حقيقة الدور المصري تجاه القضية السودانية
ما بين مؤتمر لندن أبريل 2025 ومؤتمر القاهرة يوليو 2024
حاتم السر سكينجو المحامي
نال الموقف المصري في مؤتمر لندن الدولي بشأن السودان رضاء واسعا ،وقبولاً كبيراً ،لدي الأوساط السودانية المختلفة، وعلى الرغم من ما حصده من ارتياح ،وحظي به من ترحيب؛ وقبول، إلا انه لم يكن مستغرباً أو مفاجئاً ،لان السودانيين يدركون كامل الادراك ،أن مصر من أكثر الدول تفهما ومعرفة بأبعاد القضية السودانية . وهي الموئل التي عاد إليه السودانيون في هذه الأزمة، التي تؤثر على كل المنطقة. لقد فتحت مصر أبوابها، واستقبلت السودان كله بطيبة ومحبة، وقدمت الدعم الإنساني. ودعمت الدولة السودانية، ولا غرو فإنّ الرئيس عبدالفتاح السيسي هو صاحب المبادرة الشجاعة التي طالبت بتوحيد القوى السياسية والمجتمعية الوطنية السودانية، وقد أعلن ذلك مبكراً؛ وتجدد وقوفها اإلى جانب السودان وشعب السودان ورفضت أي محاولات لتقسيم السودان، وهي الدولة التي رفضت المحاولات الاجنبية للضغط على السودان من أجل قبول التنازل عن ثوابته الوطنية. وأثبتت للعالم أنها لم ولن تتخلي عن القضية السودانية فهي قضية مصير استراتيجي مركزية بالنسبة لها وهذا ما ظلت تعبر عنه مصر باستمرار.
والشيء بالشيء يذكر فقد اعترف الرؤساء المشاركون في مؤتمر لندن وهم (المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي) في بيان نشرته وزارة الخارجية البريطانية بأهمية ومحورية الدور المصري في المسألة السودانية وذكروا في بيانهم المشترك هذه الفقرة نصاً : ((يجب أن يكون المدنيون السودانيون، بأوسع وأشمل تمثيل، هم من يحددون مستقبلهم السياسي، ولا يمكن فرض هذا من الخارج، ومن هنا نثمن مخرجات “مؤتمر القاهرة” الذي عقد في يوليو (تموز) 2024، ونشجع القوى المدنية والسياسية السودانية على الدخول في حوار بناء وبحسن نية)).
وقد أكد ذلك؛ وزير خارجية بريطانيا ضمنيًّا حين أكد أن دول الإقليم أقدر وأجدر بالتعامل مع الحالة السودانية! وفائدة أخرى أكثر أهمية هي اعترافهم بضرورة ترك السودانيين يقررون مصيرهم ويحددون مستقبلهم السياسي بأنفسهم ، ولفتة بارعة وذكية منهم الثناء علي مؤتمر القاهرة يوليو 2024، وتشجيع القوي المدنية والسياسية السودانية علي الدخول في جولة ثانية من الحوار البناء.
معلوم ومعروف بأن الفكرة لعقد مؤتمر القوي المدنية والسياسية السودانية في مصر بدأت بعد أن بات الحديث عن أزمة النظام السياسي السوداني، بسبب اختلاف القوي السياسية السودانية، يطفو على السطح ويشغل بال الجميع، وأصبح عدم توافق القوي السياسية السودانية، مشجبا لتعليق كل انواع الفشل. وتلت ذلك مبادرات كثيرة وحوارات متعددة بعضها داخل السودان وبعضها في الخارج، وجميعها لم تحقق أي نجاح في تحقيق الوحدة في حدها الأدني بين القوى السياسية والمدنية والاجتماعية السودانية. ومن هنا سارعت القاهرة بالتقاط القفاز وبادرت معتمدة علي ما تملكه من خبرة واسعة بالشأن السوداني، وما يربطها من علاقات وطيدة مع كل الأطراف السودانية الفاعلة، بالدعوة للمؤتمر الأول في يوليو الماضي 2024 وبعد سنوات من القطيعة الطويلة بين القوي السياسية السودانية، نجحت مصر في جمعها علي صعيد واحد ،بهدف انهاء حالة الانقسام السياسي والاستقطاب الحاد واسكات خطاب الكراهية والتخوين السائد بين الفرقاء السياسيين. والاتفاق علي اجراءات لاعادة ترميم وبناء الثقة وتوحيد الجبهة الداخلية بمعالجة الخلافات السياسية ، من أجل توفير بيئة مناسبة لفتح الطريق وصولا الي مائدة الحوار السوداني السوداني مكان التوافق علي الحل السياسي الشامل والعادل ومعالجة الأزمة السودانية بالتوافق على برنامج وطني يعالج جذور المشكلة ويحقق التحول الديمقراطي الحقيقي والحكم المدني المنتخب.
الحق أن مصر قبل اندلاع الحرب، جمعت الأحزاب السياسية في حوار مفتوح، شرطه: السودان أولاً، ويتحدث في الحوار السودانيون، وقد جمعت أكثر من 29 فصيلاً؛ تبنوا يومها مبادرة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، التي هدفت لتفادي الحرب، ولكنّ الآخرين رفضوها، كما رفضوا مبادرته الشهيرة قبل انقلاب الحركة الاسلامية 1989. واليوم يُحمد لمصر نجاحها فيما فشل فيه الآخرون ،حيث جمعت بين القوي السياسية السودانية كافة، وأنهت حالة السكون والجمود في المشهد السياسي استعدادا لبدء العملية السياسية.وأطلقت من خلال نداء الملتقى الذي يدعو إلى الوحدة وتشكيل تجمع سوداني وطني موحد وعريض، يكون مسؤولا عن رسم مستقبل الوطن.
وحاليًا تتطلع أنظار السودانيين إلى مؤتمر القاهرة للقوي المدنية والسياسية السودانية في نسخته الجديدة الثانية ،التي يأتي انعقادها في التوقيت المناسب متزامنا مع الانتصارات الواسعة التي حققها الجيش السوداني ،وأنه “سيكون لها أبلغ الأثر في انجاح عملية الحوار السوداني السوداني الجامع داخل السودان .
وهناك ضرورة لا تغيب عن فطنة منظمي المؤتمر ، وهي مراعاة أن يكون التمثيل هذه المرة في النسخة الثانية تمثيلا واسعًا للسودان الذي نعرفه بمجتمعه العريض من طلاب وشباب ومرأة وأسرى محررين وإعلاميين وأساتذة جامعات ونشطاء من دول المهجر ورجال أعمال، وقيادات حزبية من مختلف الأحزاب.
في أعقاب مؤتمر لندن بشأن السودان جدد الشعب السوداني ثقته المطلقة بالشقيقة مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعبر عن تقديره لمواقف مصر الثابتة تجاه القضية السودانية ،حيث وقفت وتقف دوما إلى جانب قضية السودان العادلة، وحقوق الشعب السوداني الثابتة.