ابو عركي البخيت عند المحن
شعلة من الأمل والمقاومة والإبداع
ياسر عرمان
ما يشدني لعزيزنا المبدع الكبير ابو عركي البخيت ليس إبداعه فحسب بل شجاعته المعنوية وتفوقه الأخلاقي وتمسكه بالقيم الرفيعة في الخريف والمحل وفي السلم والحرب، وقد اثبت بعد اندلاع حرب ١٥ أبريل إنه مواطن الخرطوم الأول الذي تمسك بها ولم يهجرها عند المحن.
مثلما رفض الأستاذ عركي البخيت التعامل مع أجهزة إعلام نظام البشير على مدى عقود ها هو اليوم يرفض مغادرة منزله في حي العرضة بام درمان احتجاجا على الحرب ورفضا للاستهتار، وتمسكا بحق الإنسان في الحياة الكريمة والبيت الذي يطل على الشارع والوطن والجيران والناس، وكان احتجاجه مبدعا ونادرا.
ابو عركي المولود في مدني كان بإمكانه مثل ملايين السودانيين الخيرين الشرفاء الذين دمرت حياتهم الحرب أن يعود إلى مدني أو أي مكان آخر يختاره، فهو الأعزل إلا من إيمانه بالوطن فحتي الذين أسال الحكم شهوتهم هاجروا بسلاحهم من النهر إلى البحر ، واختار عركي التمسك بالأرض و(المنزل الوطن) مع الفقراء والشهداء والشجعان الذين سمروا أقدامهم فوق ارضهم ورفضوا الخروج حينما بلغت الروح الحلقوم فياله من موقف يلهب ويلهم الأجيال جيل بعد جيل.
يصادف اليوم ٢٣ سبتمبر ذكرى انتفاضة سبتمبر ٢٠١٣، وهذا اليوم تحديدا اشعل فيه شباب مدينة ود مدني التي منها أتى عركي نيران سبتمبر ٢٠١٣ التي امتدت إلى ريف ومدن السودان وعبدت الطريق نحو ثورة ديسمبر المجيدة، والمجد للابد يظل لهزاع والسنهوري وسارة وعقدهم النضيد من الجنينة إلى بورتسودان ومن حلفا إلى هيبان.
درجت منذ سنوات للإنصال وزيارة الأستاذ عركي سيما بعد ثورة ديسمبر مع عدد من الأصدقاء ولعب صديقنا الدكتور صلاح الأمين الذي يتابع اخبار عركي يوميا دورا مقدرا في تنبيه أصدقاؤه لما يدور حوله خصوصا في أزمنة هذه الحرب، وفي الأيام الماضية أجرى صلاح اتصالات عديدة حينما انقطع الماء عن منزل الأستاذ عركي في حي العرضة. وفي السابق حينما أصابته الكورونا كنت اتصل بالأستاذ عركي يوميا من جوبا وإن لم اجده اترك له رسالة في الصباح كواجب يومي لإنسان أدخل الأمل والإبداع في عالمنا.
هذه الحرب دمرت حياة الكثيرين في مدن وريف السودان وأزاحت مؤقتا الفعل والنشاط المدني عن واجهة الحياة، وهنا تكمن أهمية موقف عركي الذي اختار أن يكون فاعلا لا متلقيا وملهما لا محبطا ومقاوما لا مستسلما في الصف الأول ضد الحرب ومع جموع المدنيين لوقفها، وموقفه يذكر بالانتهاكات في الريف والحضر وهو يرفع الراية عالية في التذكير بإنسان السودان، وأضحى عركي عنوانا من عناوين المقاومة المدنية.
كم احزنني رؤية فارس الإبداع والكلمة المنتمي إلى الشعب والملحمة الأستاذ هاشم صديق محمولا على ظهر عربة (كارو) من منزله إلى منزل آخر وكم اسعدني سماع صوته بعد ذلك مليئا بالعزة والشموخ ودفق الحياة والصمود، فهؤلاء رموز لاجيال وثورات وأسمائهم محفورة بمداد من ذهب في ذاكرة الشعب والأجيال، ومنا لهاشم صديق التحية وأطيب واجزل الأمنيات.
إنني أناشد السودانيات والسودانيين والديسمبريات والديسمبريين لتكريس صورة الأستاذين ابو عركي البخيت وهاشم صديق عنوانا لملحمة المقاومة المدنية من أجل وقف الحرب في بلادنا وكرموز ذوي دلالات في معركة شعبنا من أجل وقف الحرب وعودة الفعل المدني ولتكن صورتي عركي وهاشم وصور النازحين واللاجئين وضحايا الحرب معلقة فوق كل راية ويد مخضبة بالمقاومة في درب ثورة ديسمبر المجيدة وعودة الحياة المدنية وتأسيس سودان جديد ملئ بالأمل ويحتفي بالمواطنة بلا تمييز وتكون فيه الحرية والسلام والطعام والكرامة الإنسانية للجميع.