Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

جنوب كردفان في حاجة إلى مراقبين دوليين: هيومان رايتس واتش

(جوبا، 27 يوليو/تموز 2011) – قالت هيومن رايتس ووتش إن مجلس الأمن يجب أن يتخذ خطوات فورية لضمان وجود رقابة دولية في جنوب كردفان، حيث أفادت تقارير بحدوث انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان بواسطة القوات المسلحة السودانية. وتعتقد هيومن رايتس ووتش ان أعضاء المجلس، الذين من المقرر ان يجتمعوا الخميس الموافق 28 يوليو/تموز 2011، يجب أن يضغطوا على كل الأطراف من أجل وقف فوري للهجمات العشوائية وغير المتكافئة على المدنيين، كما يجب على أعضاء المجلس أن يحذروا كل المسؤولين عن ارتكاب جرائم من انهم سيخضعون للمساءلة.

بدأ النزاع في المنطقة في 5 يونيو/حزيران بين قوات الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان في كادوقلي ومدن أخرى في جنوب كردفان. وقصفت القوات السودانية مناطق يقطنها مدنيون، كما نهبت منازل وكنائس واعتقلت وقتلت مدنيين لمجرد الإشتباه في ارتباطهم بالحركة الشعبية لتحرير السودان، الحزب السياسي الحاكم حاليا في جنوب السودان. وأدلى شهود عيان أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات في جوبا تفاصيل الهجمات التي حدثت في مناطق جنوب كردفان.

وقال دانيال بيكيل، مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يتهدد الخطر عشرات الآلاف من المدنيين في جنوب كردفان، ولا يوجد على الأرض ما يسمح بتغطية تفاصيل الأحداث التي جرت هناك، أو فعل أي شيء تجاه ما يحدث. هناك حاجة عاجلة لوجود دولي في جنوب كردفان لمنع حدوث المزيد من الانتهاكات.”

يدور القتال في العديد من مناطق جنوب كردفان، وتقوم القوات السودانية بقصف مناطق في مختلف أنحاء جبال النوبة، بما في ذلك مناطق تجمعات للنازحين. فقد قصفت القوات السودانية في 26 يونيو/حزيران منطقة كورشي، ما أسفر عن مقتل 16 شخصا، بينهم 3 أطفال. وتظهر صور حصلت عليها هيومن رايتس ووتش جثث نساء وأطفال مزّقتها متفجرات.

وتضم منطقة جنوب كردفان مجموعات سكانية كبيرة تنتمي إلى جماعة النوبة الإثنية. وتقع منطقة جنوب كردفان في الحدود الفاصلة بين السودان ودولة جنوب السودان، إلا ان سكان المنطقة ارتبطوا منذ فترة طويلة بجنوب السودان. أصبح جنوب السودان دولة مستقلة في 9 يوليو/تموز، إثر الاستفتاء الذي صوتت فيه غالبية الجنوبيين لصالح الإنفصال. وكان الاستفتاء واحدا من بنود اتفاقية السلام الشامل، التي وضعت نهاية لحرب أهلية استمرت 22 عاما.

قال الشهود الذين حاورتهم هيومن رايتس ووتش ان جنودا وأفراد ميليشيات أطلقوا النار على المدنيين خلال حملة تفتيش على المنازل في مدينة كادوقلي. وأفادوا كذلك بأنهم شاهدوا، وهم يهمون بالفرار من المدينة، عشرات الجثث في منازل وفي الشوارع أيضا. وقال طالب ينتمي للحركة الشعبية لتحرير السودان، فر من المدينة في 6 يونيو/حزيران، ان عددا كبيرا من الجنود دخلوا المنزل الذي كان يسكنه مع طلاب آخرين، وقال أيضا: “قفزنا من فوق جدار المنزل باتجاه المنزل المجاور ووجدت خمس جثث، هم الأب والأم وأطفالهم الثلاثة.”

ولجأ هذا الطالب وستة من زملائه إلى منطقة قريبة من معسكر بعثة الأمم المتحدة في السودان UNMIS في أطراف مدينة كادوقلي، وفرّوا بعد ذلك باتجاه مدينة الدلنج، باتجاه الجنوب الشرقي، بعد دخول قوات الأمن السودانية المنطقة الخاضعة لحماية البعثة بحثا عن أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان.

أسفر القصف شبه اليومي عن مقتل وتشويه عشرات المدنيين، من الرجال والنساء والأطفال في المنطقة، كما أجبر القصف آلاف المدنيين على الفرار من المنطقة باتجاه الكهوف في المناطق المجاورة. وطبقا لتقديرات شهود عيان على الأرض، فقد تضاعفت أعداد النازحين من نحو 73000، خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلى ما يزيد على 150000 نازح في الوقت الراهن.

لا يزال الدخول إلى منطقة جنوب كردفان صعبا، إذ ان الحكومة السودانية اغلقت طرق الوصول برا وجوا إلى المناطق التي يقطنها السكان المتأثرين بالنزاع. يُضاف إلى ذلك، ان حملة القصف الجوي أسفرت عن تدمير مهابط الطائرات، الأمر الذي أدى إلى منع وصول المساعدات الإنسانية إلى النازحين في جبال النوبة.

وقال بيكيل: “يجب على مجلس الأمن، كخطوة أولى غاية في الأهمية، ان يؤمّن الوصول من دون أي قيود إلى جنوب كردفان لأغراض إنسانية.”

جدير بالذِكر ان التفويض الممنوح لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، الذي أقرّته اتفاقية السلام الشامل عام 2005، ومن المحتمل ان يكون قد نصّ على حماية هؤلاء المدنيين، قد انتهى في 9 يوليو/تموز. فوجود قوات الأمم المتحدة في جنوب كردفان مقتصر على قواعدها فحسب إلى حين مغادرتها في 31 أغسطس/آب.

وكان مجلس الأمن قد فشل في الضغط على السودان من أجل تمديد التفويض الممنوح لبعثة الأمم المتحدة في السودان. وكانت قوات أثيوبية قد تولت مهام حفظ السلام كقوة أمنية مؤقتة تابعة لمجلس الأمن في منطقة أبيي المجاورة، المتنازع عليها والتي كانت قد سيطرت عليها القوات السودانية في مايو. كما دخلت لجنة التطبيق العالية المستوى التابعة للإتحاد الأفريقي، التي تقوم بدور الوساطة في قضايا عالقة ذات صلة باتفاق السلام الشامل، طرفا في الجهود الرامية للتوصل إلى حل للوضع في جنوب كردفان. إذ توسطت اللجنة في السابق في الترتيبات ذت الصلة بالقوة المؤقتة في أبيي، وتقدّمت بتوصيات لحل النزاع في دارفور.

وقالت هيومن رايتس ووتش ان ثمة حاجة عاجلة لوجود دولي في جنوب كردفان، من الممكن ان ينشأ من الوجود الحالي لبعثة حفظ السلام، أو كعملية قائمة بذاتها بمشاركة الأمم المتحدة والإتحاد الافريقي، أو كليهما. وفي كل الأحوال، يتعيّن أن يكون لهذه المهمة تفويض واضح لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان ورفع تقارير بصورة رسمية وعلنية بشأنها.

وكان تقرير لم يُنشر بعد لبعثة الأمم المتحدة في السودان، تم تسريبة لوسائل الإعلام منتصف يوليو الماضي، قد تضمّن توثيقا للعديد من حالات الإعدام خارج نطاق القضاء وحملات الإعتقال والتفتيش من منزل لمنزل وعند نقاط التفتيش، فضلا عن عمليات اختطاف. وفي واحد من الأحداث التي تضمّنها التقرير، أقدم أفراد ميليشيا مسلحة في 8 يوليو/تموز على إخراج مقاول مستقل من عربته بالقوة أمام معسكر قوات حفظ السلام وأطلقوا عليه الرصاص في رأسه.

تضمّن التقرير، الذي تم إعداده استنادا على معلومات جمعها مراقبون لأوضاع حقوق الإنسان، تابعون لبعثة الأمم المتحدة في السودان، قبل انتهاء تفويض البعثة، على إفادات مفصّلة لشهود عيان حول أعداد كبيرة من الجثث ومقابر جماعية واستخدام للأسلحة الكيماوية ووجود ألغام أرضية. وأشار التقرير إلى ان هذه الانتهاكات إذا اُثبِتت فمن الممكن ان ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

من المقرر ان يرسل المفوض السامي لحقوق الإنسان هذا الاسبوع فريقا لتقييم الوضع في أبيي. من المقرر أيضا ان يتوجه هذا الفريق إلى جنوب كردفان، إلا ان احتمالات وصوله إلى هناك باتت ضئيلة في ظل القيود الحالية المفروضة على الدخول إلى المنطقة. ومن المتوقع ان يُطلِع مسؤول رفيع من مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الخميس الموافق 28 يوليو/تموز، مجلس الأمن على الوضع في جنوب كردفان.

وقال بيكيل: “مجلس الأمن في حاجة للحصول على آخر معلومات حول الأزمة في جنوب كردفان، لكي يتمكّن من الاستجابة على نحو سريع لحماية المدنيين من وقوع المزيد من الانتهاكات”، وأضاف قائلا: “إطلاع مجلس الأمن هذا الأسبوع على الوضع في جنوب كردفان سيكون خطوة أولى إيجابية، ولكن إذا لم يكن هناك ضغط من من جانب مجلس الأمن على السودان، فإن الحكومة ستفرض مجددا قيود الوصول إلى المنطقة بعد هذا التقرير.”

من جانبها قالت هيومن رايتس ووتش ان المسؤولين عن انتهاكات القانون الإنساني وعن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين في جنوب كردفان يجب ان يواجهوا عقوبات تأديبية، بما في ذلك حظر السفر وتجميد الأرصدة. وكان مجلس الأمن والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وجهات أخرى قد انتهجت تطبيق هذه العقوبات ضد افراد اعتُبروا مسؤولين عن انتهاكات لحقوق الإنسان في دول أخرى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بما في ذلك تونس ومصر وليبيا وسوريا.

وقالت هيومن رايتس ووتش ان الحصانة، على مدى سنوات، من المساءلة على الانتهاكات التي حدثت في دارفور ربما تكون قد اصبحت سابقة فتحت الباب أمام انتهاكات وفظائع أخرى مماثلة في مناطق أخرى في البلاد، بما في ذلك جنوب كردفان. وكان مجلس الأمن قد أحال الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية عام 2005. وأصدرت المحكمة من جانبها مذكرات اعتقال بحق ثلاثة متهمين، بمن في ذلك الرئيس عمر البشير، وحاكم ولاية جنوب كردفان، احمد هارون.

وتتضمن التهم الموجهة لأحمد هارون، بموجب مذكرة الإعتقال الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، جرائم حرب وجرائم ضد الأنسانية ارتُكبت في دارفور. في ما يواجه البشير تهما، بموجب مذكرتي أعتقال، تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على خلفية دوره في النزاع في دارفور. إلا ان السودان رفض التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية والعمل بما جاء في مذكرات الإعتقال، رغم مرور ست سنوات على إصدارها.

يُضاف إلى ذلك، ان الحكومة السودانية لم تتخذ من جانبها أي خطوات عملية لتنفيذ توصياات لجنة الإتحاد الأفريقي العالية المستوى حول دارفور، التي يقودها رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو امبيكي. وأصدرت هذه اللجنة في اكتوبر/تشرين الأول 2009 تقريرا حول دارفور، جاء فيه ان جرائم كبيرة قد ارتكبت على نحو يخالف القانون الدولي، كما ان السودان فشل في ضمان العدالة تجاه ضحايا هذه الجرائم.

وكانت مجموعة من منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش وانترايتس وريدريس، ومجموعة الديمقراطية أولا السودانية، قد رفعت في 11 يوليو/تموز مذكرة إلى المفوضية الأفريقية طالبت فيها بالتحقيق في الانتهاكات التي حدثت والضغط باتجاه تكريس مبدأ المساءلة.

وفي هذا السياق قال دانيال بيكيل: “غياب الرقابة على الأرض ربما يجعل الحكومة السودانية تعتقد ان بوسعها الاستمرار في حملتها الوحشية دون مساءلة”، وأضاف قائلا: “يجب على مجلس الأمن توجيه رسالة قوية الآن يؤكد من خلالها على محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.”

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *