مفهوم السيادة والوضع الراهن في السودان
د. سليمان علي
معني السيادة: الدول تامة السيادة هي التي لا تخضع في شؤنها الداخلية او الخارجية لرقابة او هيمنة من دولة أخرى بمعنى هي مستقلة داخليا وخارجيا. سيادة الدولة مرجعيتها يعتبر الشعب هو الركن الأساسي في تكوين أي دولة.
في العام 2008 دار نقاش مفاهيمي بيني وبين وباحث صومالي التقيته في جامعة أفريقيا العالمية وكنت أجري مقابلات لإعداد بحث الماجستير في نزاعات القرن الأفريقي، وقد تحفظ علي جملة: (انهيار الدولة في الصومال) وقال لي ان الصحيح هو انهيار الحكومة المركزية في الصومال، فالدولة متماسكة بحدودها المعلومة وشعبها.
وقد استطاع الشعب الصومالي وقواه الثورية والمسلحة أن يحافظ علي الصومال كدولة غير منقوصة السيادة وقطع الطريق على كل انواع التدخل بما فيها اخراج القوات الامريكية التي تدخلت في الصومال تحت لافتة (عملية إعادة الأمل في الصومال Operation Restore Hope in Somalia ) وخاض الجيش الصومالي المنقسم بفصائله المتعددة حربا ضروسا ضد الوجود الاجنبي. وقد كانت الاحزاب الصومالية بلا استثناء ضد التدخل الاجنبي المرفوض شعبيا.
نجد كثير من المفاهيم المضللة لسيادة الدولة القومية تم تصديرها من قبل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد بعد انهيار النظام القطبي الثنائي وانفراد USA كقوة عالمية مهيمنة تمارس تدخلا سافرا في الدول المارقة حسب تصنيفهم وبذرائع مختلفة فتم تدمير العراق بفرية أسلحة الدمار الشامل وقد ثبت لاحقا كذب هذا الادعاء. وقد تنوعت وسائل التدخل الناعم والخشن.
ايضا تجربة المجتمع الدولي مع ثورات الربيع العربي ماثلة في خلخلة الدول والتسبب في انهيارها ثم الانسحاب وتركها في سيولة أمنية وسياسية وتقسيمها وعقد صفقات مشبوهة لنهب الموارد والنموذج الليبي يدلل علي هذا النهج الانتهازي الغامض.
بالنسبة للسودان رأينا خلال 5 أعوام كل أنواع التدخل السافر منها والمستتر ورأينا تبدل كبير في أنشطة ومهام وحدود حركة الدبلوماسيين وتخطيهم لكثير من الخطوط الحمراء التي نصت عليها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية في التعاطي مع الشأن الداخلي ولكن ما حدث يمثل اختراقا كبيرا للبنية السياسية والامنية وللقوي الفاعلة في المجتمع من احزاب سياسية وغيرها مما يمثل أكبر عملية لتدفق المعلومات الوطنية للدوائر الاستخبارية الصديقة والمعادية. وهو مما يصنف من أخطر مهددات الامن القومي للدولة حين تكون مكشوفة للجميع. كما ان الصراع داخل المنظومة الامنية ساهم كذلك في كشف مستوي الضعف والتحلل في مفاصل الدولة السودانية وهو ما مهد لوصول سمعة ومكانة السودان الى الحضيض وما من دولة الا وقد وضعت اجندتها للتدخل في الشأن السوداني سواء خير أو شر.
خطورة الوضع والمدخل السليم لحل الأزمة السودانية:
ان المأزق الحقيقي في حرب السودان هو التصورات الذهنية والاسباب غير المعلنة لهذه الحرب والانقسام الاجتماعي الخطير وما يعتمل في النفوس من مخاوف وجودية يعززها باستمرار تاريخ السودان المشحون بالغبن والمظلومية وما يتم تناقله من سرديات غير موثقة منهجياً عن الصراعات الحادة في حقبة المهدية والتي شكلت غالبية المشهد الحالي بانقساماته وتحالفاته القائمة على التناقضات الموروثة نفسها مضاف اليها التخريب الكبير الذي مارسه نظام الانقاذ لإدارة الحرب حين خلق اصطفافا عرقيا بائنا في دارفور شكل المشهد ما بعد العام 2003.
ان المدخل السليم لتجاوز هذه المعضلات هو في فهم حقيقي ومتجرد عن الأهواء والرغبات المتحيزة للأزمة السودانية والعمل علي حشد الارادة الوطنية الفعالة في مثل هذه المنعطفات لتتمكن هذه الارادة من تصحيح شامل للمفاهيم والتصورات الخاطئة ووضع الاهداف الشاملة لإعادة تأسيس الدولة برؤية جديدة كليا تؤسس بمفاهيم العدالة والتنمية المتوازنة والمساواة في الواجبات والحقوق الدستورية. ويتحقق كل ذلك بانعقاد حوار سوداني – سوداني يجد بيئة ملائمة ومحايدة وداعمة لوقف التدهور الخطير في السودان يساعدنا في قيام مؤتمر عام يجمع القوى السودانية لوضع كل القضايا والاوراق والتباينات علي طاولة الحوار.