بانتيو: البركة فيكم
بقلم مجدي الجزولي
تعرض الصفوة السياسية هذه الأيام على شعبنا كل فنونها، حوار وطني قدر ظروفك، ومفاوضات بأديس أبابا بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) يسعى فيها غازي العتباني والمبعوث الأميركي دونالد بوث بالخير، ثم تصريحات لا حابس لها عن الانتقالية وما الانتقالية، أيقبلها الرئيس، لا لن يقبلها، ثم أيترشح الرئيس، نعم سيترشح ومالكم كيف تحكمون، قال جماعته.
والحال على ما هو عليه، ظهر عوج “اللعبة” السياسية في بانتيو، حيث حصد رصاص جنود رياك مشار أرواح ما لا يقل عن المئتين من المواطنين السودانيين طلبوا النجاة في جامع المدينة بدعوى أنهم كانوا يقاتلون إلى جانب الجيش الشعبي الموالي للرئيس سلفا كير ضمن قوات تابعة لحركة العدل والمساواة والجيش الشعبي قطاع الشمال. من جانبه، إدعى الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي الموالي للرئيس سلفا كير، فيليب أقوير، أن مليشيات من الجنجويد تقاتل إلى جانب قوات مشار. هذا في وقت تكرر فيه الإعلان، من قبل مدير جهاز الأمن متحدثا في الفاشر، ثم وزير الدفاع تحت قبة البرلمان، عن بعث دفعات من قوات الدعم السريع إلى مناطق النزاع في جنوب كردفان ضمن حملة الصيف العسكرية. بذلك فإن الراجح أن قتال دارفور، تورا بورا وجنجويد في عبارة المتحدث باسم قوات مشار وقرينه المتحدث باسم الجيش الشعبي، قد انتقل مسرحه إلى جنوب وغرب كردفان وجوارهما الجنوبي في ولاية الوحدة بالتقاطع مع القتال بين جناحي الجيش الشعبي.
كتب أحمد حمدان في الرأي العام (الإثنين، 21 أبريل) أن المجلد وحدها شهدت مائة وخمسين عزاء لمن قضوا في بانتيو، منها عزاء لخمسة أشقاء. نقل أحمد مصير الأخوين عبد الله وصالح زكريا وابن خالهم آدم حمودة من أم خشمين غرب كردفان، الأول تاجر مستقر في بانتيو والثاني والثالث ينقلان إليه وغيره من التجار البضائع من أم درمان. فر صالح إلى مقر الأمم المتحدة في بانتيو ساعة اشتدت المعركة فنجا بينما احتمي عبد الله وآدم بالجامع جيث وجدهما صالح في صباح اليوم التالي جثتين ضمن محفل للموت. أفرغ جنود مشار الرصاص في حشا عبد الله وآدم وغيرهما مئات في جامع بانتيو، لكن الموت الذي لفحهم عقابيل للسياسة الفاسدة في السودانين، السياسة التي يروم أصلاحها بالتسوية أصحاب السلاح في جوبا والخرطوم، حكام ومعارضين، تلم شملهم جميعا أديس أبابا.
لم ينعقد عزاء لقتلى بانتيو، شماليين وجنوبيين، في أديس أبابا، لكن تبادل المتفاوضون في المنضدتين، الشمالية والجنوبية، الابتسامات وأطلقوا التصريحات، ولما لا، فالقتلى أيا كانوا أرقام في صفحات البيانات الإعلامية، أصفار تختصر الدم واللحم في نقاط من الفراغ، لن يزاحموا أحدا في مقاعد القصر والوزارة ولن تضر أصواتهم الانتخابية فريق أو تنفع آخر. لقد سمعت جماهير شعبنا من صفوة النادي السياسي ما سمعت، وحان الوقت أن تنعكس هذه الآية وتسمع هي فترعوي عن هذه التجارة بالدم، الدم المسفوح على المناضد لا تراه أعين المفاوضين المجردة لكن سيله حتى أم خشمين.