Thursday , 21 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

لنكن صوت ضحايا حرب السودان إلى العالم

محمد-عبد-العزيز

محمد عبدالعزيز

بين أنقاض أحلامنا المدمرة، وبين صراخ الأطفال جوعاً، يقف الصحفيون في مكانهم الصحيح، يحاولون تسليط الضوء على معاناة شعب بأكمله. وسينحتون الصخر لكسر الصمت المفروض عليهم.

في خضم الأحداث الدامية التي تشهدها بلادنا، وفي ظل المعاناة الإنسانية التي لا توصف، يقع على عاتقنا كصحفيين مسؤولية تاريخية. مسؤولية نقل الحقيقة، وكشف الزيف، والدفاع عن حقوق شعبنا. إننا اليوم نواجه تحديات جسيمة، تتطلب منا تضافر الجهود وتوحيد الصفوف.

لطالما كانت نقابتنا في طليعة المدافعين عن الحريات الصحفية وحقوق الإنسان. لقد عملنا جاهدين قبل اندلاع الحرب لمنع وقوع الكارثة، وكنا سباقين في التحذير من الحرب وتداعياتها قبل اندلاعها. وأثبتت الأيام مخاوفنا، حيث أصبح شعبنا بين نازح ولاجئ، يتخطفه الرصاص وتنتاشه الانتهاكات المروعة التي لم تسلم منها أي فئة.

وها هي المجاعة تطرق أبواب البلاد بعنف غير مسبوق وفق تحذيرات أممية، وتم تقدير أن بين كل 8 نازحين على مستوى العالم يوجد أحدهم سوداني، في واحدة من اسوا الكوارث الإنسانية على مستوى العالم.

سعت النقابة منذ تصاعد التوتر لنزع فتيل الازمة، وفي يناير 2023 نظمت عبر منتدى (الإعلام والسياسة) فعالية في دارها في الخرطوم على مدار يومين، بهدف التوصل لمدونة لضبط الممارسة السياسية والخطاب الإعلامي، وكلف الملتقى النقابة بتشكيل لجنة لصياغة المدونة وحشد الدعم لها للتوقيع عليها من القوى الحزبية ولجان المقاومة والنقابات والأجسام المهنية.

ومع تصاعد التوتر بين الجيش والدعم السريع في مارس وابريل كثفت النقابة جهودها لمنع اندلاع الحرب، وقبل ساعات من انفجار الأوضاع كانت الاجتماعات منعقدة في دار النقابة لبحث سبل نزع الفتيل.

وعندما اندلعت الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023 لم تحيد النقابة عن موقفها، ولم ولن تدخر جهدا في محاولة إطفاء جذوتها. ولكن الأحداث تجاوزت كل التوقعات. ومع ذلك، فإننا لم نستسلم، بل زادنا الإصرار على مواصلة جهودنا.

لقد سعينا إلى توحيد الصفوف مع مختلف القوى الحية في البلاد. وقد أثبتت هذه الجهود أنها ضرورية في ظل الظروف الراهنة. خاصة أن هذه الحرب نقطة تحول مفصلية في تاريخ السودان، إذ أنها تختلف عن جميع الحروب السابقة التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال، من حيث حجمها وطبيعتها وامتدادها. ففي هذه الحرب، لم يكن الصراع يدور بين طرفين متباعدين، بل اندلع في قلب السلطة نفسها، حيث تصارعت القوات المسلحة السودانية مع قوات الدعم السريع.

أدى الصراع الداخلي المُدمر إلى نتائج كارثية، تاركًا وراءه جروحًا عميقة في جسد الوطن، ومدمّرًا البنية التحتية، ومُلحقًا معاناةً لا حصر لها بالمدنيين. وباتت الدولة السودانية نفسها على شفير الانهيار.

رغم احتدام القتال في المناطق السكنية، لكن معاناة المدنيين ومآسيهم تكاد تغيب عن التغطيات المختلفة لوسائل الإعلام، في ظل تركيز منصب على مجريات القتال وتصريحات طرفي الصراع. ويرجع ذلك في الأساس إلى أن الأطراف المتصارعة تميل في العادة إلى إخفاء خسائر المدنيين وحجب المعلومات المتعلقة بهم لأغراض دعائية.

وان كانت الحرب تمضي في مسارين متوازين، الأول عبر المعارك العسكرية بالبنادق والمدافع والمسيرات والطيران، أما الجبهة الثانية فتستهدف العقول والقلوب، عبر التلاعب بالتحيزات المعرفية للناس، وذلك من خلال توظيفها للتأثير على أفكارهم، وتوجهاتهم، واختياراتهم، اعتمادًا على المعلومات المضللة، وإثارة الغضب والخوف.

ونظرًا لدور نقابة الصحفيين المحوري في نشر المعلومات وتعزيز الحوار، ودور الصحفيين باعتبارهم في مكانة أمامية متقدمة للدفاع عن حقوق الإنسان، ومناهضة التضليل وخطابات الحرب والكراهية، شاركت نقابتكم في مارس الماضي ضمن منتدى الإعلام السوداني -تحالف لمؤسسات ومنظمات صحفية وإعلامية مستقلة- في حملة مناصرة لوقف خطر المجاعة ومجابهة الكارثة الإنسانية ووضع حد للانتهاكات والضغط على طرفي الحرب للسماح بتمرير الإغاثة والمساعدات وفتح ممرات آمنة لتوصيل الطعام والإمدادات الضرورية للمتضررين في كافة مدن وقرى وأرياف البلاد.

ومع تزايد المعاناة، ودخول السودان في حالة من الإظلام الإعلامي، نطلق حملة ثانية تهدف إلى لفت انتباه الرأي العام والضمير العالمي وخلق تضامن واسع إقليميًا ودوليًا لمساندة الشعب السوداني وعونه في محنته، وإيصال صوت الشعب السوداني إلى العالم وإبراز معاناته من الحرب والكارثة الإنسانية.

أدعوكم جميعًا، زملائي الأعزاء، إلى المشاركة الفاعلة في حملاتنا الإعلامية. لننشر الوعي حول جرائم الحرب، ولنفضح الانتهاكات التي ترتكب بحق المدنيين. لنكن صوت الحقيقة في زمن الكذب والتضليل.

إننا بحاجة إلى جهودكم جميعًا، سواء كنتم صحفيين ميدانيين أو محررين أو ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي. كل منا يمتلك أدواته الخاصة، وكلنا قادر على إحداث فرق.

دعونا نجعل من صوتنا صوتًا واحدًا، وقلمنا سلاحًا قويًا لايقاف الحرب ووضع حد لهذه المعاناة.

رغم الظروف الصعبة التي نمر بها، إلا أن إيماننا بقدرتنا على التغيير لا يتزعزع. فالشعب السوداني، بشجاعته وعزيمته، أثبت مرارًا وتكرارًا أنه قادر على تجاوز المحن. وعلينا كصحفيين أن نكون في طليعة هذا التغيير، لننقل صوتهم ونناضل من أجل مستقبل أفضل.

 السكرتير العام لنقابة الصحفيين السودانيين