Sunday , 24 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

اليوم نفير وغداً تغيير

بقلم عثمان فضل الله

دبي 18 اغسطس 2013 – روح جديدة لم تغذّها غبينة زعيم المؤتمر الشعبي المعارض د. حسن الترابي، ولا تهويمات الصادق المهدي، ولا حيرة الحزب الشيوعي السوداني، انتظمت الشباب الخرطومي منذ ما يقارب العامين أو يزيد، تنضج في هدوء بعيداً عن كل هذا وذاك، اتخذت من “النفير” وسيلة لفضح تقصير حكم الإسلامويين ومجافاته للشعارات التي امتطاها للوصول إلى السلطة.. لا تنظيم سياسي رابط بينها ولا معتقد فكري يسندها، غير أن ما يجمعها هو حب بلد ما زال يلعق جرح الانقسام، ويبكي آلاف الضحايا في دارفور، وينظر بعين الحيرة إلى ما تفعله مجموعة المتأسلمين في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

اجترحت هذه الروح مجموعة أطلقت على نفسها “شباب شارع الحوادث”، وهو طريق يمتد بامتداد مستشفى الخرطوم أكبر مستشفى في السودان، تصدت لتقديم المساعدة لكل فقير لا يستطيع دفع ثمن الدواء أو تذكرة الطبيب، وباتت المجموعة ملاذا لكل الحالات التي أعيتها فاتورة العلاج، بعد أن كانت كل الحكومات المتعاقبة على السودان تقدمه مجاناً، غير أن “الإسلامويين” قرروا بجرة قلم إلغاء مجانيته ورصيفتها مجانية التعليم.

وعندما اشتد الفقر بأهل البلاد والتهم غوله الشريحة الوسطى وأغلقت المصانع وتوقفت المشاريع الزراعية وبات البوم ينعق في سرايات “الجزيرة”، أكبر وأهم المشاريع الزراعية في بلاد يشقها أطول نهر في العالم، ظهر شباب “صدقات” و”ديل أهلي” ليقوموا بمساعدة الفقراء والمساكين المتعففين، ومدهم بالكساء والغطاء والمأكل والمشرب، بعيدا عن أجهزة الحكومة وإعلامها، فوصلوا إلى أسر ما كانت يوماً تظن نفسها ستمد يد الحاجة سؤالا عن الكساء والدواء، ناهيك عن الأكل.. انطلقت تلك المجموعات تبني شبكاتها وتشبك علاقاتها داخل البلاد وخارجها، و”الإسلاميون” سادرون مثلما قال الأديب الراحل الطيب صالح، “يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى! وعن الأمن والناس في ذُعر! وعن صلاح الأحوال والبلد خراب!”.

وفي كارثة الأمطار والسيول الماثلة التي ضربت البلاد طولاً وعرضاً، غابت الدولة غياباً يندى له جبين الرضع خجلاً، وعاش الناس يقاومون السيول ويكابدون المطر، دونما مسؤول يحركه ضميره ليذهب متفقداً أحوالهم، أو آخر تدعوه نخوته ليلطخ أرجله بالوحل ماسحاً دمعة أم فقدت أطفالها، أو يهدئ من روع قصر ينتظرون والدة ذهبت تبحث عن كسرة خبز فجرفها السيل، وجاءتهم جثة محمولة على أعناق “أولاد الحلال”.

غاب “الإسلامويون” وانفضحت شعاراتهم، وولدت “حملة نفير”، لتضيف رصيداً آخر لمبادرات الشباب المتحرر من قيود القوى المعارضة وهوس الإسلام السياسي، معلنة شعاراً سرى كما السحر، لأنه خاطب وجعاً مقيماً “اليوم نفير وغداً تغيير”.

بدأت المبادرة بـ”15″ شاباً لتصل في عشرة أيام إلى 1400، انطلقت تغيث المنكوبين بيديها، ترفع حائط هذا وتنتشل جثة ذاك، تخلي امرأة حاملا وتجمع مرضعا برضيعها.. نعم، ولدت “نفير” من رحم “صداقات” و”ديل أهلي” وشباب شارع الحوادث.. ولدت من روح النفير، مبادرة لا يملك مفجروها سوى حب بلاد أضناها حكم يدعي أنه ظل الله في الأرض، دون أن يتمثل قيم الدين في شيء

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *