(المبادرة السودانية ضد الحرب) وتراجع الحزب الشيوعى
إحسان عبد العزيز
تابعنا باهتمام شديد ميلاد “المبادرة السودانية ضد الحرب” بالمملكة المتحدة التى بدأت بعد الحرب مباشرة (19 أبريل2023) باعتبارها خطوة الى الامام لرفض الحرب والبحث عن السلام يقودها شباب الوطن بكل الحب لارضه متجاوزين التراكمات السياسية التى اوجدها “الحرس القديم” لاجندة سياسية اصبحت اليوم فى ظل هذه الحرب الكارثية لا وجود لها إلا إن كان من باب المكابرة والاصرار على الخطأ.. صدر البيان الاول بذات التاريخ 19 أبريل 2023 تحت شعار “معاً لوقف الاقتتال وفوراً” مؤكدين فى بيانهم ان الحرب جاءت بفعل فلول الحركة الاسلامية وطموحها الجامح للعودة الى السلطة بدق طبول الحرب وإشعال الفتنة مطالبين بعدة مطالب على رأسها وقف الحرب والذهاب الى حوار جاد برقابة دولية يقضى بخروج المليشيات وكل المظاهر العسكرية من المدن وتكوين جيش قومى مهنى ذو عقيدة عسكرية وطنية..
واكثر ما كان بارزا هو توقيع “الحزب الشيوعى السودانى ببريطانيا” باعتباره حزب خرج عن تحالف الحرية والتغيير ووقع الان مع احزاب اساسية تنتمى الى الحرية والتغيير و “تقدم”، هذا بالاضافة الى بعض مكونات المجتمع المدنى على رأسها الاتحاد النسائى السودانى.. فكان البيان الاول من بشريات المواقف التى اوجدتها الحرب فى طريق تماسك الصف الوطنى لاجل السلام.. واصلنا متابعتنا لهذه المبادرة التى شقت ظلام الشتات وتحدت تفرق الصفوف، حتى صدر بيانها قبل ايام بمناسبة الذكرى الـ (60) لثورة اكتوبر المجيدة، تصدرت بيانهم مطالب هامة على رأسها وقف الحرب، دعوة القوى الوطنية الى “الاصطفاف” ومحاسبة قادة الحرب وعدم الافلات من العقاب، وجددوا العهد على السير فى طريق المناضلين والشهداء.. والتوقيعات ذات التوقيعات ومن بينها الحزب الشيوعى السودانى بالمملكة المتحدة وايرلندا.. وبالتركيز على الدعوة الى “الاصطفاف” يبدو انها لم تصل الى اسماع قادة الشيوعى بالمركزية المتواجدان الان بلندن تزامنا مع زيارة وفد “تقدم” وما جاء بالبيان الاخير الصادر بتاريخ 30 اكتوبر2024 باسم فرعية المملكة المتحدة والخاص برفض الدعوة المقدمة من الوفد للقاء تشاورى حول وسائل وقف الحرب مع القوى السياسية والمدنية بالمملكة..
البيان الذى عمل على تراجع الفرعية الى الخلف خاصة فيما يخص “الاصطفاف” لاجل الوطن ووقف الحرب.. فبالنظر الى موقف الفرعية الصامد من المبادرة ولقرابة العامين يجعل السؤال مشروعاً.. هل حدث تراجع بتأثير من “الحرس القديم” المتواجد بلندن وبفرض الوصايا على الفرعية؟ ام جاء نتيجة تغير موقف الفرعية نفسها وفى اقل من اسبوع حيث صدر بيان المبادرة شاملا توقيعهم بمناسبة الذكرى الـ (60) لثورة اكتوبر المجيدة؟!
وبالنظر الى اهداف زيارة رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك والوفد المرافق له من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” جاءت باهداف واضحة.. اولها الدعوة الى وقف الحرب وان الزيارة معنية بالتواصل مع جموع السودانيين بالمملكة المتحدة وتوحيد جهودهم لمناهضة الحرب والعمل لاجل السلام، وايضاً الالتقاء بصناع القرار فى الحكومة البريطانية والبرلمان البريطانى لدعم السلام فى السودان بالاضافة لمشاركة دكتور عبد الله حمدوك فى لقاء قمة افريقيا باعتباره لقاءً هاماً وإلقاء كلمة فى المعهد الملكي للشؤون الدولية “شاتام هاوس” احتوت الكلمة على رسالة لصناع القرار فى العالم باكمله لدعم الجهود المدنية للسلام فى السودان ووصول المساعدات الانسانية وانهاء الحرب.. وهذه اهداف لا يختلف عليها شخصان جادان فى وقف الحرب وعودة الامن والسلام للوطن، وللاسف كان بيان الرفض من الحزب الشيوعى بالمملكة مفاجئاً، ويدعو للمزيد من التساؤل..
ما الذى جعل التوافق مع احزاب “تقدم” بالمملكة ممكناً بينما جعل لقاء الوفد مستحيلاً ؟!!
ولماذا لا تجلس الفرعية مع الوفد وتطرح اختلافها معه كما تريد؟!! ام ان الخطاب قصد به اعلان عن التراجع عما كان فى وثيقة “المبادرة السودانية ضد الحرب”؟
وايضاً بالنظر الى مسببات الرفض نجد ان الرسالة اتخذت من رفض الدعوة فرصة ووسيلة لمهاجمة “تقدم” وتوجيه اتهامات لها ترقى الى مستوى التخوين والتجريم مع التضليل بمعلومات غير حقيقية، مثل ما جاء فى هذه الجزئية “ظل موقفكم المعلن هو الدخول فى عملية سياسية بمشاركة طرفى الحرب وشركاء النظام السابق والواجهات الاخرى للحركة الاسلامية”
المحير حقاً مصطلح “موقفكم المعلن!!” كان من الحصافة والاجدى لمن صاغ البيان ان يتذاكى ويجعل من هذه الاتهامات نوايا تبطنها “تقدم” بدلا من ان يصفها “بالموقف المعلن” لان كل من يقرأ هذه الجملة لابد من ان يسأل (معلن اين ومتى؟!!)
وخيار اخر كان سيكون أكثر دقة لبيان باسم “حزب قديم” يستطيع ان يستدل على اى كلمة يقولها.. اذ كان عليه ان يستدل على جملة “المعلن” نصاً وبياناً وتاريخاً..
نقطة اخرى تطابقت مع ما يطلقه الكيزان والفلول ومن لفٌ لفهم.. وتسمية “إعلان اديس اببا” بين تقدم والدعم السريع على انه “اتفاق”.. بينما لا يفوت على الحزب العريق وهو “سيد العارفين” إن ما تم عبارة عن اعلان سمىٌ ب (إعلان اديس ابابا) اى “مذكرة تفاهم” لوقف الحرب، وشتان بين الاتفاق ومذكرات التفاهم كمصطلحات سياسية.. وبالطبع لن نسترسل فى هذه النقطة كما يفعل الشباب والثوار مع الكيزان فى السوشيال ميديا للتبرير وازالة الاتهام وتوضيح انه وحسب موافقة طرفى الصراع على الجلوس مع تقدم.. جلس الدعم السريع وتنصل الجيش كتنصله من جدة وجنيف وكل ما يمكن ان يقود لوقف الحرب..
اما حديث البيان عن عزم الحزب على بناء جبهة عريضة، فهو حديث مكرور مضى عليه الوقت وقد قاربت الحرب ان تكمل عامها الثانى ويظل الحديث عن جبهة عريضة حديث للاستهلاك دون فعل او عمل يذكر بينما يبتعد الحزب بشكل مستمر عن الاجماع الوطنى لوقف الحرب، ومحرقة الحرب تتزايد بشكل مستمر وتلتهم المئات يومياً من ابناء الشعب السودانى وتقضى على الاخضر واليابس..
وفيما يخص البيان الصادر بتاريخ 1 نوفمبر باسم الحزب بالمملكة المتحدة والخاص بنبذ العنف وخطاب الكراهية إشارة لما حدث بلندن ضد وفد “تقدم” من فلول النظام السابق وداعمى الحرب والمنادين باستمرارها وهم فى مآمن منها.. نتفهم ظروف إصدار هذا البيان خاصة بعد البيان السابق الذى وجد سخطاً كبيرا حتى من منتسبى الحزب وداعميه..
ولكن يبقى السؤال..
ما حمله خطاب الحزب بذات المملكة “لتقدم” ردا على الدعوة للتشاور وما جاء به من اتهامات وتخوين آلا يعتبر “خطاب كراهية”؟
ختاما:
الى متى ستظل الاحزاب السياسية تبحث عن “نقاط تسديد إضافية” على شباكها لاحراز تقدم على الاخرين يستوجب التصفيق على حساب الوطن والموت المجانى خاصة بعد الحرب الاخيرة الشاملة التى تستهدف تقسيم الوطن وتمزيقه ونهب موارده.. فعن اى جبهة عريضة يظل الحديث المكرور وكل ما يحدث ينذر بالمزيد من الشتات والاختلاف والصراع على اللاشئ فى وطن فقد كل شئ.
4/نوفمبر/2024