Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الطبيعة الديمقراطية لدُستور جنوب السُّودان الإنتقالي للعام 2005

بقلم أكولدا مان تير*

ترجمة نصرالدين عبدالباري**

7 مايو 2011 — إن العام 2011 هو عام الوَداع. إذ أنه في يناير/كانون الثاني من ذلك العام، وبعد مناقشات جريئة حول مزايا ومساوئ الوحدة والإنقسام، يودع جنوب السودان وشمال السودان بعضهما البعض، نتيجة للإستفتاء الذي أيَّد بأغلبية ساحقة الإنفصال وتكوين دولة جنوب السودان المستقلة. وسوف يتم الإعلان عن ذلك رسمياً في التاسع من يوليو/تمّوز، 2011.

إن هذا الإنقسام يُثير مسائل قانونية عديدة، أهمها على الإطلاق تهيئة أو تكييف دُستور جنوب السُّودان الإنتقالي لمواءمة الدولة الوليدة. لقد تم القيام بتطويع مماثل لقانون الحكم الذاتي لعام 1953، الذي كان بموجبه، كما يدل أسمه، للسودانيين حكماً ذاتياً لثلاث سنين يقررون بعدها التوحد مع مصر أو تكوين دولة مستقلة. لقد إختار السُّودانيون الخيار الأخير، وتم تبني الدُستور الإنتقالي لسنة 1956، الذي كان تكييفاً لقانون الحكم الذاتي.

هل أنا بحاجة للقول أن التأريخ يعيد نفسه؟ لقد قام بذلك التكييف قانوني واحد، هو السيد أحمد متولي العتباني، الذي تخرج في كلية القانون بجامعة الخرطوم على رأس دفعته ومضى ليصبح أول نائبٍ عام للسودان.

إنه لَمِن طبيعة الأشياء أن تَبْطُل أحكام محدده من دُستور جنوب السُّودان الإنتقالي عند بلوغ جنوب السُّودان مرحلة الدولة. وبالمثل، فإن أحكام دُستور جنوب السُّودان التي صُمِّمت لتأسيس دولة ديمقراطية يحكمها حكم القانون، سوف لن يطالها التعديل، بل سوف تبقى لتكون في دُستور الدولة الجديدة. هذه الأحكام الأساسية هي محل إهتمامي.

أولاً، يتوجب المحافظة على مبدأ الفصل بين السلطات (التنفيذية، والتشريعية، والقضائية). السؤال الذي يثيره ذلك، بالطبع، هو كيفية التوفيق بيْن هدفي الإستقرار والمساءلة الحكوميين المطلوبين. على الرغم من عدم تمامه، فإن هذا التوفيق موجود سلفاً في الدُستور الإنتقالي لجنوب السُّودان. فمن ناحية، نجده في النُظُم الرئاسية والبرلمانية الحكومية المختلطة. ففي المادة 102، رئيس السلطة التنفيذية المنتخب، رئيس الحكومة، يتولى منصبه لخمس سنوات محددة، ويمكن إنتخابه لمدة خمس سنوات أخرى، لا يمكن إعادة إنتخابه بعدها.

إن هذا يضمن إستقرار الحكومة والإنتقال الديمقراطي للسلطة من رئيس لآخر. والمساءلة تُحقَّق عن طريق سلطة البرلمان في فصل أي وزير، رأس أية وزارة، وفي هذه الحالة، يتوجب عليه أن يستقيل وإلا فُصَل بواسطة الرئيس. إن الإنتقال السلمي للسلطة مُعترف به بمنصب زعيم المعارضة، كحكومة بديلة قيد الإنتظار.

إن الغريب (أوالحديث) في الدُستور الإنتقالي لجنوب السُّودان هو أجل ولاية نائب الرئيس. ففي المادة 107، يملك البرلمان سلطة إقالته. هذا الحكم لم يكن موجوداً في نسخة دُستور جنوب السَّودان التي أُعدت في رمبيك في العام 2005 بواسطة لجنة المراجعة التي تشرفتُ بترأسها. إنه لَمِن الواضح أن هذا النص لا يتسق وفكرة أن الرئيس ينبغي أن يكون بمنأى عن رقابة البرلمان (مبدأ الفصل بين السلطات). إذ أن الجزاء الوحيد ينبغي أن يكون المُحاكمة البرلمانية الواردة في المادة 105. على كل حال، ماهي سلطات نائب الرئيس الأصلية التي يمكن أن يُسآل بشأنها في دُستور جنوب السُّودان الإنتقالي؟ إنني لا أدري في أية مرحلة أُدخلت المادة 107 في الدُستور الإنتقالي لجنوب السودان. إنها لا ينبغي أن تكون موجودة في أي دُستور محترم، ولذلك يجب حذفها. مع التسليم بالحوكمة الديمقراطية، فإن نموذج الحكومة سواء أكان برلمانياً أو رئاسياً هو، في هذا الصدد، قليل الأهمية. فالولايات المتحدة تتبع نظاماً رئاسياً، وكذلك فرنسا. لكننا لم نسمع قط أن الرئيس الأمريكي أو الرئيس الفرنسي قد فصل قاضياً. على مستوى الولايات، لم نسمع قط أن حاكم ولاية تكساس أو كالفورنيا قد فصل قاضياً. إن جنوب السودان يجب الا يصعب عليه، في العام2011، إكتشاف أفضل الممارسات الدُستورية العالمية، حتى وإن كان ما تم تدريسه في كليات القانون قد تم نسيانه، أو لم يُستوعب للوهلة الأولي كما ينبغي.

أنني يجب أن أعلق كذلك على أغلبية الثلثين المطلوبة لفصل أي وزير بموجب أحكام دُستور جنوب السودان الإنتقالي. عادةً، يجب ان تكون الأغلبية البسيطة كافية. لكن في سياق البرلمان الذي يسيطر فيه حزبٌ سياسي واحد على 70 في المئة من العضوية الكلية، فإن تبني الأغلبية البسيطة سوف يؤدي الي دكتاتورية الغالبية. ولهذا فإن الخيار السليم هو أغلبية الثلثين الواردة في المادة 120. في المستقبل، عندما يكون البرلمان منتخباً بإنتخابات حرة ونزيهة، من المرجح الا يستطيع حزبٌ واحد الفوز بالأغلبية المطلقة. ولهذا السبب، فان أغلبية الثلثين يجب أن تستبدل بالأغلبية البسيطة في دُستور جنوب السُّودان المستقبلي.

ثانياً، المفهوم الحديث للعلاقة بين الفرد والدولة يظهر في شكل وثيقة الحقوق في الجزء الثاني من دُستور جنوب السودان الإنتقالي. وهذه الوثيقة هي حزمة الحقوق التي تُخوَّل للفرد وتُحمي من أي إنتهاك بواسطة الحكومة. إن بعض وجوه هذه الوثيقة ينبغي أن يعاد فيها النظر في المستقبل، على سبيل المثال، الفكرة الوارد في المادة 13(3) بأن الإتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان المصادق عليها هي جزء لا يتجزأ من وثيقة الحقوق؛ عدم قابلية الحقوق للإنتقاص أو التعليق في المادة 14؛ وما يُسمى بالحقوق الدينية في المادة 27. علاوة على ذلك، لايُوجد أيٌ ذكر لإستقلالية القضاء كحق أساسي. بالعكس، فإن رئيس المحكمة العليا مسؤول أمام حاكم الولاية، وذلك طبقاً لأحكام المادة 132 (2). إن نسخة دُستور جنوب السُّودان الإنتقالي التي قمنا بإعدادها في رمبيك في العام 2005 لم تشتمل على هذه المادة.

في الختام، يجب أن أضيف تعليقاً أخيراً. إن تبني القواعد الجيِّدة في دُستور أية دولة هو شيءٌ مهم، لكنه البداية فقط. إذ أن القانون لا يسري بصورةٍ ذاتية. إنه يجب أن يُطبق عملياً بواسطة شخص. عند عملية تطبيق القانون، فإن كفاءة وخُلق الشخص (نزاهته، عدالته، محاباته، محسوبيته لإقاربه، ونَزعته للممارسات الفاسدة…إلي آخره) تتضح وتلعب دوراً بارزاً. هذه الصفات الشخصية لا يمكن ضمانها بالقانون. لكن القانون يمكن بل يجب أن يمنعها بالعقوبات، على إفتراض، بالطبع، أن هناك أجهزة لتنفيذ القانون تملك سلطة إدعاء مستقلة، وأن القوانين مكتوبة بعبارات بيِّنة.

* بروفيسر ورئيس قسم القانون الدولي والمقارن بجامعة الخرطوم. لقد تم نشر هذا المقال بصحيفة خرطوم مونيتر في الثالث من مارس/آذار، 2011.

**محاضر بقسم القانون الدولي والمقارن بجامعة الخرطوم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *