الشرق ومهرجان حولية ( ستي مريم )
بقلم : محمد بدوي
(١)
نقلت وسائل التواصل الاجتماعي عن تجمع أعداد من مجموعة البجا داخل مقر التلفزيون القومي بمدينة بورتسودان، شرقي السودان، على خلفية التوتر الذي نشب بين المذيعة بالتلفزيون زينب إيرا التي تنحدر من مجموعة البجا الشرقاوية ومدير التلفزيون إبراهيم البزعي، على ذمة تلك المصادر فإن خلفية الأحداث تعود أن السيد/ البزعي أبلغ السيدة/ زينب اعتراضه علي بارتداء الزي البجاوي أثناء ظهورها الرسمي بالتلفزيون، وأنه في وقت سابق تم تنبيهها بعدم ترديد التحية باللغة البجاوية وحدها أيضا.
(٢)
من الثابت بأن القنوات والمؤسسات الإعلامية المرتبطة بالدولة، وتلحق في الغالب بصفة القومية أو الاتحادية أو الوطنية تعمل على التخطيط للمحتوي والمظهر بما يحقق ويتسق بالصفة القومية، في سبيل ذلك تتحمل تكاليف الأزياء من ميزانية مخصصة بما يجعلها في المؤسسات ذات الصفة القومية تراعي ذات الصفة في أشكالها، لأنها لتعبر عن محمول يتسق والتنوع أو الثراء داخل حدود الدولة الجغرافية، التي يسدد مواطنيها تكلفة التشغيل سواء من دافعي الضرائب أو من الميزانية العامة .
(٣)
مسألة الزي ومعاييره في العام احدي المسائل المرتبط بقواعد تعرفه في الفقه القانوني بالنظام العام وهو مختلف عن حزم النظام التي طبقت في عهد الإسلاميين السودانيين، النظام العام فقها هو ما يترك لضمير المجتمع لقبوله أو رفضه وإبداء ذلك بالقبول أو الاستهجان، فإذا نظرنا للأزياء التي سادت في الستينات والسبعينات في الشارع العام والمناسبات العامة في السودان، نجدها مختلفة في شكلها وطولها وغيره وكانت مقبولة انذاك، لكنها من الراجح لم تكن محل قبول في الخمسينات والأربعينات، وهكذا حتي بدأ التراجع بتدخل السلطة في ١٩٨٣ بقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمرحلة مهد بها الإسلاميين السودانيين للتدخل السياسي لاحقا عقب سيطرتهم على السلطة في ١٩٨٩ فتم البدء بالزي المدرسي الذي تحول من زي بألوان ذات دلالات وهدف تربوي إلي نسق الزي العسكري، تطور الأمر إلي تجرم الزي بخصوص الزي الفاضح الذي من هلاميته يقرر فيه مزاج الشرطي أو القاضي بما يتسق والهدف السياسي للسلطة المرتبط بفرض أنسان سلوك مسبقة للظهور في الشارع العام، والتعدي على مساحة حرية الاختيار، والتعزيز لأزياء تتسق ومزاج وتوجه السلطة السياسي في إقصاء لمفهوم التنوع ومحموله، السعي لترسيخ الهدف السياسي الذي عنون ب” إعادة صياغة الإنسان السوداني” ، كأن السودان وجد على أرض البسيطة ابتداء من ٣٠ يونيو ١٩٨٩.
(٤)
الزي البجاوي الذي ظهرت به إيرا،ليس مقصودا في ذاته بالمقصود هو كسرها للنسق بما يشير إلي انفلات سلطة القهر والسيطرة على الخيارات من قبل السلطة ممثله في ممثليها بالمؤسسات، قبل ثورة ديسمبر ٢٠١٨وفي بعض البرامج ردد المقدمون/ المقدمات للبرامج تحايا من مختلف السودان بلغاتها، بما يجعل السؤال يثور عن سبب الاعتراض على التحية البجاوية من إيرا في الراهن! في تقديري أن الأمر كان يتم تحت الإشراف ومن مباني التلفزيون بامدرمان،حينها كانت القبضة الأمنية مسيطرة والتنكيل حاضرا في مواجهة أي كسر للنسق الثقافي خارج إطار المسار السياسي للسلطة الحاكمة.
(٥)
مسألة الزي والثقافة والتنوع السوداني والسياسات الثقافية، احدي القضايا التي ظلت مؤجلة النقاش في سياق التساؤل عن من نحن؟ لأن مدخل للمضي نحو المحول/ المحولات التي تفض اشتباك الثقافي مع السياسي، وتعيد سؤال سلطة المؤسسات الثقافية، والسلطة السياسية كإجابة تفضي لتسليط الضوء على مفهوم المواطنة كمعبر يفضي لمناقشة مفهوم الهوية.
(٦)
كان جديرا بالبزعي في السياق أن يعزز من ما ذهبت إليه إيرا ليجعل من الظهور بالتلفزيون عكسا متنوعا للأزياء والمحمولات الثقافية للسودانيات والسودانيين، لكن يبدو أن تلفزيون السودان رغم انتقاله للاستضافة بشرقي السودان حمل معه أدوات بثه، وسلطانه التي كان يمارسها بأمدرمان ليقوم دون حصافة بمحاولة ممارستها لكن على من ؟ على الشعوب المضيفة دون أدني حصافة، يطرح سؤال المؤسسية والسلطات ومنارستها داخل المؤسسة.
(٧)
الحدث أعاد الذاكرة نحو ذاك الجمال الذي حمله ألوان الثياب التي تزيأن بها النساء في حولية ستي مريم بسنكات فهو مهرجانا صوفيا كساه التوب البجاوي رونقا والقا، فكم هو الفرق شاسع بين ذاكرة الشاشة التي تحتفي بالأزياء العسكرية وتصر على فصامها مع ما دون ذلك .