Monday , 25 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

ذاكرتنا ليس خربة يا دعاة الحرب!!

اسماعيل محمد علي

اسماعيل محمد علي

من يتأمل في الأحداث التي تلت الاطاحة بنظام المؤتمر الوطني في 11 أبريل 2019، عبر أعظم ثورة شعبية شهدها العالم، ابتداءاً من فض اعتصام القيادة العامة للجيش، واغلاق اقليم الشرق (الموانئ وطريق بورتسودان- الخرطوم)، فاعتصام القصر الجمهوري الشهير، ثم وقوع انقلاب 25 اكتوبر 2021 وما تلاه من قتل للمتظاهرين في المواكب المناهضة للانقلاب من أجل استعادة المسار الديمقراطي، وصولاً لحرب 15 أبريل، يصل إلى يقين وقناعة بأن الشعب السوداني يواجه عدواً شرساً لا يريد له أن ينعم بالاستقرار السياسي الذي ينشده منذ استقلاله قبل 67 عاماً.

وقعت الحرب في الخرطوم بصورة مباغتة على غالبية الشعب المغلوب على أمره، لكنها كانت مرسومة الخطوات والاستراتيجيات بكامل أدواتها العسكرية والسياسية والاعلامية، حيث انطلقت الرصاصة الأولى من جهة المدينة الرياضية التي كانت تحتضن معسكر ضخم للدعم السريع من حيث الأفراد والعتاد والأليات، لتصبح بعد ساعات قلائل مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، أم درمان، وبحري) جبهات قتال، ثم شاهدنا في الأثناء أحداثاً دراميكية أخطرها افراغ السجون من المساجين كافة لا سيما السجناء السياسيين من المتهمين بتقويض النظام الدستوري في 30 يونيو 1989 والمطلوبين للمحكمة الجنائية، كما تابعنا كيف نزل الفريق الاعلامي الذي المعد لهذه المهمة إلى الميدان (الفضاء الواسع) ليقول للناس بكل بساطة أن ما حدث هو انقلاباً قام به الدعم السريع للاستيلاء على السلطة بمساعدة ظهيره السياسي تحالف قوى الحرية والتغيير (قحت) وكأن الشعب السوداني مخبول يصدق مثل هذه المسرحية الساذجة، متناسين أن الاتفاق الاطاري الذي تقوده (قحت) أساسه انتزاع السلطة من المؤسسة العسكرية بما فيها الدعم السريع الشريك الرئيس بجانب الجيش في السلطة الحاكمة، وعودتهما إلى ثكناتهما.

أسباب هذه الحرب معلومة للجميع وإلا إذا كانت ذاكرتنا كسودانيين خربة لهذه الدرجة، فهي نتاج اختلاف عميق بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) برز خلال فعاليات ورشة الاصلاح الأمني والعسكري التي نظمتها القوى الموقعة على الاتفاق الاطاري بالتنسيق مع الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، والايغاد) في الفترة بين 26 و29 مارس 2023، لمناقشة آليات دمج الجيوش المتعددة بالبلاد في جيش مهني واحد وهو مطلب معظم فئات الشعب نظراً لما يشكله تعدد الجيوش من تهديد لاستقرار السودان. ومعلوم أن خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية أمر حتمي معمول به في كل الأنظمة العالمية، خاصة وأن دخول الجيش السوداني في السياسة عبر الانقلابات العسكرية هو الاستثناء باعتباره خطأ لابد من تصحيحه من منطلق أن ما بني على باطل فهو باطل، وهي أخطاء ظلت تلازمنا منذ 1956.

تعالت بعض الأصوات ذات الهدف السياسي المناهض للحكم الديمقراطي، لمهاجمة اجتماعات القوى المدنية التي تنعقد في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في الفترة ما بين 21- 25 اكتوبر الحالي لبحث تكوين جبهة مدنية واسعة لوقف الحرب واستعادة المسار المدني واعادة اعمار السودان بمشاركة نقابات ومنظمات مجتمع مدني ولجان مقاومة وأحزاب سياسية عديدة، هو هجوم لا مبرر له، لأن أي جهد يبذل من أجل وقف الحرب يجب أن يقابل بالترحيب في ظل الأوضاع الصعبة التي يعانيها المواطن السوداني الذي مازال موجوداً في العاصمة ومن نزح منها إلى الولايات ودول الجوار، لكن دعاة الحرب وأصحاب الأجندة لا يهمهم الوطن ولا أهله فقط يريدون أن يستمروا في نعيم السلطة التي سبق أن انتزعوها بالبندقية والآن يريدونها الوصول إليها باشعال الحرب.

وضح تماماً والحرب دخلت شهرها السابع أن حسمها عسكرياً سيكون أمراً مستحيلاً، فهذه رؤية العسكريين أصحاب الدراية والخبرة والمعرفة، لا أصحاب الأجندة الخفية، بالتالي لا سبيل غير انهاء هذه الحرب عبر المفاوضات من خلال الرجوع لمنبر جدة التي ترعاه الوساطة الأميركية- السعودية، وهو نفس النسق الذي تدعو له القوى المدنية، لأن أي اتجاه غير ذلك يعني طول أمد الحرب وزيادة المعاناة على كاهل الشعب الذي يعيش حالة من اليأس والاحباط وقساوة الظروف.

في تقديري أن نجاح الجبهة المدنية في مساعيها لاسترداد الحكم المدني واستقرار البلاد سياسياً يتطلب دخول كل أطراف السلام في العملية السياسية لا سيما حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، فضلاً عن قوى الثورة المؤمنة بالديمقراطية من خلال اجراء تنازلات واسعة والاتفاق على برنامج حد أدنى يقود لاستقرار الحكم في ما تبقى من فترة انتقالية، والوصول لانتخابات عامة نزيهة.