“حوار وطني لا يستثني أحد” !!
بابكر فيصل
قد كان الهدف الرئيسي للمؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وحلفائهم من وراء إشعال حرب الخامس عشر من أبريل هو القضاء على ثورة ديسمبر المجيدة وكل ما تمثله من شعارات ومن يقف خلفها من قوى سياسية وثورية وليس أدل على ذلك مما نشاهده اليوم من عودة كاملة لنظام الإنقاذ في أسوأ نسخه في الولايات التي تقع تحت سيطرة الجيش، وكذلك القرارات التي أصدرها ولاة تلك الولايات بحظر نشاط لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير ولجان الخدمات والتضييق على قياداتها بالاعتقال والإبعاد و الاختطاف والتهديد بالتصفية الجسدية.
الخطة الجهنمية لبلوغ ذلك الهدف تمثلت في إشعال حرب خاطفة بواسطة الجناح الأمني والعسكري يتم فيها القضاء على الدعم السريع خلال ساعات وتصفية رموز الثورة والعودة للسلطة من جديد، ولكن الأمور لم تمضي كما هو مخططٌ لها وطال أمد الحرب حتى دخلت شهرها العاشر دون أن يتحقق ذلك النصر المرتجى.
عندها وضعت قيادة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ثلاثة أهداف جديدة من أجل تعويض الفشل وتحقيق حلم العودة للسلطة، وتمثل أول تلك الأهداف في السعي لعقد صفقة ثنائية مع الدعم السريع يتم بموجبها إبعاد قوى الثورة والقوى المدنية من المشهد واقتسام السلطة، وما يزال رسل المؤتمر الوطني يسعون لقيادة الدعم السريع في جنح الليل لإقناعها بالمضي في ذلك الاتجاه.
ثاني الأهداف تمثل في السعي لحجز مقعد في العملية السياسية القادمة عبر خدعة الحوار الوطني “الذي لا يستثني أحد”، وهو الأمر الذي بدأ يطالب به أفراد وجماعات تحت ذريعة ألا سبيل لإيقاف الحرب إلا بإشراك المؤتمر الوطني ودون دفع أية استحقاقات عن فترة حكمه الاستبدادي الفاسد الذي أسقطته ثورة ديسمبر المجيدة، وبالتالي تحقيق هدفه الذي فشل في تحقيقه بالحرب.
أما ثالث الأهداف فيتمثل في العمل بكل السبل على استمرار الحرب إلى أطول مدى في حال فشل الهدفين السابقين، وبغض النظر عما يمكن أن تؤدي له الحرب من تفكيك لكيان الدولة وانشطار المجتمع والانزلاق نحو الفوضى المسلحة الشاملة.
إنَّ العودة المجانية للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية للعملية السياسية يمثل أكبر انتكاسة للثورة المجيدة، وستكون نتيجته الأخيرة هي وأد المسار الديمقراطي للأبد، ذلك أنه سيحول دون تفكيك إرث دولة الإنقاذ التي بدأت بالرجوع منذ انقلاب 25 أكتوبر واكتمل رجوعها في الولايات التي يسيطر عليها الجيش حالياً، وسيمهد الطريق لرجوعها مرة أخرى بصورة شرعية عبر الحكومة الانتقالية أو الانتخابات التي ستليها.
قد بدأت دعوة الحوار الذي لا يستثني أحد في الرواج بشدة، ويبدو أن رأس الرمح في المطالبة بها هو لقوات المسلحة التي تضمَّن رد قيادتها على دعوة “تقدم” للاجتماع إشارة واضحة لتلك الدعوة حيث دعي إلى (إطلاق عملية مشاورات وطنية واسعة حيث تشمل كافة القوى السياسية والمدنية) ولم ينوه إلى استثناء المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية من عملية المشاورات.
إننا لا نطالب بالقضاء على تيار الإسلام السياسي، ذلك أن الأفكار لا يمكن اجتثاثها من عقول البشر، ولكن تتم مقارعتها بالحجة – وهو الأمر الذي ظللنا نقوم به طوال فترة حكم دولة الإنقاذ الاستبدادية- ولكننا نقف في وجه عودة حزب استئصالي مجرم قامت الثورة بحله وتم منعه بالقانون ومع ذلك أصر على العودة للسلطة بصورة مجانية عبر عرقلة الانتقال بصناعة الفوضى والانقلاب العسكري والحرب.
إن خطة مكافأة المؤتمر الوطني على إشعال الحرب تمضي بقوة ولذا يتوجب على قوى الثورة مقاومتها بكافة السبل المشروعة، ولا يوجد سبيل لمنعها سوى وحدة القوى الثورية، والتي إذا تعذر اتحادها في تنظيم جامع، يمكن أن تنسق مواقفها بشكل فاعل لمنع نجاح تلك الدعوة، ذلك أن التناقض الرئيسي هو بين قوى الثورة والمؤتمر الوطني وما عداه من خلافات بين تلك القوى هي مجرد تناقضات ثانوية.