قبل أن يتلاشى الوطن
شمائل النور
تقترب حرب 15 أبريل من إكمال ثمانية أشهر حسوماً، حصدت من الأرواح والممتلكات ما حصدت، وعطلت ما عطلت، ثم هاهي بقُبحها تتجاوز كل هذا الحصاد لتحصد ما تبقى من أمل.
لم نعد في تلك الدرجة من الرفاهية؛ كي نقول أن البلاد على حافة الانزلاق، البلاد انزلقت؛ الآن البلاد على حافة أن لا تكون.
قد يسخر ساخرُ فيقول: أكثر مما نحن فيه؟ نعم هناك أبشع مما نحن عليه الآن وأبشع منه أضعافاً مضاعفة، وما لم تخرج للناس فئة منهم تتحمل مسؤولية الحل وتمضي إليه بثبات وشجاعة لن تتوقف هذه الحرب وإن نفدت كل الأسلحة.
ما نحن فيه الآن أكبر من أن نرمي اللوم فيه على طرف دون آخر، سياسياً أو عسكرياً، الحرب تراكمت أسبابها حتى تشعبت وتأجلت حلولها حتى تعقدت والنتيجة الحتمية كانت الانفجار وقد وقع.
الحرب بدأت فعلياً حينما اعتمدت الدولة المليشيات جيشاً بجانب جيش الدولة، ومنذ اللحظة التي أجاز فيها البرلمان قانون قوات الدعم السريع في 2017، وُضعت البلاد على فوهة البندقية، ما تأخر هو قرار الضغط على الزناد.
أما وقد وقع الانفجار، علينا جميعاً أن ننظر إلى مستوى أعلى من المسؤولية الوطنية، فالحرب ليست مجرد صراع سياسي نُغذيه وننتصر فيه بالاصطفاف والتلاوم وتصيّد الأخطاء وتوظيفها لضرب الخصوم، هي دمار؛كل ساعة فيها تحصد خسارة هائلة قد لا تعوض وتُعطل حياة الناس أكثر مما هي معطلة.
من المهم للغاية أن نسلّم بأن الحرب تفرض واقعاً مغايراً، وفي حالتنا هذه؛ حيث انفجرت الحرب بعد ثورة سلمية كاسحة فإن من الضروري صياغة خطاب مختلف، واقعي، بعيد عن الشعارات البراقة، فالحرب دون رغبتنا وإرادتنا تفرض سقفا متدنيا على المدى القريب.
لن يكون بالإمكان -إن عزمنا الخروج من الحرب- أن نعود لتلك النقطة، هذا واقع جديد ينبغى أولاً أن نؤمن به جميعاً؛ أنه مغاير ومفروض علينا لا برغبتنا، ولابد أن نتراضى حول مطلوباته والتي هي (ثمن) وقف الحرب.
قضيتان جوهريتان، مالم نتعاطى معهما بواقعية لن يتسنى لنا الخروج من هذا الوحل، الأولى وقد أصبحت بائنة للكثيرين وهي أن قدرة الجيش هي ما ترونه الآن، وهذه نتيجة حتمية ومتوقعة في بلد تصرف علي الجيوش الموازية على حساب مؤسسات الدولة، هذا الواقع الصادم لابد من التعاطي معه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه حفاظاً على ما تبقى.
القضية الثانية والأكثر حساسية والتي لا تناقش إلا في دوائر محدودة في الظلام، هي قضية التعامل مع النظام السابق الذي أصبح الآن أكثر فاعلية، وربما تكون هذه القضية أكثر أهمية من وضع الجيش لما هو معلوم بالضرورة، ما لم تُحسم صيغة للتعامل مع النظام السابق فلن نخرج من هذه الدائرة.
هاتان القضيتان لابد من مواجهتهما بكل شجاعة، ومالم يحدث هذا لن يتوقف هذا الدمار.