هل يدفع السودان ثمناً باهظاً لروسيا مقابل الأسلحة والفيتو؟
بورتسودان، 27 نوفمبر 2024 – في ظل المنافسة الدولية الشديدة والتدخلات الإقليمية، يشكل السودان اليوم ساحة فريدة لروسيا التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية والتوسع لملء أي فراغ.
ويتجلى ذلك في استخدام موسكو الاسبوع الماضي حق النقض (الفيتو) لإبطال مشروع قرار بريطاني جرى طرحه في مجلس الامن بشان السودان.
ويظهر التوجه الذي تنتهجه السلطات الحاكمة في السودان تجاه روسيا بوضوح، خاصة من خلال طلبات التسليح حيث تشيرالتقارير إلى تقديم مشروعات صناعية وتجارية من خلال العقود المبرمة مع شركات روسية كبديل للشركات الغربية ، بهدف الحصول على السلاح لمواجهة الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023 ضد قوات الدعم السريع.
وفي ظل حالة الارتباك وخلط الأوراق المحيطة بالسودان، هناك مؤشرات على أن روسيا استخدمت حق النقض (الفيتو) مؤخراً ضد القرار البريطاني مقابل اتفاق مسبق بين الجانبين، حيث يُعتقد أن السودان يدفع ثمناً باهظاً لذلك.
لكن في المقابل، يؤكد مسؤول حكومي سوداني رفيع المستوى في حديث لـ«سودان تربيون» أن استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) لإحباط القرار البريطاني جاء بسبب عدم اجراء بريطانيا مشاورات كافية.
وقال إن البريطانيين تقدموا بالقرار بناءً على افتراض أنهم سيتولون رئاسة مجلس الأمن لشهر نوفمبر، متجاهلين ضرورة التوافق مع الأعضاء الآخرين.
وأضاف ” هذا السلوك يعكس عقلية “حامل القلم”، حيث قال أحد المسؤولين البريطانيين قبل مغادرته لندن إنهم سيفعلون (كذا وكذا)، وكأن مجلس الأمن يطيع أوامرهم”.
عروض متقدمة
ومع زيارة وزير الطاقة والبترول السوداني محمد النعيم إلى موسكو قبل أيام، تشير التقديرات إلى أن السودان قدم حزمة مشاريع تشمل 22 بئراً نفطية في مناطق آمنة.
ويعزز هذا التحرك التأكيد على بدء البلدين تبادل المصالح في مجالات السلاح والتعدين.
ووفقاً لمصادر دبلوماسية تحدثت إلى «سودان تربيون»، فإن الزيارات المتكررة لمسؤولين سودانيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية ركزت على تأمين إمدادات عسكرية للجيش مقابل ضمانات لإقامة القاعدة الروسية إلى جانب امتيازات تعدين تشمل الذهب والنفط.
وأشار وزير النفط في لقاء صحفي مؤخراً إلى أن 50% من حقول النفط في البلاد تأثرت بالحرب.
ويرى محللون أن هذا هو السبب وراء تحرك السلطات في بورتسودان لمنح الشركات الروسية حق تشغيل الآبار الواقعة في مناطق آمنة لتغطية تكاليف الحرب، رغم العقوبات الدولية.
وأكد الوزير أن السودان أبرم اتفاقيات مع شركات روسية كبرى مثل “روسنفت” و”أو.جيه.إس.سي باور ماشينز” في مجال الكهرباء والنفط، في إطار شراكة استراتيجية.
وتؤكد مصادر في صناعة النفط أن السودان عرض رسمياً على الجانب الروسي 22 حقلاً نفطياً لشركات مثل “روسنفت” و”جازبروم”، المعروفة بالعمل في بيئات غير آمنة.
ومع ذلك، تحذر هذه المصادر من خطورة هذه الخطوة وما قد تؤدي إليه من فرض عقوبات إضافية على حكومة بورتسودان.
عروض سودانية
تتحدث تقارير مختلفة عن تقديم قائد الجيش السوداني، رئيس مجلس السيادة عروض للقيادة الروسية، أبرزها مشروع إنشاء قاعدة روسية في بورتسودان، مقابل الدعم الدبلوماسي والمساعدات العسكرية.
وأشار المسؤول إلى أن الموقف الروسي يعكس رفضاً للتعامل الغربي مع السودان، حيث ترى موسكو أن السودان صاحب مصلحة رئيسية ويجب أن يُؤخذ رأيه في الاعتبار.
وأضاف أن روسيا تؤكد دائماً أهمية التوافق في مجلس الأمن وعدم احتكار القرار من قِبل دولة بعينها.
وأوضح أن استخدام روسيا للفيتو في هذه القضية يعكس رفضها النهج الغربي في التعامل مع السودان، والذي تعتبره متضمناً تدخلاً ضاراً ونصائح غير ملائمة.
المعادلة الواضحة
يشير المحلل الاقتصادي وائل فهمي لـ«سودان تربيون» إن الاهتمام الروسي بالسودان يعود إلى عام 2015، في إطار المنافسة الدولية على الموارد الطبيعية، خاصة في أفريقيا. وأوضح أن موارد السودان من النفط والذهب تمثل مصلحة واضحة لروسيا، حيث تدعم اقتصادها وتعزز صادراتها.
ويضيف فهمي أن المعادلة السياسية الراهنة هي (الذهب لروسيا مقابل الفيتو لدعم النظام الحاكم في السودان)، مما يجعل التعاون مربحاً لروسيا في مواجهتها الضغوط الغربية.
وأشار إلى أن تنفيذ الاتفاقيات مع روسيا سيكلف السودان مبالغ ضخمة، في ظل حرب مدمرة تستنزف الترسانات العسكرية وتفقد البلاد القيمة المضافة لصادرات النفط والذهب. كما أن روسيا تستفيد من إيجاد موطئ قدم في البحر الأحمر والسيطرة على جزء من موارد السودان الطبيعية.
وختم بالقول إن هذه الاتفاقيات قد تحرم السودان من الامتيازات التي تقدمها دول الكتلة الغربية، مثل إعفاءات الديون وتشجيع الاستثمار والتقنيات المتقدمة.