“الوهم وعلاج الهم”
عثمان فضل الله
هذه الحرب تزداد فظاعاتها كلما اتسعت رقعتها وتتحول الي هستيريا وفوضي لن تبقي ولن تذر .. واهم من ظن أن الجيش يستطيع أن يفعل شيئا غير الذي نراه منه يوميا ولا يقل عنه وهما من ينتظر سلوكا مدنيا من افراد الدعم السريع او التزاما بعهد قطعوه للناس بحفظ أمنهم فهي قوات صممت ودربت على زعزعة الامن وكان سلوكها المنفلت محميا بالقانون ابان العهد البائد ومن شب على شيء شاب عليه.
قادتها لن يستطيعوا ضبطها وإن ارادوا، ولجان القرى لن تصل الي مبتغاها في أن تدفعها الى البعد عن حق المواطن في سلامه بدنه وممتلكاته.
ولعل عين الخطل أن نقف مكتوفي الأيدي ونحن ننظر لقرى الجزيرة تستباح وقرى جنوب شندي تنام بعين واحدة ومروي تضع يدها على قلبها ومواطني نيالا يجأرون بالشكوى من قصف الطيران والفاشر مسجون أهلها بلا ماء ولا كهرباء والابيض تبكي كل يوم شهيد والخرطوم باتت نسيا منسيا كل ذلك يجري والبعض ينتظر أن يمدنا الله بملائكة من عنده لننتصر على “الغزاة الكفرة” طبقا لفهمه، وبعضنا الآخر يبتسم كل ما زاد صراخ من اشعلوا الحرب لأنه يطرب لهذه الانغام الصادرة من حناجر اولئك الاعداء وغائب عنه أن كل صراخ يصدر منهم يغطي على انين امرأة فقيرة في قرية فقيرة من قرى الجزيرة فقدت الامان وماعادت تستطيع الخروج لتحلب غنيماتها وهي مطمئنة.
الوضع الآن في كل أنحاء السودان بات مزري وبالغ السوء لم يعد اي سوداني مهما كان موقعه بعدا او قربا من المناطق المشتعلة آمنا فالحرب دخلت كل بيت وطالت كل شارع بطرق متفاوتة، ولعل ذلك يضع القوى المدنية في امتحان عسير، فهي الان المسؤولة عن جلب الامن والامان للمواطن، بعد أن ثبت بأن القوى الحاملة للسلاح لا عاقل فيها.
يتطلب الوضع المنفلت التفكير خارج الصندوق لابتكار وسائل تجبر حملة السلاح على وضعه أرضا والجنوح للسلام ولعل في صدر تلك الخطوات هي فضح الانتهاكات والفظائع التي ترتكب من قبل الطرفين وتعريتهما أمام أنفسهما وأمام المجتمع المحلي والدولي، فالاعتقالات التي تقوم بها كتائب الاسلاميين الارهابية لأبناء دارفور في ولايات الوسط والشمال ووصل بهم الجنون الى تصفية من يلقون عليه القبض استباها وحرق الجثث بالنار مثل الذي جرى مدني وهو انتهاك فظيع وعظيم لو يعلمون.
وماقام به جنود المليشيا من تصفية الكوادر الطبية في مستشفى رفاعة لا يقل بشاعة عما جرى في مدني وما يفعلونه من اجتياح للبوادي والحضر في المنطقة الممتدة من الخرطوم وحتى حاضرة ولاية الجزيرة شرقا وغربا ينهبون المال والذهب وسيارات المواطنين والمعترض يقتل بدم بارد جرائم لم نشهد لها مثيل في التاريخ الحديث.
كل تلك الجرائم يجب أن تعرى وان تشكل القوى المدنية غرفا للطوارئ، واخرى مهمتها مخاطبة الناس على مدار الساعة عبر البيانات والمؤتمرات الصحافية لتمده بالمعلومات وتبصره بالحقائق وتشعره أن هناك من يهمه أمره وان تسعى لحلحلة ازماته.
ايضا يجب ان تعيد القوى المدنية قيادة عملها الي داخل البلاد اي كانت التضحيات ومهما كان الثمن الذي سيدفع فهو لن يكون أكثر من الذي دفعه مواطني الجنينة ونيالا ولت الذي يدفع فيه الآن مواطن مدني.
ما يحدث من فظائع وحالة التوهان التي يعيشها الناس تتطلب من الجميع طرد الوهم والالتفات الي معالجة الهم بعقلانية واختيار السبل الموضوعية.