Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

يا ناتسيوس: شنو الفهم؟

بقلم مجدي الجزولي

نشرت نيويورك تايمز في عددها الدولي الصادر أمس كلمة للمبعوث الأميركي الأسبق إلى السودان، آندرو ناتسيوس، قدر فيها أن المعارضة المسلحة والمسالمة في السودان تجمع بين مكوناتها بغضاء الرئيس البشير وحزبه وليس “رؤية مشتركة” لمستقبل البلاد. حلفاء المعارضة، بحسب ناتسيوس، وإن استطاعوا الإطاحة بالبشير، متنازعون حول السؤال الذي يسكن السودان منذ نشأته: العلاقة بين الإسلام والدولة السودانية. مثل ناتسيسوس لهذا الاشتباك بطرح تقلبات حسن الترابي في شأن إسلام الدولة ثم الخلاف الذي شق الحركة الإسلامية في 1998/1999 وتحفظات حركة العدل والمساواة على مطلب العلمانية الظاهر في إعلان الجبهة الثورية، إلى جانب مساندة الحزبين الكبيرين، الأمة والإتحادي لحكم الشريعة. كتب ناتسيوس: “ليس جليا إن كان باستطاعة المتمردين اسقاط حكومة البشير. لكن، إن تحقق لهم ذلك لربما هيأوا المسرح فقط لحرب أهلية جديدة”.

غاب عن تحليل ناتسيوس إرادة المتنازع حولهم، الناس المطلوبة توبتهم إلى الشريعة أو تحريرهم من كبتها، فالمسرح الذي ذكر ساحة يشغلها أمراء الأحزاب وقادة الجيوش لا شريك لهم. بهذا المنظور فإن ميزان القوى يميل كل الميل لصالح البشير الرئيس وحزبه والأمل ضعيف في مستقبل “سلمي ديموقراطي” كما ذكر، وهو ذات المنظور الذي قاد برنستون ليمان، المبعوث الأميركي الحالي، إلى تسويق مخرج إصلاحي للأزمة الثورية في البلاد تتولى بموجبه السلطة الحاكمة مسؤولية تفكيك نفسها إذا جاز التعبير. لكن، ألم تطش أحزاب النادي السياسي، كما ناتسيوس وليمان، من شاغل الناس وتاهت عن إرادتهم منذ أمد. بل يكاد رأي ناتسيوس يتطابق مع التحليل الذي صور لقيادة الأمة والاتحادي أن باستطاعة مهدي وميرغني صغيرين في القصر حجز مقاعد لمركزي القوى هذين في مستقبل مبهم المعالم، قد ينقلب النزاع السياسي فيه إلى حرب يقالع فيها كل فصيل على حده كما يحذر الصادق المهدي بانتظام.

بإزاء مخاوف الأساتذة هذه وسوء ظنهم بأنفسهم، فسياستهم شغل “أوغاد” كما حكم غازي صلاح الدين في حواره الرمضاني مع الصحافة، راكمت القوى الشعبية خبرة ثرة في كبح جنوح الدولة بالدين بل حملها حملا على التراجع متى “بالغت”. كما تكشف لها منذ أمد زيف التنطع بالشريعة في طلب السلطة حتى أن المؤتمر الوطني هجر قصة الشريعة في غالب دعواه يحتج لنفسه بالتنمية والكباري، ولا يرد الشريعة سوى ساعة الحوبة القصوى، وذلك لجمع صفه الداخلي، قاعدة الحركة الإسلامية المتململة، أو تسويق موقف استعصت الدعاية له بغير دثار المشروع الإسلامي. بذات القدر، لم تفلح الأجندة الحربية – حارب، فاوض، شارك – في فرض نفسها متى فارق روادها سجادة الناس واكتفوا بنصرة السلاح وسعر تسليمه. الفهم إذن لا عند ناتسيوس ولا ليمان بل عند الفاهمين أبدا، من سبق ذكرهم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *