل السياسى العام ، ذلك الفعل السياسى الذى يشترك جميع دول العالم الان فى معظم مناهجه وسلوكه وقيمه ، والتى اصبحت عالمية فى ظل التطور التقنى الذى جعل من العالم قرية صغيرة . هذا حديث عام بالطبع ولكن دعونى افرد بعض التفاصيل التى تتخللها بعض المواقف والتجارب الشخصية ، ولا غرو اذا كانت المواقف الشخصية والتجارب تساهم لشرح القضية العامة .
رحلتُ الى منزل وحى جديد منذ حوالى العام ، ووجدت ان جارتى البريطانية “السوداء ” ترحب بى كجار جديد ، على غير العادة هنا ، لانك يمكن ان تسكن هنا – الغرب بشكل عام – بالسنين ولا تعرف اسم جارك اللصيق دعك من الزيارات والتداخل البينى كما فى مجتمعاتنا ، ويكتفى الجيران هنا بهزات الرأس فقط للتعبير عن مساء الخير او صباح الخير حيثما تلقيان بالصدفة مساء او صباحا ، ولكنى اعتبرت ان جارتى حالة خاصة وقلت فى نفسى ايضا المقولة الشعبية ان ” الدم يحن ” ، لان جارتى صحيح بريطانية ولكنها سوداء (مثلى) من اصول جمايكية والتى ترجع ايضا الى افريقيا ، والمعروف انه من طبيعة البشر ان الاقليات العرقية يتعاطفون مع بعضهم البعض حينما ما حلوا .
بعد انقضاء شهر رمضان من العام الماضى لاحظت ان جارتى قد تغيرت واصبحت كالاخرين تكتفى فقط بهزة الرأس عندما نلتقى وبل “الطناش” احيانا بادعاء عدم ملاحظة وجودى او مرورى بجوار بابها . اكتشفت السر بالصدفة عندما زارنى يوما صاحب العقار الذى اسكن فيه ، وهو رجل “حبوب ” من اصل تركى وعلى معرفة لصيقة بجارتى الجمايكية بحكم الجيرة السابقة . اتانى الرجل ضاحكا وطلب منى ان اشكره لانه قد تكلف بالنيابة عنى بازالة سوء فهم “خطير” علق بجارتى منذ فترة ، يوم ان لفت نظرها صوتى من تلاوة القرآن جهرا فى امسية رمضانية عندما كنت اصلى بالجماعة صلاة المغرب بحديقة المنزل ببعض الاخوة الذين لبوا دعوتى لتناول افطار رمضان ، حيث حدثنى الاخ التركى ان المرأة جاءت خلسة و “مفزوعة” تلك الامسية واسترقت السمع من خلال الحاجز الخشبى الذى يفصل الحديقتين ، وتيقنت ان الجمع هناك يؤدون الصلاة ، واستنتجت من حينها ان جارها الجديد مسلم وهذا ما ارعبها ، وصارت تتفاداه من ذلك اليوم ، لانها حسب ما سمعت ان المسلم يعتبر غير المسلم (كافرا ) وبالتالى (عدوا) ، واسرت السيدة لصديقها وجارها التركى انها لولا اعتراض ابنها (الشاب البالغ ) لكان قد اتصل بالشرطة مبلغا اياهم ان جاره (شخصى ) – ومن فرط تشدده – قد جمع اتباعه وجعل من منزله مسجدا يؤدى فيه شعيرة الصلاة ، لان حسب معلوماتها ، ان صلاة المسلمين تؤدى فقط بالمسجد وليس البيت ، تماما كالصلاة الاسبوعية بالنسبة للمسيحيين بالكنيسة !
لحسن الحظ فقد تمكن الاخ التركى من ازاحة حاجز الخوف تجاهى من هذه السيدة واقبلت علينا مرة اخرى معتذرة من سوء الفهم والذى يرجع جُله الى جهلها بالاسلام وعدم اختلاطها بالمسلمين بشكل عام ، ولكنها فى نفس الوقت ابتدرت معى نقاشات مستمرة بنهاية كل اسبوع كلما نلتقى خارجين من بيوتنا او داخلين ، وتتناول دائما بالنقد الاحداث العنيفة المرتبطة بالجماعات الاسلامية المتطرفة . لا انكر انى قد تمكنت من ازالة الكثير من سوء الفهم المرتبط بالاسلام من جانب جهلها بالدين الاسلامى ، ولكن مما يحرجنى احيانا انها تبحث من خلالى على اجابات مقنعة لكل اعمال الجماعات الاسلامية وخاصة المتطرفة بدءً بجماعة بكو حرام النيجرية ومرورا بجماعة انصار الشريعة الليبية ثم القاعدة بمسمياتها وقواعدها المختلفة مثل طالبان افغانستان وباكستان واليمن وتنظيم الشباب الصومالى وجماعة “داعش” فى سوريا والعراق وغيرها من التنظيميات الاسلامية المتطرفة الكثيرة ، ولم تقتنع هذه السيدة باجاباتى الجاهزة من ان هولاء لا يمثلون الاسلام الصحيح ، لان الاسلام الصحيح يدعو الى الاخوة والمحبة وحرمة القتل والتفجير ليس فقط ضد المسلمين ولكن ضد ايا كان دينه ، وبل حتى من لا دين له . بالامس – ولحظى العاثر – وعند عودتها من العمل ، وقبل دخول بيتها طرقت جارتى المذكورة باب بيتى ، وبعد التحية وابداء الاسف للمرور غير المبرمج ، قالت انها هنا فقط لتسليمى جريدة يومية معروفة لذلك اليوم ، قالت انها احضرتها لى بصفة خاصة لقراءة الموضوع الرئيسى فيها ، وقالت انها لا تريد مناقشتى فى موضوع الجماعات الاسلامية هذه المرة ، وخاصة موضوع الجريدة ، ولكنها تريد فقط ان تسألنى سؤالا واحدا وتترك لى فرصة الاجابة لاى وقت لاحق وهو : هل انتم وهؤلاء (ويقصد جماعة داعش العراق ) تصلون صلاة واحدة لرب واحد تعبدونه جميعا ؟ وناولتنى الجريدة وولجت باب بيتها . الملفت فى الجريدة ان الصفحة الاولى تملؤها بالكامل صورة كبيرة لمجموعة مصطفة من مقاتلى “داعش” العراق ، وكلهم ملثمون يطلقون النار بشكل جماعى على العشرات من الطوابير المصطفة ركوعا واستلقاءً على الارض وعلى بعد مترين او ثلاث من المسلحين القتلة ، وهنالك بالطبع تفاصيل مروعة بالداخل ، ومنها ان الضحايا اغلبهم مدنيين كما تظهرهم ملابسهم وان المقاتلين قد اجبروا ضحاياهم على حفر قبورهم قبل اعدامهم ، وان الذين تم اعدامهم بهذه الطريقة يتجاوز اعدادهم الالف والسبعمائة شخص كلهم شباب نضر ذنبهم فقط انهم ينتمون لطائفة الشيعة العراقية ، اصابنى القرف وبل الغثيان بالطبع من تلك المناظر الموغلة فى البشاعة ، وبدأتُ استرجع شريط الاخبار خلال الاسابيع الماضية فقط لاكتشف ان هذه الجماعات قد ارتكبت من الجرائم يصعب معها الاجابة على سؤال جارتى الجمايكية ، هل اننا وانهم جماعة اسلامية لدين واحد وهو الاسلام ؟
قادنى “الفلاش باك” اولا الى جماعة بوكو حرام النيجيرية والتى تحتجز منذ اكثر من شهرين ، اكثر من مئتين وعشرين (220) من الفتيات القاصرات وهن تلميذات مدارس تم اختطافهن واخذهن الى احراش نيجيريا الوعرة مطالبين مبادلتهم بقادة “الجماعة ” فى السجون النيجيرية والذين تم محاكمتهم او ما زالوا فى طور التحقيقات لارتكابهم اعمال قتل وتفجيرات فى المدن النيجيرية ، ومن سخرية الاقدار ان قائدهم (محمد ابوبكر الشكوى) ظهر فى شريط فيديو يهدد الحكومة بانه سيقوم بتزويج الفتيات بالقوة وبيعهن كسبايا لقاء 12 دولارا لكل واحدة منهن ، وشخصيا انتابنى الالم والحيرة فى نفس الوقت ، عند سماعى الشريط وتسألت : لماذا تحديد (القيمة) باثنى عشرة دولارا فقط ، ولا ارى سببا آخر غير الامعان والمغالاة فى اذلال المرأة التى كرمها الاسلام ويذلها هولاء ، وباسم الاسلام للاسف . وقد قادنى شريط الذكريات (الاخبار) ايضا الى ليبيا حيث تم اغتيال اكثر من خمسمائة (500) من ضباط الجيش اللليبى وفى مدينة بنى غازى لوحدها ، وذلك من قبل جماعة “انصار الشريعة” هناك فى سلسة متتابعة فى فترات مختلفة ، فى مؤامرة مسنودة من اباطرة الاسلام السياسى لتصفية الجيش الليبى واحلال المليشيات الاسلامية بدلا عنها ، ثم الى السودان والى احدث ما جادت به محاكم نظام الانقاذ وهو حكم “الردة والزنى” والذى صدر فى حق مواطنة سودانية شابة ” مريم ” ، والتى كانت كل جريمتها انها اختارت من تتزوجه ضد رغبة اهلها ، وقناعتى ان اهلها مدفوعين للانتقام منها ليس لانها تزوجت رجلا مسيحيا بقدر ما انهم مدفوعين اكثر بالكراهية العرقية ، لانها تزوجت شخص من جنوب السودان ، وهم معذرون فى ذلك لانهم ضحايا التحريض العرقى وخطاب الكراهية والسموم التى بثها الطيب مصطفى من خلال جريدته ” الانتباهة ” والتى استمرت لفترة تجازوت الخمسة سنوات ، وكانت كافية ليس فقط للمساهمة بفصل زوجين شرعيين مثل مريم وزوجها ، ولكن الخطاب بالفعل قد تسبب فى فصل السودان الى بلدين وهذا افظع .
اما المحطة قبل الاخيرة فقد قادنى الشريط الى كينيا حيث عبر الحدود الصومالية مجموعة من “مليشيا الشباب” وشنوا غارة ليلية فى نادى يعج بالشباب الكينى يتابعون فى مبارة لكأس العالم فنزلوا فيهم تقتيلا وقطعا للاوصال وكانت الحصيلة حوالى الستين (60) من الضحايا . اما المحطة الاخيرة من شريط إجرام الجماعات الاسلامية فكان مسرحها معقل تنظيم القاعدة “افغانستان” ، حيث تُجرى هذه الايام الانتخابات الرئاسية ، وقد سبق وان اعلنت جماعة طالبان انهم سيقاطعون الانتخابات ، وليس ذلك فحسب وبل هددوا بقطع اصبع كل من يصوت فى هذه الانتخابات ، تلك الاصابع الى يتم غمسها فى محلول اليود لتمييز الذين صوتوا من غيرهم وحتى لا يتكرر التصويت من شخص واحد ، فقد تمكنت جماعة الطالبان من الوصول الى حوالى احد عشرة (11) شخصا من الذين صوتوا فى الانتخابات ونفذت فيهم تهديدها بقطع اصابع هولاء ، وقد ظهر كلهم فى المستشفى واياديهم ملفوفة بضمادات فى منظر يفطر له الفؤاد من جماعة تبشر برسالة عالمية ، اما مصير من يعترضها فعقوبتها القطع فى كل الاحوال ، اعظمها قطع الرؤوس واقلاها قطع الاصابع واختطاف الفتيات القصر !