مرتبات العاملين بالدولة المنسية
سامي الباقر
بين سندان وزير مالية فاشل، وولاة ولايات أكثر فشل ومتآمرين.
والحرب في السودان تحبو إلى إكمال النصف الأول من العام الثاني، دون حلول تلوح في الأفق، تظل قضية مرتبات العاملين بالدولة، هي الأبرز، والدليل الواضح على فشل السياسات الاقتصادية للدولة (إن افترضنا جدلا أن هنالك سياسات أصلا).
فبمحرد النظر إلى جدول صرف المرتبات، نجد أن الدولة (إن كانت لا تزال موجودة) قد تخلت عن مسؤلياتها، تجاه قضية المرتبات، فقد حصرت اهتمامها في هذا الجانب على صرف المرتبات بصورة جزئية للوحدات الاتحادية، وبعض الولايات التي يعتقد من بيده السلطة انها تمثل عنصرا مهما يمكنه من استخدامها، كحواضن لفكرة استمرار الحرب، وإظهار بعض من الاستقرار المتوهم.
لقد تنصل السيد وزير المالية عن مسؤوليات وزارته، بصورة فجة، عندما وزع مسؤولية صرف المرتبات بين المستويين الاتحادي والولائي، في محاولة لتفريق دم الأجور بين القبائل، وهو يعلم قبل غيره أن هذه الولايات لن تستطيع صرف هذه المرتبات ولو استمر هذا الوضع لمئة عام، فهذه الولايات لا تملك الموارد الكافية للقيام بهذا الواجب، في ظل هيمنة مركزية قابضة على الموارد التي أدخلت ضمن الموارد القومية، مما جعل هذه الولايات (عمدة بلا أطيان).
أما ولاة الولايات (ولاة الغفلة) فيتحملون الوزر الأكبر، بقبولهم بأداء هذا الدور الخبيث، والانصياع للعب دور المحلل للسياسات الفاشلة التي يمررها وزير المالية، ومن خلفه العسكر ومن بيده السلطة، فسكوتهم وقبولهم بهذا الوضع يضعهم في مرتبة واحدة مع وزير المالية، بل ربما يجعلهم أسوأ منه درجة.
هل سأل السادة الولاة والسيد وزير المالية أنفسهم، كيف يعيش أكثر من (٩٠٠ ألف) عامل/ة بالدولة، دون مرتبات لمدة ١٧ شهرا؟؟!، ما هو مصير هذه الأسر في ظل الحرب وما يترتب عليها من نزوح ولجوء وعدم صرف المرتبات؟؟؟! ما هي الآثار الاجتماعية التي ترتبت على قرار حجب المرتبات ؟؟؟! ألا يمثل قرار حجب المرتبات جريمة في حق العاملين وأسرهم؟؟!
الناظر لموقف صرف المرتبات في الولايات لن يحتاج إلى كثير عناء، ليدرك الكيفية التي تفكر يها حكومة الأمر الواقع، فما زال الوضع كما هو وفقا لآخر رصد قامت به لجنة المعلمين السودانيين، في ما يلي مرتبات المعلمين، فما زالت ولايتا نهر النيل والبحر الأحمر هما الوحيدتان اللتان حدث فيهما استقرار نسبي في موقف صرف المرتبات، أما بقية الولايات فالأمر أصبح في طي النسيان، ولو كانت هنالك نقاط يمكن الإشارة إليها فهي
١. تجاهل حكومة الأمر الواقع لأي ولاية سيطر عليها الدعم السريع.
٢. المكسب الوحيد الذي حظيت به ولاية النيل الأزرق هو تنصيب عقار نائبا لرئيس مجلس السيادة، فقد تم صرف مرتبين فقط من جملة (١٧ مرتب).
٣. ولايات دار فور حصدت الهشيم، من الكفاح المسلح، إلا إذا كان وجود السيد جبريل إبراهيم في أعلى هرم وزارة المالية، ووجود السيد مني أركو مناوي كحاكم لإقليم دار فور (من على البعد) يعد مكسبا للعاملين بالدولة، ولا يهم العاملين موضوع صرف المرتبات، فولايات دار فور الخمس تنافست في عدم صرف المرتبات.
نقطة في غاية الأهمية يجب أن نشير إليها، وهي التآكل الذي حدث لقيمة الجنيه، مع ثبات المرتبات، جعل من صرفها أمرا ليس بذي جدوى كبيرة، فالمرتبات تتفاوت ما بين ٤٠ ألف جنيه (ما يعادل ١٥ دولار تقريبا للدرجة العمالية) إلى ١٦٠ ألف جنيه (٦٠ دولارا تقريبا للدرجة الأولى) تقريبا، وقد تضاعفت الأسعار بصورة جنونية منذ اندلاع الحرب وحتى الآن (٨ أضعاف تقريبا).
هذا الواقع يحتم على العاملين ضرورة اتخاذ موقف شجاع، وعدم الركون لهذه المهزلة التي يتم تمريرها عبر العزف على وتر الوطنية تارة، والكرامة تارة أخرى، في الوقت الذي يستمتع فيه من يدعو العاملين للتضحية َ، بموارد البلد دون حسيب أو رقيب، ومنهم من يتمسك باتفاقية أوهن من بيت العنكبوت، ولم يتبق منها سوى بضعة وظائف، وشيء من قميص تلوح به السلطة متى ما لزم الأمر، وتقضي عبره وطرها حينا آخر.