تراجيديا “الحرب السودانية” و خازوق الدعم السريع و كوميديا دولة “العطاوة” 2
■ بقلم ترايو احمد محمد علي
حقائق و ملاحظات ذات صلة بواقع سلوك و توجهات الدعم السريع
قلنا في الجزء الأول من هذا المقال ان السودان تمر بحالة من دمار تراجيدي شامل بصورة لا يمكن إصلاحه او ترقيعه نتيجة لحرب 15 ابريل (2023)، التي اشعلت تحت هدف إقامة دولة كوميدية اسمها “دولة العطاوة” تتبناها و تتصدرها المليشيا العرقية المسماه بقوات الدعم السريع التي تستظل تحت قبة تنظيم “تقدم” كحاضنة سياسية لها. و قلنا ان العالم يتفرج بدهشة و استغراب و زهول و صدمة لهذه السلوك البربري الوحشي في القتل و التنكيل و التعزيب و الاغتصاب و الاسترقاق و النهب و السلب والتجويع و تدمير المعالم و تشريد و تهجير قسري للمواطن و حريق للقري و المدن بالقصف المدفعي. وقلنا ان المنطق الاقرب لتفسير هذا السلوك المليشيوي يكمن في رؤيتها بان هذه هي الوسيلة الاستراتيجية الفعالة في تعجيل و تسريع وتيرة تحقيق تاسيس دولتها الكوميدية المزعومة “دولة العطاوة” و لو كلف تحقيقها ارتكاب ابادة جماعية للشعب السوداني من خلال هذا السلوك البربري اللعين. و قلنا ان هذه الحالة تستوجب تحليل لسلوك هذه المليشيا من الناحية السيكلوجية خاصة من زاوية “الفسيوسايكوجي”، بيد انه من المهم قبل أن نغوص في التشريح السيكلوجي لسلوك مقاتلي الدعم السريع ، من المهم ان نتوقف علي بعض من الحقائق و الملاحظات ذات الصلة او الارتباط بالموضوع.
اولا:
الجميع يعرف و يتفق علي ان قوات الدعم السريع هي صنيعة نظام المؤتمر الوطني (الاسلاموي) بامتياز و قد تشكلت في احشاء رحمه الانقاذ و تحولت من مرحلة “اليرقة” (الحالة الجنجويدية) الي مرحلة الشرنقة (مرحاة حرس الحدود) قبل أن تصبح كائن مكتمل الاطوار (قوات الدعم السريع) و كانت اقرب الي الحرس الخاص للدكتاتور المخلوع عمر البشير الذي كان يغازل و يصف قائد هذه المليشيا “حميدتي” باسم “حمايتي” و ان عناصر تكوين هذه القوة (بشهادة المستشار الاعلامي الشخصي للسيد “حمدتي”، الدكتور يعقوب الدموكي تتكون الذي قسم هذه المجموعة الي حرامية من قطاع الطرق و من الذين اطلق سراحهم من السجون اثناء فوضي الخرطوم و مدني و ان “الفلولي” الكبير السيد حسبو عبدالرحمن (النائب السابق للمخلوع عمر البشير) الان يمثل “الاب الروحي” للدعم السريع
اذن كيف يحق لقادة الدعم السريع ان تتحدث عن الكيزان و الفلول ان كانوا قد خرجوا من رحم الفلول ارضعوا من ثدي “الكيزان” و انهم جنجويد بالميلاد ؟؟؟
ثانيا:
كان الاستاذ ياسر عرمان محقا في وصفه للقوات الدعم السريع بانها قوة تشكل خطرا ماحقا علي المدنيين و تشكل تهديدا علي الاستقرار و السلم والامن الاقليمي (و هو موقف قد غيره الاستاذ عرمان بشكل راديكالي من دون ابداء اية اسباب موضوعية). كان الاستاذ عرمان قد ادلي بهذا التصريح لموقع “سودانتريبيونSudantribune” (عندما تم بعاده من الخرطوم بالقوة في (2019) من قبل نفس القوة حيث طالب بضرورة سحب قوات الدعم السريع من المناطق السكنية في الخرطوم لإنها (علي حد قوله) تمثل تهديدا لسلامة ثمانية ملايين شخص يعيشون في العاصمة وضواحيها و انه “إذا استمر هذا الخطر من دون رادع، فإن هذه الميليشيا (قوات الدعم السريع) يمكن أن تشكل تهديداً لأمن المنطقة بأكملها و بل يمكن أن تؤدي إلى انهيار الدولة السودانية، مما يؤدي إلى نزوح ملايين المهاجرين السودانيين إلى أوروبا و الي تصاعد الإرهاب في المنطقة».
قول الاستاذ ياسر هذا قد طابق واقع اليوم. الدعم السريع قد استباحت الخرطوم و قد تم تشريد اهلها و قد اثبتت بالفعل علي انها المهدد الامني للمنطقة و انها بسلوكها هذه تعتبر قوة ارهابية.
ثالثا:
من المؤكد تماما ان حرب الدعم السريع هي حرب ضد الشعب السوداني و بين ايديك الانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها من قتل و تشريد و اغتصاب و نهب و تدمير للاعيان المدنية. هذه السلوك قد طابقت أقوال قادة الدعم السريع. الجميع يتذكر تصريح “حمدتي” نفسه عندما قال ان بيوت الخرطوم سوف تتحول الي مأوي للفئران و الكدايس و كما ان الجميع يتذكر تصريح عبدالرحيم دقلو انه بأمكانه ان يحول الخرطوم الي “صرة من الرماد” و ان الجميع يتذكر قول قاعد المليشيا المدعو “علي يعقوب” بانهم سوف ينقضون علي “الأربعين مليون” سوداني اذا ما اعتقدت الحكومة ان تنتهي من الدعم السريع و كذلك يتذكر الجميع تصريح قائدهم “سافانا” بأنه سوف يغلق خزان “قولو” (مصدر الميه الوحيد لمدينة الفاشر) و ان علي سكان الفاشر ان يأتوا بالماء من “البحر الاحمر” و ان الجميع يتذكر مجزرة قرية “ود النورة” و ان الجميع يري حصار سكان الفاشر و تدمير كل مستشفيات المدينة في خلال ثلاثة ايام
اذن الاهداف واضحة و المقاصد باينة.
رابعا:
من المؤكد ان هذه الحرب التي تديرها الدعم السريع بطموحاتها الجامحة غير الواقعية و غير الشرعية سوف تحدث تغيرات هيكلية (radical paradgim shift) في العلاقات و التحالفات البينية (القبلية و الاثنية) السائدة في السودان و من المؤكد سوف تفتح هذا التغيير الباب مواربا لتحالفات و تشكيلات جديدة لا ندري كيف تكون مالاتها علي كل الاصعدة.
خامسا:
من المؤكد ان الدعم السريع تسعي الي اقامة دولة اثنية عرقية تحت مسمي دولة “العطاوة” علي انقاض دولة (سودان 56). هذه الدويلة هي مجرد “خرافة” تعشعش و تدغدغ مخيلة قادة الدعم السريع و تمثل تجليا لطموحات قبلية فاشية علي مقاس تصورات و سلوك الدعم السريع. انها مجرد كوميديا تؤديها الدعم السريع.بثمن مكلف علي نفسها و علي الاخرين.
سادسا:
لا شك أن تنظيم الدعم السريع تشكل طينة و عجينة تتحول (عاجلا ام اجلا) الي رافد “اسلاموي/عروبي” متطرف يصب في المجري العام للقومية العربية و الاسلاموية المتطرفة و تلحق باخواتها من شرائح القومية العربية و تتحول شعارها الي “امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”. الذي دعا له “ميشيل عفلق” و “صدام حسين”
سابعا:
المؤكد ان تنظيم “تقدم” (علي الرغم من تباين الاراء و المواقف في داخله) يشكل الوعاء التنظيمي و الحاضنة السياسية للدعم السريع و يوفر لها الحماية الفكرية و يحمي جرائمها في حربها ضد الشعب السوداني. تنظيم “تقدم” قد وقع في ورطة تاريخية وفي غفلة من الزمن و لا مخرج له من هذه الورطة و سوف يتحمل كل جرائم الدعم السريع.
و يصبح غافلا من قادته ان اعتقدوا ان يستخموا او يستغلوا الدعم السريع للسطو علي السلطة. للدعم السريع اجندتها و انها اذكي من قادة “تقدم” كما يقول الدكتور وليد مادبو (الذي يعرف الدعم السريع بأكثر من قادة تقدم)
ثامنا:
الواضح جدا (من سياق تطورات الحرب و من خلال طرأئق ادارتها لها) ان للدعم السريع ليست لها معلومات كافية او معرفة شاملة عن الاهداف الاستراتيجية للاطراف الخارجية التي استدرجتها و ورطتها في هذه الحرب اللعينة. هذا الحقيقة ايضا تنطبق علي قادة تنظيم “تقدم” (او كثيرين منهم). لهذا السبب بالذات نجد التناقض الصارخ ما بين شعارات الدعم السريع التي ملكوها في البداية عن “الديمقراطية و عن محاربة الفلول” قد اصطدمت مع سلوكها و ممارساتها في قتل المدنيين و تجويعهم و تشريدهم و في اغتصاب النساء و في تخريب البلاد و ركونها في حضن القبلية و احتضانها للكيزان و الفول علي اسس قبلية.
تاسعا:
اخيرا نقول انه، ليس لهذه الحرب اللعينة و العبثية من فوائد كما يقوله صديقنا الاستاذ ياسر عرمان حينما يقول ان الفائدة الوحيدة لهذه الحرب هي كسرها “للقوة الخشنة للاسلاميين في المؤسسة العسكرية”. ليست لهذه الحرب من فائدة و انها قد قضت علي أخضر السودان و يابسها. فهذه حرب لعينة و عبثية (كما يصفها أطرافها انفسهم). ثم ان الإقرار بأن لهذه الحرب من فوائد هو قول تعسفي و يصبح من قبيل الاستهتار و الاهانة بمشاعر ضحايا هذه الحرب. ثم ان الإقرار بهكذا القول يعني أن الحرب نفسها كانت مدبرة و مخططة مثلما علق احد المحللين علي ان المائة الف مليشي مسلح الذين تمت تجهيزها و احضارها الي الخرطوم قبل اندلاع الحرب لم يأتوا ليتفرجوا مبارة كرة القدم و بل جاؤوا لتنفيذ مهمة مخططة مسبقا.
اما هدف “كسر القوة الخشنة للاسلاميين في داخل المؤسسة العسكرية” كان من الممكن أن يتم بالعمل السياسي المضني و ليس بتدمير البلاد. و العباد بقوة الدعم السريع