الأم كواك في دارفور: زوليك برضو؟
بقلم مجدي الجزولي
الخرطوم 28 فبراير 2013 – أكملت الحرب السودانية في دارفور هذا الشهر عامها العاشر، فالحرب المستمرة ما تزال يؤرخ لها بهجوم جبهة تحرير دارفور في 26 فبراير عام 2003 على قولو في جبل مرة، والتي تجدد فيها القتال مؤخرا مراوحة بين حركة تحرير السودان – جناح عبد الواحد نور والقوات الحكومية عودا على بدء. لم أجد في الأدب السياسي المتواتر عن الحرب في دارفور أبلغ من تشخيص الدكتور آدم الزين للصراع في الاقليم بأنه أم كواك ثانية بعبارة أهله، أي فوضى عارمة يستبيح فيها الناس دماء وأعراض وممتلكات بعضهم البعض، وهو معنى اتفق كذلك للمرحوم محمد ابراهيم نقد في ديسمبر 2005 وهو يتحدث عن الحرب في الاقليم في ليلة سياسية للحزب الشيوعي بود مدني. قال نقد، في حال التأسي على تهافت النادي السياسي يرقب مشلولا وساطة نائب وزيرة الخارجية الأميركي وقتها روبرت زوليك للصلح بين مني مناوي وعبد الواحد نور، أن “دارفور أفلتت من يدنا.. نحنا كشعب دارفور أفلتت من يدنا.” شدد نقد ليلتها أن دارفور مستودع حضارة سودانية وما يدور فيها ليس صراعات قبلية وإنما انهيار مجتمع دارفور بالمرة.
استمرت أم كواك دارفور الأولى من العام 1874، سنة اجتاح الزبير باشا رحمة كوكيل غير مباشر عن السلطة التركية المصرية في السودان مملكة دارفور وهزم سلطانها ابراهيم قرض في معركة منواشي، حتى 1916، عندما شنت دولة الحكم الثنائي الانجليزي المصري الحرب على السلطان علي دينار حتى أجهزت عليه وفرضت سيطرتها على الاقليم. قدر آلكس دو فال في كتابه “المجاعة الفتاكة: درافور، السودان” (نسخة منقحة، 2005) أن عدد سكان دارفور تناقص إلى النصف تقريبا خلال الأربعين عام التي أعقبت 1874، بل أن التوزيع الجغرافي للسكان في الاقليم اليوم يعود إلى الاضطراب العظيم – الأم كواك – الذي شهد خلال تلك الفترة. أفضى اجتياح جيش الزبير باشا لسلطنة الفور ضمن أسباب طبيعية إلى مجاعة شديدة، تعرفها ذاكرة الاقليم باسم “كارو فاتا” أي العظم الأبيض، دلالة على فتكها بالأرواح، تلتها مجاعة أشد، مجاعة سنة ستة نسبة إلى العام الهجري 1306 والتي استمرت من 1888 إلى 1892، وتفاقمت في دارفور بأثر الحرب بين جيوش المهدية والفكي أبو جميزة والتهجير القسري للبقارة بأمر الخليفة عبد الله إلى أم درمان.
نقل دو فال في كتابه وصف علي دينار لأحوال الاقليم عند عودته إليه في زمرة من أنصاره غداة الغزو الانجليزي عام 1898. قال علي دينار في رصد الانجليز: “وجدت البلاد في حال يؤسى له من الخراب والدمار. كانت كلها جرداء، ليس فيها إبل ولا بقر ولا غنم ولا حتى حمار واحد،” لينتهي إلى أن دارفور غدت “كوم خراب”. في سعيه لأعادة “النظام القديم” شن علي دينار الحرب على البني هلبة عام 1900 بجيش قاده رجل يدعى سالم فأورثهم “مجاعة سالم”، وحاصر كبكابية حيث اعتصم الفكي سِنّين يحفظ للمهدية ثغرا حتى هزمه بالجوع عام 1909. حكم القحط على دارفور مرة أخرى بمجاعة كبرى عامي 1913 و1914، معروفة باسم جُولو (من جَال) أو أم سَدُر، زادت فتكا في جنوبي وشرقي الاقليم بالحرب بين الرزيقات وقوات السلطان. كتب ناظر الرزيقات وقتها موسى مادبو: “أصبحت أرضنا صحراء، بلا سكان سوى الطير والوحش. نعيش على الأشجار وتموت أبقارنا من الجوع.” زاد الناظر في خطاب تال: “لم يسلم بيت واحد من الحرق”.
كما ناظر الرزيقات عام 1913 تحدث الإثنين نائب دائرة السريف آدم شيخة في دار أهله بني حسين في أم درمان. رصد النائب مقتل 510 من بني حسين في حرب جبل عامر بينهم والرزيقات الأبالة، وحرق 68 قرية حرقا كاملا و 120 أخرى جزئيا ونزوح آلاف الأسر جراء الاقتتال إلى السريف وغراء الزاوية وأبو قمرة وأبو لحا وكبكابية. فمن لهذا الكواك بأمه وأبيه، زوليك برضو؟