Saturday , 14 June - 2025

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

انقذوا قطاع الطيران

ابراهيم عدلان

يُعد قطاع الطيران المدني في السودان من أهم القطاعات الاستراتيجية التي تربط البلاد بالعالم الخارجي، وتسهم في تعزيز التجارة، ونقل الركاب، ودعم النمو الاقتصادي الوطني. غير أن هذا القطاع يواجه تحديات جسيمة، من أبرزها تقادم الأسطول الجوي، وضعف القدرة على التمويل والتأجير من الأسواق العالمية، نتيجة لعدم التصديق النهائي على اتفاقية وبروتوكولات كيب تاون، رغم أن السودان كان من أوائل الدول التي وقعت على الاتفاقية بالأحرف الأولى في عام 2001. ومع تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية والحرب المستمرة، تزداد الحاجة المُلحّة لاتخاذ خطوات جادة لإعادة بناء هذا القطاع الحيوي، ومن أهمها الإسراع في استكمال إجراءات الانضمام الكامل إلى بروتوكولات كيب تاون.

ما هي اتفاقية كيب تاون وبروتوكولاتها؟

اتفاقية كيب تاون، التي أُبرمت عام 2001 تحت مظلة منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) والمنظمة الدولية لوحدة القانون الخاص (UNIDROIT)، تهدف إلى تسهيل تمويل الأصول المنقولة ذات القيمة العالية – لا سيما الطائرات ومحركاتها ومعداتها – من خلال توفير إطار قانوني دولي يحمي حقوق الدائنين والممولين.

تتضمن الاتفاقية عدة بروتوكولات حسب نوع الأصل، وأهمها:

  • بروتوكول الطائرات: يتعلق بتسجيل وحماية المصالح الأمنية على الطائرات ومحركاتها ومكوناتها.
  • بروتوكول السكك الحديدية.
  • بروتوكول الفضاء.

ورغم أن السودان وقّع على الاتفاقية بالأحرف الأولى في عام 2001، إلا أنه لم يُكمل حتى اليوم إجراءات التصديق البرلماني، وهو ما حال دون استفادة البلاد من المزايا التي توفرها الاتفاقية للدول المنضوية تحت مظلتها.

الواقع المتردي لقطاع الطيران السوداني

يُعاني قطاع الطيران السوداني من مشكلات مزمنة تفاقمت بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، أبرزها:

  • توقف شبه كامل لمعظم شركات الطيران الوطنية، وانسحاب شركات التأجير الدولية.
  • عدم قدرة الشركات السودانية على تجديد أساطيلها بسبب ارتفاع تكلفة الطائرات المستعملة والجديدة.
  • خروج السودان من معظم الأسواق الإقليمية والدولية بسبب ضعف الثقة في البيئة القانونية والتنظيمية.
  • العجز عن التأمين والتمويل بسبب تصنيف السودان كبيئة عالية المخاطر.

يُضاف إلى ذلك التمسك غير المبرر من سلطة الطيران المدني بالمنشور رقم (80)، الذي يشترط ألا يزيد عمر الطائرة عند التسجيل أو التشغيل داخل السودان عن عشرين عامًا، وهو قيد صارم لا تأخذ به كثير من الدول، حتى ذات البنية التحتية الأفضل. هذا الشرط يحرم السودان من الاستفادة من طائرات مجددة ومؤهلة فنيًا يمكن أن تُشغّل بكفاءة وأمان لعشر سنوات إضافية أو أكثر، وفقًا للمعايير العالمية. لذلك، فإن الاستمرار في التمسك بهذا المنشور دون مراجعة فنية ومنهجية يضاعف من عزلة السودان عن سوق تأجير وتمويل الطائرات، ويزيد من معاناة شركات الطيران الوطنية.

في هذا السياق، تبرز أهمية المصادقة على بروتوكولات كيب تاون والانفتاح على تعديل السياسات واللوائح الداخلية، بما فيها مراجعة منشور العمر التشغيلي، لتتلاءم مع أفضل الممارسات الدولية، وتفسح المجال أمام تحديث الأسطول الجوي الوطني بأسلوب أكثر مرونة وكفاءة.

لماذا تُعد اتفاقية كيب تاون أولوية عاجلة للسودان؟

  1. خفض تكلفة التمويل:

الدول الموقعة على الاتفاقية تحظى بتصنيف قانوني أفضل، مما يقلل من مخاطر الإقراض ويؤدي إلى تخفيض تكاليف التأجير أو الشراء بنسبة قد تصل إلى 10–15%.

  1. جذب المستثمرين:

توفر الاتفاقية حماية قانونية للمستثمرين والممولين، مما يجعل السودان بيئة أكثر جاذبية لتمويل الطائرات.

  1. تمكين شركات الطيران السودانية من تحديث أساطيلها:

عبر التأجير أو التمليك التمويلي (leasing & financing)، دون الحاجة إلى رؤوس أموال ضخمة.

  1. إدماج السودان في السوق الجوية العالمية:

حيث تُعد عضوية كيب تاون مؤشرًا على الالتزام الدولي بمعايير الاستثمار والقانون، ما يُسهم في إعادة الثقة بالسودان في المحافل الاقتصادية.

  1. الاستفادة من “مزايا كيب تاون” (Cape Town Discount):

التي تمنحها بعض الجهات التمويلية الدولية للدول المنضمة إلى الاتفاقية، ما يُخفض أقساط التأمين والتمويل.

خطوات عملية نحو التصديق النهائي

لتحقيق هذا الهدف، يُوصى بالآتي:

  • تكوين لجنة وطنية تضم ممثلين من وزارة العدل، ووزارة النقل، وسلطة الطيران المدني، وبنك السودان، وخبراء قانونيين لمراجعة الاتفاقية وإعداد مسودة قانون للتصديق عليها.
  • تنظيم ورش عمل بالتعاون مع الإيكاو واليونيدروا لتعريف الجهات الوطنية ببنود الاتفاقية وآثارها.
  • إدراج التصديق على الاتفاقية ضمن الأولويات التشريعية للحكومة الانتقالية أو البرلمان عند استقراره.
  • العمل بالتوازي على مراجعة السياسات الوطنية، وفي مقدمتها منشور العمر التشغيلي للطائرات، وتعديله ليتماشى مع المعدلات العالمية الواقعية التي قد تصل إلى 25–30 عامًا للطائرات الخاضعة لصيانة مستمرة وشروط صلاحية صارمة.
  • السعي للحصول على دعم دولي فني وتقني من المؤسسات المانحة، مثل البنك الإفريقي للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية (IFC).

خاتمة

إن توقيع السودان بالأحرف الأولى على اتفاقية كيب تاون منذ عام 2001 يدل على إدراك مبكر لأهميتها، غير أن التأخر في التصديق الرسمي فوّت على البلاد فرصًا ثمينة في قطاع حيوي واستراتيجي. واليوم، وبعد أكثر من عقدين من الانتظار، فإن استكمال إجراءات الانضمام لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية لإنقاذ قطاع الطيران من الانهيار، ولإعادة بناء منظومة تشريعية وتنظيمية أكثر انفتاحًا ومرونة، تواكب تطورات العالم وتخدم مصالح السودان العليا.