قبل الانهيار.!
شمائل النور
أعاد سقوط مدني إلى الأذهان ذات الصدمة التي وقعت بين الناس عقب سقوط مدينة نيالا التي لحقت بها مدن دارفور تباعاً، وإن كان سقوط مدني أكثر زلزلة من نيالا بحكم سرعة السقوط أولاً، حيث موقعها الجغرافي يجعل إمكانية صمودها أكبر من نيالا، مدني سقطت من محور واحد وهو الشرقي وهو ما يثير الأسئلة حول ما كان عليه الجيش بمحاور الجنوب، الشمال والغرب، قبل أن ترد الأنباء بانسحابات من اتجاه الشمال بعد السقوط مباشرة.
الموقع الجغرافي لمدني؛ الرابط كل أطراف البلاد وبحكم أنها استقبلت عشرات الآلاف من نازحي الخرطوم وتحولت لمركز تجاري يغذي مناطق واسعة عطفاً على أنها أصبحت وجهة العلاج الوحيدة المتبقية، فإن سقوطها يشكل نقطة تحول كبيرة في هذه الحرب؛ فعلياً فإن الشلل الكامل للبلاد قد وقع ومصير الناس أصبح مجهول.
رغم أن الأمر جلل، فإن الجيش اكتفى ببيان مقتضب جداً، ملخصه؛ سقوط مدني ليس بدعة؛ فهي مثل بقية المناطق، هذا بيان استسلام مدهش.
إمساك قيادة الجيش عن مخاطبة الناس منذ تفجر هذه الحرب اللعينة، حوّم حولها استفهامات عديدة، ومجرد محاولات الإجابة عليها يخلق حالة من الريبة والشك لن تكون تبعاتها حميدة إذا ظلت هكذا.
من المهم معرفة كيف سقطت مدني، حتى يحاول الناس فهم مرحلة ما بعد سقوط مدني وما الذي ينبغي أن يتبعه الناس للحفاظ على حياتهم، هذا هو الحد الأدنى من الالتزام الدستوري والأخلاقي تجاه حماية المواطنين، لطالما أسقط الجيش عن مواطنيه هذا الحق فعلى أقل تقدير أن يملكهم المعلومات ليحددوا مصيرهم ووجهتهم.
تداولت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صورتين، واحدة لقيادة الجيش في نيالا والثانية لقيادة الجيش في مدني، وجرت المقارنة بينهما في مسألة المقاومة والصمود، وما أراد الناس قوله هو أن مدني سقطت في عملية تسليم وتسلم، وهذا شك ظل يلاحق الجيش في عدد مقدر من العمليات العسكرية.
وحديث ذاك العسكري حول ”فك اللجام“ يعكس اعتقاد واسع داخل الجيش أن القيادة هي سبب ضعف موقف الجيش في كل العمليات.
هذا كله وارد طبعاً ولديه مؤشرات لكنه قطعاً ليس هو السبب الوحيد، لأن هناك من يجزم أنها قدرة الجيش الذي تآكل منذ سنوات، غير أن الأخطر من هذا وذاك هو أن تكون رغبة الجيش تراجعت في القتال فعلاً لأسباب مختلفة.
المستفاد الآن، بعد سقوط مدني والانسحابات المتتالية؛ ولا تزال هناك فرصة للحل، أن يعلو صوت الحكماء في الجيش للملمة ما تبقى لدفع الجيش للحل التفاوضي، قبل أن تحل الكارثة الأكبر، لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يصل الجيش مرحلة الانهيار والاستسلام التام، لأن هذا الأمر معلوم كيف تكون عقباه.