Saturday , 14 June - 2025

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

سجال ودي مع نقاد رواية “إعدام جوزيف” مرآة لأزمات السودان ومادة لسجال لا ينتهي (٥/٥)

الصادق علي حسن

 

الصادق علي حسن

 

مبارك الفاضل: تسليح المراحيل تم بواسطة المجلس العسكري الانتقالي في عام ١٩٨٥م وفضل الله برمة ناصر لم يكن وقتذاك من حزب الأمة. لأهمية شهادة السيد مبارك الفاضل المهدي، القيادي بحزب الأمة ووزير الصناعة والداخلية في الديمقراطية الثالثة، أنقلُ شهادته ورسالته التي وصلتني منه بالنص وبلا تعليق مني: (عليك السلام، اللواء برمة انضم إلى حزب الأمة عام ٨٦ وتم تعيينه وزير دولة في الدفاع والوزير كان السيد الصادق، ثم تم تحويله وزير دولة للنقل. لم يتم أي تسليح للقبائل في عهد الديمقراطية الثالثة، فقط قام حاكم كردفان عبد الرسول النور بتسليح عساكر جيش معاشيين لمرافقة المراحيل قوافل الماشية في طريقها إلى الجنوب حماية من هجمات يوسف كوة وقرنق). (في الفترة الانتقالية ٨٥، هجم قرنق القردود في جنوب كردفان وقتل النساء والأطفال، فذهب إلى موقع الحادث وزير الدفاع العميد عثمان عبد الله ورافقه اللواء برمة عضو المجلس العسكري الانتقالي. طلب الأهالي حمايتهم أو تسليحهم فقام وزير الدفاع بتسليحهم).

متلازمة حزب الأمة والتخلي عنه:

كتب د. ضيو مطوك في المقال (١) من سجاله مع نقاده أن السبب الثاني الواضح، إضافةً للسبب الأول الذي يتمثل في دفاع الصادق عن الحقوق، هو (ميول الصادق علي حسن الواضح لحزب الأمة ومحاولاته العنيفة لمواجهة كل ما يرد عن دور حزب الأمة فيما يحدث في تدهور العدالة. ظل الصادق يكرر في مقالاته أهمية تنفيذ ما يعرف بالقواعد التأسيسية للدولة السودانية كمرجعية لوحدة السودان بعد خروج المستعمر). وفي تعقيبي على د. ضيو مطوك أقول إن علاقتي بحزب الأمة ليست علاقة ميول كما قال د. ضيو، بل لقد وجدت الحزب بمنزل الأسرة عند النشأة، ولكن مع احترام الرأي الآخر وليست التبعية غير المبصرة. وعلمت منذ الصغر كيف تأسس حزب الأمة ومن هم أوائل مؤسسيه بمدينة نيالا وعلى مستوى السودان، وكان من أعمدة الأسرة من ذهب إلى أمدرمان لأغراض المشاركة في تأسيس الحزب وتنظيم كيان الأنصار (خالي الشيخ مصطفى حسن وعمي الشيخ عطا المنان). وصار الشيخ مصطفى وكيلاً للإمام بنيالا ورئيساً للحزب بالمقدومية حاضرة جنوب دارفور، ثم نائباً للحزب منتخباً عن دائرة مقدومية نيالا في ١٩٥٣م، فنيالا الشمالية الشرقية بعد ذلك.

ذهب الإمام الصديق إلى نيالا لتدشين حملة الحزب الانتخابية لأول انتخابات برلمانية في البلاد وتناول وجبة الفطور بمنزل المقدوم بوسط المدينة، وهو الإداري الأهلي الأول بجنوب دارفور. ومن منزل المقدوم توجه ركبه إلى مسجد الشيخ عطا المنان بحي الوادي غرب لأداء صلاة الظهر، وقام الطالبان (علي الحاج “الأمين الحالي للمؤتمر الشعبي” وإبراهيم حسن) بتلاوة القرآن الكريم. وخرجت نيالا وما جاورتها من قرى وبوادي جنوب دارفور لأداء صلاة الشكر بوادي نيالا (وادي برلي). كان العم عطا المنان هو القاضي الشرعي لمنطقة دار ديما وحاضرتها زالنجي ومن أعضاء الخريجين، واختلف مع حزب الأمة وصار قريباً من الأزهري، وظهر ذلك الخلاف السياسي داخل الأسرة، ثم تعددت الآراء ووجهات النظر السياسية. لقد شهدت كل ما كان يحدث لقيادات حزب الأمة بمدينة نيالا في أواخر عهد مايو وقد كنت يافعاً. وحينما حدثت الانتفاضة في عام ١٩٨٥م كنا من الصغار الذين يقدمون الطعام والشاي في اجتماعات حزب الأمة بمنزل الشيخ مصطفى حسن.

وفي أول اجتماع لإعادة تنظيم الحزب بجنوب دارفور عقب انتفاضة ١٩٨٦م، تحدث الشيخ مصطفى حسن عن تقدمه في السن وأشار لاختيار مالك الزبير سام ليتولى رئاسة الحزب لما كان لمالك الزبير من مجاهدات، ووافق الحضور من أعضاء الحزب والأنصار ولم يكن هنالك بينهم من كان يبحث عن زعامة ذاتية. كما وتمت تسمية حسين دوسة نائباً لمالك الزبير، وهو من الشخصيات الجديدة بحزب الأمة بمدينة نيالا، كما وكان إدارياً استقر بمدينة نيالا منقولاً إليها بسبب الوظيفة العامة من شمال دارفور، فتاجراً بنيالا، وقد صار من أصحاب رؤوس الأموال. في انتخابات الجمعية التأسيسية ١٩٨٦م، وفي التنافس على الدائرة ١٥٧ نيالا شمال والتي فاز فيها السيد مالك الزبير، كان منسوبو الجبهة الإسلامية القومية يتباهون بأن مرشح الدائرة هو الدكتور علي الحاج الأمين السياسي للجبهة الإسلامية القومية وصاحب التجربة السياسية المعتبرة، في مواجهة السيد مالك الزبير سام المساعد الطبي. قيادات حزب الأمة والأنصار كانوا يمتازون بالحكمة، وفاز مالك الزبير بالدائرة على منافسه الأول الدكتور علي الحاج. لقد كنت حزب أمة وتشكلت قناعاتي به ولم أنتمِ لغيره من الأحزاب. علمت من وثائق الحزب ماهية قواعد تأسيس الدولة السودانية ١٩٥٥م، وعن وقائع الاستقلال، ولم أجد من اطّلع على قواعد تأسيس الدولة السودانية وأبحر في معرفتها حتى اليوم مثل الأستاذ يوسف آدم بشر. وفي اعتقادي بأن بحثه (غير المنشور) بعنوان “المدخل الصحيح للتأسيس الدستوري السليم” هو أهم مرجع كتب عن دولة السودان منذ إعلان استقلالها عن دولتي الحكم الثنائي من داخل البرلمان. وبالضرورة طباعة هذه الدراسة القانونية البحثية الكاشفة للأوضاع الدستورية بالسودان ونشرها للأجيال الحالية والمتعاقبة للوقوف على كيفية التأسيس الدستوري السليم.

متلازمة حزب الأمة والسندكالي:

إن تجربتي مع حزب الأمة طويلة. في الثانوي وعقب انتفاضة ١٩٨٥م، أصدرتُ صحيفة “الأمة الحائطية” بمدرسة نيالا الثانوية كأول صحيفة للحزب توضع في بورد المدرسة. وقد شجعنا في ذلك مع صديقي الطالب آدم مصطفى صالح أستاذُنا في مادة الجغرافيا الأنصاري الملتزم الذي لم يكن من أبناء نيالا، وأمدنا بأوراق الفلسكاب والأقلام. وحينما أتيت إلى الخرطوم للدراسة الجامعية صرت من كوادر ذلك الحزب وعلى صلة مباشرة بقيادته. وعند ظهور بوادر انقسامات داخل حزب الأمة بمدينة نيالا إثر أول مذكرة قدمت من بعض الطامحين في المناصب العليا والتي رفعوها إلى رئيس حزب الأمة القومي ورئيس الوزراء الصادق المهدي، وقد جاروا بالشكوى والاحتجاج باسم منسوبي القبائل العربية بأن التمثيل ليس عادلاً في السلطة للمجموعات العربية. ثم انقسم الحزب في نهاية عام ١٩٨٧م وصار لحزب الأمة بمدينة نيالا داران وقيادتان. هذه من وقائع كأني أشاهد فصولها أمامي الآن. عقب عودة الإمام الصادق المهدي إلى البلاد في رحلة (تفلحون) ٢٠٠١م، وكان قد خرج منها في رحلة (تهتدون)، أصدرتُ كتاباً بعنوان “قراءة وتعليق على دستور حزب الأمة ولوائحه المجازة في ١٩٨٦م”. الكتاب المذكور عبارة عن مقالات نقدية نشرت في الصحف المحلية، وقمت بتجميعها وطباعة عشرين ألف نسخة منها وزعت بالعاصمة والأقاليم. ثم أصدرتُ كتاب “حزب الأمة وأزمات العودة”، وبعد ذلك بفترة أعلنتُ التخلي عن حزب الأمة، وكان ذلك قبل أكثر من عقد ونصف من الزمان. والآن لا صلة لي بحزب الأمة، ولكن ظلت متلازمة حزب الأمة والسندكالي تلاحقني بالرغم من حرصي على تأكيد التخلي عن ذلك الحزب الذي ارتبط تاريخه وتاريخ من أسسوه بإرث المهدية ونشأة الدولة الوطنية الأولى في السودان.

متلازمة السندكالي (لم أعد حزب أمة):

د. ضيو مطوك ليس وحده، فغالبية من تعاملت معهم في قضايا العمل العام، خاصة السياسي، حيثما وجدوا لي رأياً في الشأن العام لا يتطابق مع وجهات نظرهم أو وجدوا في ذلك الرأي إبرازاً لمكاسب عامة أو مواقف لحزب الأمة، تجد منهم من يحاول أن يربط ذلك القول أو الكتابة بانتمائي السابق لحزب الأمة من دون النظر للموضوع. صحيح لقد كنت حزب الأمة، بل كنت قريباً لقيادته منذ أن كنت طالباً بالجامعة. في الديمقراطية الثالثة وأنا طالب بالجامعة، تقدمت بمذكرة لقيادة الحزب للقيام بالبناء القاعدي الحزبي، وسرعان ما أتت الموافقة والتكليف لرحلة امتدت لثلاثة أشهر لمدن إقليم دارفور في معية الحبيب الأنصاري الخطيب المفوه المغفور له بإذن الله تعالى صلاح بريمة نمر وآخرين. وكان صلاح من صناع انتفاضة رجب أبريل ١٩٨٥م، كما وكان في مقدمة قيادات طلاب الجامعة الإسلامية. وحينما وصل نظام الإنقاذ للسلطة بانقلابه المشؤوم في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م، كنت قريباً من قيادة الحزب، وتبنت أمانة التنظيم بالحزب بقيادة المغفور لها بإذن الله تعالى سارة الفاضل محمود تصور المؤتمرات القاعدية السرية للحزب الذي قدمته لتُنفذ تحت غطاء المناسبات الاجتماعية (عام ١٩٩٦م)، ومقترح التصدي للنظام بعدم ترك النقابات (تجربة استرداد الديمقراطية ١٩٩٧م)، وتفعيل وتعزيز دور قيادات الحزب.

وتشكلت أول فريق عمل لدارفور من المغفور لهم بإذن الله تعالى محمود بشير جماع وعبد النبي علي أحمد وعلي حسن تاج الدين ود. آدم موسى مادبو أمد الله تعالى في أيامه. ثم كان التنسيق لمؤتمر الأمن الشامل لدارفور بمدينة نيالا ١٩٩٧م، وأعمال وأنشطة كثيرة أخرى استغرقت أهم سنوات العمر. ولكن وقبل عقد ونصف من الزمان أعلنتُ التخلي عن الحزب بصورة قاطعة، ولا علاقة لي الآن بحزب الأمة ومؤسساته. لقد كانت آخر أنشطتي مع حزب الأمة حينما قادت مجموعة من الحزب بقيادة السيد مبارك الفاضل انشقاقاً باسم الإصلاح والتجديد وشاركت نظام الإنقاذ في السلطة، وقمت بتقديم مذكرة لقيادة الحزب فحواها ضرورة الشروع الفوري في إعادة تنظيم شعبة المهنة القانونية بالحزب لأهمية دورها، وتم اعتباري مكلفاً بالمهمة وصرت أمين شعبة المهن القانونية المكلف زهاء فترة ستة أشهر، قمت خلالها بمعاونة ثلاثة من الزملاء المحامين من أعضاء الحزب بإعداد سجل لمحامي الحزب وتنظيم الجمعية العمومية للشعبة، والتي اختارت مولانا حامد محمد حامد رئيساً للشعبة ومولانا جبر الله خمسين فضيلي نائباً له والأستاذ إسماعيل عمر إدريس أميناً عاماً، وانتهت مهامي وعضويتي بالحزب.

ولكن ظلت أتردد على بعض مناشط الحزب كغيره من الأحزاب الأخرى، ولربما كانت قيادة حزب الأمة تعتقد أن ذلك الموقف قد يكون بسبب الانضمام غير المعلن للحركات المسلحة التي اندلعت لتقاتل النظام من دارفور. ولم يكن الأمر كذلك، فلم أعد مقتنعاً بالتجزب والحزبية ولا أرغب في تولي المهام السياسية، وقد صارت السياسة حرفة وأدواتها الزيف والنفاق السياسي ورفع الشعارات والمتاجرة بالقضايا العامة. لقد كان الإمام الصادق المهدي يعتقد بأن لديّ صلة بالحركات المسلحة في دارفور، ويقول لي في بعض زياراتي له عما كان يجريه من اتصالات مع الأستاذ عبد الواحد النور رئيس حركة جيش تحرير السودان، وكان يعتقد بأنني على صلة وثيقة بعبد الواحد، مع أن عبد الواحد وزملاءه في الحركات المسلحة كانوا يعتقدون بأن الصادق علي حسن (سندكالي) ويحمل أشواق حزب الأمة ويخلص لحزبه.

عبد الواحد (أنت يا السندكالي حزب أمة وستعود لحزبك):

تأسس محامو دارفور في عام ١٩٩٥م كمؤسسة حقوقية وسيلتها الكفاح الحقوقي المدني السلمي كوسيلة وحيدة لنيل واكتساب الحقوق، بشراكة محامين صغار وخريجين من الجامعات حتى من غير كليات القانون. وشارك محامو دارفور في كل الأنشطة التي مرت على البلاد في مناهضة النظام المهيمن على السلطة. في عام ١٩٩٦ رفع محامو دارفور أول مذكرة مكتوبة باسم جهة اعتبارية للبشير الذي رفض استلامها. ثم تطور محامو دارفور لمؤسسة حقوقية تعمل في مجالات الرصد والتوثيق وحملات المناصرة وصار له حضور داخلي وخارجي. من الذين ساهموا في تأسيس “محامو دارفور”: خريج كلية التربية آدم مصطفى صالح، وخريج كلية الهندسة عبد الله موسى أحمد، وفاطمة عبد الله (سكرتارية)، والطالبة بالجامعة الأهلية إجلال بقادي التي أخذت أول مذكرة وذهبت بنفسها إلى القصر الجمهوري وسلمتها لمستشار البشير للشؤون القانونية أحمد إبراهيم الطاهر بمكتبه بالقصر الجمهوري، والطالب طارق علي حسن.

وفي تطوير التجربة لهيئة محامي دارفور هنالك جهود مضنية بذلت من المحامين آدم راشد ويوسف بشر ونفسية حجر وجبريل حسابو وتاج الدين الصديق ومحمد هرون ووهيبة بشير أحمد عزت ورحاب الفاضل ومحاسن عوض وتسنيم طه وغيرهم من الذين لا تزال جهودهم تتواصل. إن تجربة “محامو دارفور” والتي تطورت لهيئة محامي دارفور ساهمت في تسليط الضوء على قضايا الوطن واستحقاقات المواطن الدستورية النافذة المعطلة التنفيذ عبر حكم سطوة أنظمة الانقلابات العسكرية، وقضايا دارفور على وجه الخصوص، داخلياً وخارجياً. وأعلن محامو دارفور تأييدهم للمطالب المرفوعة من الحركات المسلحة مبكراً كاستحقاقات دستورية مشروعة كفلتها تشريعات الدولة الدستورية في مواجهة أنظمة الحكم المتسلطة التي ترفض تنفيذها بالمخالفة لدستور الدولة المجاز ديمقراطياً والاتفاقيات والعهود المصادق عليها من جمهورية السودان. في أول قضية في الدفاع عن منسوبي الحركات المسلحة كان البلاغ المفتوح في مواجهة أحد أقرب شركاء الأستاذ عبد الواحد محمد النور في حركة جيش تحرير السودان وزمالة الدراسة والعمل بمهنة المحاماة الأستاذ بابكر محمد عبد الله أتيم.

وصل بابكر إلى الخرطوم بعد أشهر من اندلاع وإعلان حركة تحرير السودان وهو يحمل معه أفلاماً وذلك للتحميض والطباعة، حيث لم تظهر وقتذاك وسائل الطباعة الحديثة. وحينما تبين لصاحب الأستوديو بجنوب الحزام بأن الأفلام عن صور لمعسكرات تدريبية، اتصل بالأجهزة الأمنية التي قامت بمداهمة بابكر بالأستوديو والقبض عليه، وفُتحت في مواجهته مواد الجرائم الموجهة ضد الدولة. سارعت بالذهاب لأستاذنا المحترم المرحوم الصادق الشامي لتكوين هيئة دفاع، وعلى الفور قام بتكوين هيئة الدفاع برئاسته وتقدم بمذكرة قانونية محكمة لنيابة أمن الدولة لشطب البلاغ، وانطلقت حملة مناصرة كبرى للإفراج عن بابكر. وبعد أشهر في الحملة الطويلة، تم الإفراج عن بابكر بالضمان العادي في بلاغ جنائي بمواد لا يجوز الإفراج بالضمان العادي، وقام الخريج الجامعي وقتذاك (د. آدم محمد إدريس) بالضمان وغادرا معاً إلى جبل مرة وإلى الحركات بجبل مرة. عقب ذلك سافرت بالبر إلى تشاد في السنة التالية وكانت القيادة الميدانية للحركات المسلحة في بداية ترتيب أوضاعها، وفي منزل بضاحية انجمينا وجدتُ أن غالبيتهم ما يعرفون بعضهم البعض إلا من خلال الاتصالات عبر أجهزة الثريا. ثم عدت وذهبت بعد ذلك إلى أسمرا في رحلة أخرى، وكنت قبل مغادرتي الخرطوم قد تعرضت للاعتقال ٢٠٠٤م. في ٢٠٠٥م ذهبت مع الأستاذ الدومة إلى أبوجا بعد إرسال مذكرة إلى الرئيس النيجيري أوباسانجو تسلمها سفير نيجيريا بالخرطوم، وكان قد سهر في ترجمتها د. يحيى محمد محمود الملك حتى تصل المذكرة إلى اجتماع الوساطة الهام بأبوجا. وبوصولها أطلق عليها الرئيس النيجيري رئيس لجنة الوساطة (كما علمنا لاحقاً) “وصول مذكرة من أصحاب المصلحة”، ليدخل مصطلح “أصحاب المصلحة” أروقة التفاوض. وكل ذلك في إطار الكفاح المدني الحقوقي السلمي، وما كان ذلك بحثاً عن دور سياسي كما اعتقده البعض، وأقوى دليل على ذلك أن الهيئة لم تشارك في أي حصة من المناصب التي نالتها الحركات المسلحة في اتفاقياتها مع انقلاب الإنقاذ، بدءاً من اتفاق نيفاشا فأبوجا فالدوحة وحتى اتفاقية جوبا في الشراكة ما بين المدنيين وعناصر اللجنة الأمنية لنظام البشير بمرجعية الوثيقة الدستورية المعيبة.

في أبوجا عام ٢٠٠٥، وقد ذهبت مع مولانا محمد عبد الله الدومة في محاولات للتوفيق بين الذين دخلوا في خلافات مع الأستاذ عبد الواحد محمد نور، قال لي الأستاذ عبد الواحد النور: (يا السندكالي أنت ستعود لحزب الأمة متى انتهت الأزمة، ولكن أستاذي مولانا الدومة أسس معنا حركة تحرير السودان، وفي بداية التأسيس ذهبت معه للسلطان عبد الرحمن بحر الدين وقدم لنا السلطان عبد الرحمن تبرعاً معتبراً مليون جنيه). والتزم مولانا الدومة الصمت ولم يقل شيئاً. أشكرُ جزيلاً د. ضيو مطوك الذي من خلال كتابه الأهم “رواية إعدام جوزيف” حفزني لتناول كتابه بالنقد في سلسلة مقالات بلغت (١٥ مقالاً)، كما في سجاله الودي مع نقاده (خمسة مقالات).

وفي الختام، نسأل الله تعالى أن تمكنني الظروف لأتناول محاور مما أعرفُ عن ظاهرة الحركات المسلحة في دارفور، وقد تحولت الظاهرة إلى ظواهر قبلية واجتماعية ولودة تفرخ في متوالية عددية كل فترة حركات جديدة وبنادق طائشة، ليست لها مراكز مستقرة أو أهداف تتجاوز أهداف أصحابها الذاتية.