Sunday , 24 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

ظمأ ومسغبة وخوف.. حلف الحرب والطبيعة في شرق السودان  

يعيش أهالي شرق السودان في دوامات عطش مستمرة

القضارف / كسلا / بورسودان / راديو دبنقا

الحرب في السودان تخطو نحو عامها الثاني، تنتشر رائحة الموت والدمار في كل مكان، وطال النزوح والتهجير الملايين، ومن نجا من نار الحرب أدركه لهيبها حيثما كان.

على الرغم من بعد ولايات شرق السودان عن مرمى النيران المباشرة للحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع، مع محاولات محدودة لقوات الدعم السريع المتكررة لاختراق حدود ولاية القضارف، إلا أن حالة من الرعب والهلع عمت الإقليم خوفاً من تكرار سيناريوهات شبيهة لما جرى في الخرطوم والجزيرة وغيرها.

ويضم إقليم شرق السودان ثلاث ولايات، هي البحر الأحمر وكسلا والقضارف، ويجاور ثلاث دول هي إريتريا ومصر وإثيوبيا ويمتد فيه ساحل على البحر الأحمر طوله 714 كيلومتراً، وبه خمس موانئ تعمل في مجالات نقل البضائع والركاب.

يجري في الإقليم خمسة أنهر، ويضم أكثر من ثمانية ملايين فدان من الأراضي الزراعية، من بينها مشاريع مروية وفيضية ومطرية، ويبلغ عدد سكان الإقليم نحو ست ملايين، وتبلغ مساحته 360 ألف كيلو متر مربع. كما يتمتع الإقليم بموارد معدنية ضخمة حيث تنشط عدد من الشركات الأجنبية والمحلية في مجال استخلاصه.

على الرغم من الموارد الضخمة التي يزخر بها الإقليم إلا أن ولايات شرق السودان تعاني من أزمات مستمرة في الخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء والرعاية الصحية، بجانب عدم توفر الغذاء، وتفاقمت الأزمات إثر تدفق عدد كبير من النازحين من الخرطوم والجزيرة، مما أدى لمضاعفة الضغط على الخدمات الأساسية في حواضر الإقليم.

وبحسب آخر تقارير منظمة الهجرة الدولية، في أبريل الجاري، فإن أكثر من 6.6 مليون شخص نزحوا جراء الحرب الدائرة، حيث استقبلت ولايات شرق السودان الثلاثة أكثر من 914 ألف نازح، يشكلون حوالى 13 في المائة من سكان الإقليم، تم إيواءهم في نحو 800 مركز إيواء.

أزمة مياه خانقة

تتفاقم أزمة المياه على نحو غير مسبوق في حواضر وقرى الولايات الثلاثة، وتقول فاطمة أحمد، أم لخمسة أطفال من مدينة كسلا، لـ (راديو دبنقا) إن سعر جوز الماء (جركانتين) ارتفع إلى 600 جنيه في كسلا مبينة إنها تضطر لشراء برميل ماء بثلاث آلاف جنيه أي ما يعادل نحو دولارين ونصف، بينما تتزاحم عربات الكارو على موارد الماء الشحيحة في قرى ومناطق القاش.

وتستضيف ولاية كسلا 195 ألف نازح تم إيواءهم في 246 مركز بمختلف مدن الولاية.

ويرى الباحث ابو فاطمة اونور، في مقابلة مع راديو دبنقا ،إن الحرب تحالفت مع الظروف الطبيعية ضد إنسان ولاية كسلا خلال العام الماضي حيث تناقص مستوى جريان نهر القاش على نحو لم يسبق له مثيل منذ عام 1984 مما أثر على تغذية المخزون الجوفي لمدينة كسلا، وتسبب في مزيد من الفشل لمشروع القاش الزراعي المتعثر أصلاً.

وقبل اندلاع الحرب شكلت حكومة ولاية كسلا لجنة تضم مختصين لإعداد دراسة شاملة لأزمة المياه، حيث تداولت مقترحات لتغذية حوض نهر القاش من خلال شق ترعة من خزان نهر سيتيت بطول (36) كلم للمساهمة في زيادة واستقرار المخزون الجوفي لمدينة كسلا ولكن تبخرت تلك الآمال بعد اندلاع الحرب.

وفي ولاية القضارف التي تشهد أصلا أزمة مستديمة في مياه الشرب، تسبب شح الوقود واستمرار تدفق النازحين في المزيد من تفاقم أزمة المياه. وتستضيف ولاية القضارف 472 ألف نازح في 314 مركز إيواء بجانب أعداد أخرى غير محصورة جرى استضافتها في منازل ذويها أو استأجرت منازل خاصة.

وأكد بشير الصادق مدير منظمة ليزنفا لراديو دبنقا إن أزمة المياه في القضارف فاقمت معاناة النازحين في مراكز الإيواء في ظل عدم توفر مصادر الدخل وعدم صرف المرتبات.

وقبل اندلاع الحرب، كانت اللجان العاملة في مشروع الحل الجذري لمشكلة مياه القضارف تواصل ضغطها لإكمال توصيل المياه من خزان عطبرة وسيتيت، ولكن تراجعت وتيرة الحديث عن المشروع بعد بدء القتال بين الجيش والدعم السريع. وفي ديسمبر الماضي، وجه الفريق مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة، وزارتي المالية الاتحادية النفط والشركة السودانية للموارد المعدنية بضرورة الإيفاء بسداد المبلغ المتبقي من المشروع والبالغ (11) مليون دولارا قبل فبراير الماضي، ولكن تلك الوعود لم يتم تنفيذها حتى الآن.

أما في مدينة بورتسودان فإن مواطني للمدينة يجأرون بالشكوى من أزمة المياه رغم أن بورتسودان تحولت إلى العاصمة البديلة منذ اندلاع الحرب. وتستضيف ولاية البحر الأحمر 247 ألف نازح في أكثر من مائتي مركز إيواء.

ويقول المحامي عبد المنعم جبر الله لراديو دبنقا إن تكلفة سعر جوز الماء ارتفع إلى ٤٠٠ جنيه رغم عدم حلول فصل الصيف بعد مما يزيد المخاوف والمهددات.

وقبيل اندلاع الحرب، بحث مجلس الوزراء سبل معالجة أزمة مياه بورتسودان وذلك من خلال إمكانية إيجار بارجة (محطة تحلية مياه متنقلة)، فضلاً عن تكملة محطة التحلية الجديدة (الشاحنات). كما ظل تنفيذ مشروع توصيل مياه النيل إلى ولاية البحر الأحمر حلماً يراود مواطني الولاية لمعالجة المشكلة بصورة جذرية. بنشوب الحرب لم يعد هنالك أمل في توفر موارد مالية لتنفيذ المشروعات كما إن تدفق النازحين وتحويل مدينة بورتسودان كعاصمة بديلة أدى إلى تفاقم الأزمة.

شبح الجوع وكابوس الأوبئة

في ديسمبر الماضي، كشف تقرير أصدرته أربع منظمات دولية عاملة بالسودان (USAID, iMMAP, Data Friendly) عن أن (1٫418٫003) شخص في ولاية كسلا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد (49% من سكان الولاية) و (507٫789) في ولاية البحر الأحمر (31% من السكان) و (773٫103) في ولاية القضارف (28% من السكان) فيما يتزايد الانهيار في مؤشرات خدمات الصحة والتعليم والإيواء مصحوبا بارتفاع سريع في معدلات زيادة الأسعار.

ويقول وزير الصحة بولاية كسلا الدكتور علي آدم إن ولاية كسلا تحتل المركز الأول في أمراض التقزم وسوء التغذية بسبب المحددات الاجتماعية للصحة كما تعد حمى الضنك من الأمراض المستوطنة بالولاية. وتفشت الحميات والكوليرا بشكل واسعة في ولايتي القضارف وكسلا خلال الموسم الماضي.

وعلى الرغم من تلك التقارير التي تكشف عن انتشار سوء التغذية إلا أن محمد احمد البشير مدير عام وزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية بولاية القضارف قال في تصريحات صحفية مؤخراً بحسب وكالة السودان للأنباء إن إنتاج الولاية خلال الموسم الماضي بلغ سبعة ملايين جوال ذرة و3.5 مليون قنطارا سمسم مؤكدا توفر خمسة ملايين جوال من الذرة الآن بالقضارف بالإضافة للكميات الأخرى بالمحليات.

تراجع المساحات المزروعة

ويقول الباحث أبو فاطمة أونور في مقابلة مع راديو دبنقا إن مشروع القاش الزراعي شهد أقل معدل للإنتاج خلال الموسم الماضي بسبب ضعف تدفق نهر القاش، بجانب توقف عدد من التفاتيش وانتشار المسكيت الذي يغطي مساحات واسعة من المشروع، واستبعد التوصل العاجل لمعالجات لمشاكل المشروع، الذي يستفيد منه جميع مواطني الولاية، في ظل الحرب الدائرة التي أدت إلى تآكل الموارد.

ويؤكد وزير الزراعة بكسلا الدكتور خضر إن المساحة المزروعة من مشروع القاش لا تتجاوز 80 ألف فدان من أصل 700 ألف فدان هي المساحة الكاملة للمشروع، وحتى تلك المساحة لا يتم الوصول إليها بشكل كامل وارجع ذلك عدم وجود إدارة للمشروع بجانب عدم التحديد بشكل دقيق بشأن تبعية المشروع للحكومة الاتحادية أو حكومة الولاية.

وتراجعت المساحات المزروعة بمشروع طوكر الزراعي في ولاية البحر إلى 20 ألف فدان خلال الموسم الماضي بينما بلغت المساحة المزروعة في الموسم الذي سبقه 29 ألف فدانا، كما يغطي المسكيت نحو 50 ألف فدانا من المساحة الكلية التي تبلغ حوالي 406 ألف فدانا وتشكل عائقًا كبيرًا أمام زراعة المشروع. ويقول المزارع التاج صالح لراديو دبنقا إن قلة تدفق المياه في دلتا طوكر أثر على الموسم الزراعي، بينما يقول المزارع مجذوب علي إن الحرب أثرت على منافذ التسويق لمنتجاتهم المحدود.

المليشيات .. داوها بالتي كانت هي الداء

يشكو المواطنون بولايتي كسلا والقضارف من اضطرابات أمنية بالولاية، حيث شهد حي مكرام بالاتجاه الشرقي من كسلا خلال شهر رمضان حوادث أمنية فاقمت المخاوف من تجدد المواجهات قبلية، كما شهدت ولاية القضارف في وقت سابق عدداً من الحوادث الأمنية المتمثلة في التوترات بين حركتي تحرير السودان قيادة مناوي وقيادة تمبور بسبب إدخال الأولى في معسكرات الأخيرة كما قتل مواطن خلال الأسبوع الماضي برصاص مستنفرين.

ويشير مواطنون من القضارف إلى توترات أمنية بين قوات من الجيش والمستنفرين في حي الصوفي بالقضارف كادت أن تتطور خلال الأسبوع الماضي. بسبب خلاف حول إزالة ارتكاز يتناوب عليه ليه الجيش والمستنفرين. وتحتشد عدد كبير من قوات الجيش والحركات المسلحة المؤيدة لها مثل حركة تحرير السودان قيادة مناوي وقيادة تمبور وحركة العدل والمساواة قيادة جبريل في ولايتي كسلا والقضارف.

كما ابدى والي كسلا بالإنابة أمين عام الحكومة علي ابو فاطمة انزعاجه الأسبوع الماضي من ظهور بعض التفلتات مثل تسعة طويلة” ونهب المواشي بريفي اروما. وقال في اجتماع حكومي الأسبوع الماضي نبهنا منذ فترة مبكرة إلى خطورة السلاح الموجود خارج منظومة القوات النظامية، كاشفا عن إبلاغ السلطات العليا عن القوات التي فتحت معسكرات التدريب قبالة الشريط الحدودي وتم رفع هذا الأمر للسلطات العليا.

وأعلنت خمس مجموعات سودانية مسلحة تخريج الدفعة الأولى من قواتها داخل الأراضي الإرترية. حيث أعلنت قوات مؤتمر البجا القومي برئاسة موسى محمد احمد، مساعد الرئيس السابق عمر البشير والقيادي في المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة عن تخريج دفعة من قواتها قوامها المئات من الجنود في منطقة لوكييب الحدودية، وقال محمد نور همدوية رئيس مؤتمر البجا بولاية البحر الأحمر خلال حفل التخريج إنهم يطالبون بالحكم الذاتي. كما لوح في وقت سابق باتخاذ خطوات أكثر خطورة من فتح معسكرات التدريب، لم يحددها، في حال استمرار اعتراض الحكومة المركزية وقياداتها على فتح المعسكرات.

كما نشرت الجبهة الشعبية المتحدة بقيادة الأمين داوود، القيادي في الكتلة الديمقراطية التي أعلنت مساندتها للجيش في الحرب الحالية، مقاطع فيديو لحفل تخريج المئات من الجنود، وحذرت في بيان لها يوم الخميس الماضي اللجنة الأمنية بولاية البحر الأحمر من بممارسة سياسات وصفتها بـالإقصائية محذرة من الاحتقان الاجتماعي الذي قد يتصاعد إلى توترات أمنية في ظل الحرب الدائرة وأكدت إن قواتها تهدف لحماية الدولة من الانهيار وتأسيس وبناء جمهورية المواطنة المتساوية محذرة من دفعها نحو الخيارات الأخرى التي لم تحددها. وبحسب المراقبين فإن الموقف الجديد يأتي على خلفية اعتقال لجنة أمن الولاية لعبد الوهاب جميل أحد قيادات الجبهة قبل أن تطلق سراحه لاحقاً.

كما خرجت قوات تحرير شرق السودان التي يقودها إبراهيم دنيا مؤخراً المئات من قواتها، وقال قائد القوة إن فتح المعسكرات يأتي في إطار استشعار الخطر جراء الحرب الدائرة الآن التي تضرر منها المدنيون في الخرطوم ودارفور والجزيرة، وأضاف (إن فتح المعسكرات يأتي في إطار الاستعداد لأي عدوان حتى لا يتكرر ما جرى، والاستمرار في إيواء النازحين). وأشار إلى المظالم التاريخية لشرق السودان والاستهداف والتهميش خلال الأنظمة المتعاقبة.

و أعلنت الحركة الوطنية للعدالة والتنمية بشرق السودان بقيادة الشيخ محمد طاهر سليمان بيتاي، رئيس المجلس التشريعي بولاية كسلا السابق عن تخريج الدفعة الأولي من جيش تأمين وحماية البوابة الشرقية. وليس بعيداً عن ذلك تم الإعلان مؤخراً عن حركة شباب التغيير والعدالة السودانية ونشروا صوراً بالزي العسكري ونظموا عدداً من المناشط في ولاية كسلا مؤكدين وقفتهم مع الجيش خلال الحرب الحالية.

وفي ولاية البحر الأحمر تنشط قوات تحالف أحزاب وحركات شرق السودان بقيادة شيبة ضرار حيث يحمل جنودها ضباطها الأسلحة النارية داخل المدينة ويرتدون الزي العسكري للجيش.

ومع استمرار الحرب تتصاعد المخاوف من تزايد وتيرة المهددات الأمنية وإشكاليات عدم توفر الماء والغذاء.

* تنشر هذه المادة بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في حملة (منتدي الإعلام السوداني).