في خطاب بمناسبة الذكرى 41 لتأسيس الحركة الشعبية، الحلو يدعو لعقد اجتماعي جديد
كاودا في 16 مايو 2024 – في خطاب بمناسبة الذكرى 41 لتأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، رسمَ رئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو خارطة طريقٍ واضحةٍ لإنهاء حرب 15 أبريل وخلاص ما تبقى من السودان بعد انفصال الجنوب.
أكد الحلو أنّ معالجة جذور الأزمة السودانية باتت ضروريةً لا مفرّ منها، وأنّ الحلّ الحقيقيّ لا يكمن في تغيير الوجوه الحاكمة، بل في إعادة صياغة العقد الاجتماعيّ بشكلٍ شاملٍ يجيب على السؤال الجوهريّ: كيف يُحكم السودان؟
كما شدّد على أنّ وحدة السودان واستقراره يتطلبان البحث عن المشتركات وتطويرها، ووضع الديمقراطية كقيمةٍ جوهريةٍ وآليةٍ أساسيةٍ للحكم.
وبيّن أنّ الديمقراطية تُجسّدُ شريعةَ الاختلافِ وحقّ الآخرِ في التميّز، وتُتيحُ التداولَ السلميّ للسلطةِ، ممّا يُعدّ علاجًا جذريًا لِصراعاتِ الماضي والحاضرِ، ويُنهي عهدَ عنفِ الدولةِ الساعيةِ إلى فرضِ مشروعيتها منذ نشأتها.
كما دعا الحلو جميعَ أبناء السودان إلى التكاتفِ والوحدةِ تحت مظلّةِ الديمقراطيةِ، لِبناءِ سودانٍ جديدٍ مُوحدٍ وعادلٍ ينعمُ بالسلامِ والأمنِ والازدهار.
وفيما يلي نص الكلمة التي وجهها للشعب السوداني في هذه المناسبة.
خطاب رئيس الحركة الشعبية – شمال بمناسبة الذكرى (41) لتأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان،
في البدء التحية لجماهير الشعب السوداني في كل أنحاء البلاد في الذكرى ال(41) لتأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، والتي تزامنت مع مرور عام على حرب 15 أبريل 2023 التي إنفجرت في الخرطوم وتوسعت لتشمل أجزاء كبيرة من الوطن.
التحية لجميع الشهداء السودانيين الذين سقطوا في طريق النضال الطويل من أجل إسترداد الحقوق وبناء دولة العدالة والمساواة.
تمر علينا الذكرى (41) لتأسيس إحدى حركات الكفاح الثوري التحرري المسلح في السودان، وبلادنا تشهد أسوأ كارثة إنسانية في تاريخها بسبب حرب الإسلاميين ضد الشعب السوداني، ورغم الكارثة الإنسانية الحرجة إلا أن طرفي النزاع ما زالوا يفضلون حسم الصراع عن طريق الوسائل العسكرية، وأعاقوا بذلك تمرير المساعدات الإنسانية إلى المتضررين في كآفة ولايات السودان.
في تقديرنا أن الصراع الجاري منذ 15 أبريل 2023 بين البرهان وحميدتي لا يمثل إلا الجزء المرئي من جبل الجليد وهو لا يعدو إلا أن يكون صراع إثني على السلطة والهيمنة في البلاد. ونحن نعتبر ذلك مجرد تناقض ثانوي بين قطبين إثنين فقط من أقطاب الصراع المتعددة في البلاد، لذلك فإن هناك مستوى أعمق للصراع وهو الجاري منذ 1956 بين السودان القديم والسودان الجديد والذي يمثل التناقض الرئيسي وهو الذي يجب أن نُركز عليه في التناول والمعالجة. لأن حرب 15 أبريل إنما هي نتاج ثانوي للصراع الأساسي الذي ولد الحروب الأهلية ولمدة 68 عاماً هي عمر السودان المستقل أي صراع المركز والهامش.
نجحت ثلاثة إنتفاضات قوية في تاريخ السودان المستقل وهي أكتوبر 1964، أبريل 1985 و18 ديسمبر 2018 في تغيير وجوه الحكام فقط ولم تغير نظام الحكم ولم تحدث تغييراً إيجابياً في حياة المواطنين السودانيين. هذا بجانب ثلاثة ديمقراطيات مزعومة لم تزد غير أن فاقمت الأزمة ومهدت لثلاثة إنقلابات عسكرية حكمت البلاد لمدة 58 عاماً من جملة 68 عاماً هي فترة ما يسمى بالحكم الوطني. ولا حاجة لنا للتطرق أو التذكير بمستوى الدمار الذي تسببت فيه تلك الديكتاتوريات العسكرية بالبلاد أمنياً وسياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً.
اليوم يعيش السودانيون في حالة اللا دولة لغياب مؤسساتها بدءاً من فشل الأجهزة الأمنية عن توفير الأمن وبسط حكم القانون على أجزاء البلاد كآفة، إنهيار الإقتصاد، النزوح والهجرة القسرية بمستويات غير مسبوقة عالمياً وما يلوح من إمارات التفكك والصوملة.
لماذا وصلت البلاد إلى هذه الدرجة من الحرب الشاملة والدمار؟ هل السبب في ذلك هو التعدد والتنوع العرقي اللغوي، الديني والثقافي الذي تتمتع به الدولة السودانية؟ هل هو بسبب إنفراد البعض بالسلطة والثروة مما أدى لهذا الإنقسام الثنائي للمجتمع السوداني؟ هل صحيح أن السلطة والثروة والمنافع الإجتماعية الرمزية في يد مجموعة عرقية لغوية، دينية ثقافية إقليمية محددة ذات سحنة معينة؟ هل هو إنقسام في الوجدان الوطني؟ أم الإنقسام في الضمير السياسي هو الذي أدى لإنقسام على مستوى التطلعات؟
هل كان قرار فصل جنوب السودان أمراً لا مرد له أم كان آخر الخيارات؟ لماذا إرتفعت أصوات عديدة بعد فصل الجنوب بعضها ينادي بمثلث حمدي واُخرى تنادي بدولة النهر والبحر؟ وأخيراً أصوات دُعاة وحدة وادي النيل التي تُطالب بضم شمال السودان إلى مصر؟ كل تلك المطالب الإنكفائية الإنفصالية تمر دون أن تشهد إستنكاراً أو مواجهة من الرأي العام الشمالي إلا من قليل – بل العكس هو الصحيح ترتفع وتجتهد أقلام بإتهام الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بأنها إنفصالية من باب الإسقاط والتغطية.
ومن حقنا أن نتساءل.. من هو الإنفصالي الحقيقي؟ هل هي الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال التي تنادي بعقد إجتماعي يقود لدستور علماني ديمقراطي يضمن حياد الدولة تجاه الأديان والأعراق والثقافات والجهات؟ أم النُخب (حاكمة ومعارضة) في السودان والتي تتمسك بقوانين وتشريعات دينية وعنصرية تفرق بين السودانيين على أساس العقيدة والعرق والجهة؟
نحن نؤكد أن وقف حرب 15 ابريل في السودان والمحافظة على وحدة ما تبقى منه بعد إنفصال الجنوب يتطلب مخاطبة جذور الأزمة السودانية والتوصل لعقد إجتماعي يُجيب على سؤال كيف يُحكم السودان وليس من يحكم السودان.
إن الحركة الشعبية منذ تأسيسها في 1983 ظلت تدعو وتتمسك بوحدة السودان. ولكن كما قال الدكتور جون قرنق: (أن الوحدة التي تنادي بها الحركة الشعبية ليست الوحدة القسرية الشائهة المولدة للحروب كما هي قائمة الآن. وانما هي وحدة تقوم على اُسس جديدة من الحرية والمساواة والعدالة. العروبة لن توحدنا رغم أنها جزء من مكونات المجتمع السوداني، الإسلام لن يوحدنا، المسيحية لن توحدنا، الإفريقانية المعادية للعروبة لن توحدنا بسبب التعددات والتنوعات التاريخية والمعاصرة).
لذلك علينا البحث عن المشتركات وتطويرها ولا يوجد ما يوحدنا في السودان غير الديمقراطية كقيم وآليات.. لأن الديمقراطية من جهة تقوم على شريعة الإختلاف والقبول بالآخر وحقه في أن يكون آخر، ومن جهة اُخرى تسمح بالتداول السلمي للسلطة وهو أعمق أسباب الصراعات والحروب والعنف داخل المجتمعات، ذلك هو العلاج لفشل النُخب السياسية في إدارة التنوع والتعدد الذي تذخر به البلاد. ذلك هو الذي يضع حداً لعنف الدولة السودانية في بحثها عن المشروعية منذ نشأتها وحتى اليوم.
وفي الختام التهنئة لأعضاء الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال في كل مكان يتواجدون فيه بمناسبة مرور 41 عاماً على تأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي وإستمرارها في النضال من أجل تحقيق السودان الجديد، والتحية لكل فئات الشعوب السودانية في نضالهم من أجل غدٍ أفضل. والتحية لكل شهداء الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وعلى رأسهم مؤسس الحركة الشعبية الدكتور/ جون قرنق دي مابيور وكل شهداء الثورة السودانية الذين سقطوا في دروب النضال من أجل التغيير.
النضال مستمر والنصر للسودان الجديد
القائد/ عبد العزيز آدم الحلو تلو.
رئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال.
16 مايو 2024