الحرب في الخرطوم.. هل بدأت عدها التنازلي ام انها في بداية طورها الاول للانطلاق ؟
ترايو احمد محمد علي
بينما يأمل و يسعي الجميع علي نهاية سريعة لما تجري من الحرب في السودان التي بدأت في 15 ابريل 2023, ما زال السؤال ينطرح بالحاح هل انها علي مشارف نهايتها ام انها ما زالت في طور البداية. موضوعية هذا السؤال تنبع من وقائع تاريخية و من مؤشرات جملة حقائق عينية اخري علي ارض.
من الناحية التاريخية فقد ظلت السودان (منذ استقلالها في 1956) في حالة حروب دائمة. هناك حرب جنوب السودان التي بدأت في 1955 و انتهت في2005 بانفصال الجنوب نفسها. ثم هناك حرب المنطقتين (جبال النوبة و النيل الازرق) التي بدأت في 1983 و ما زالت جارية. ثم جاءت من بعد ذلك حرب دارفور التي اشتعلت في 2003 و ما زالت في طور الخمود (في احسن وصف لها).
للاسف ان احتمالات اطالة امد الحرب او قصرها او حسمها كما ينبغي سوف لا يخضع الي مزاج او تنبؤات فرد و لكن كل ذلك تمليها الحقائق على الارض و اتجاه مؤشراتها المنبثقة منها. فالواقع يقول ان الأطراف تمتلك ما تسمى بـ “فائض القوة” (من اسلحة ثقيلة و عتاد بشري و دعم لوجستية…الخ) ، سيادة عنصر تعنت وإصرار الطرفين على القضاء او استئصال بعضهما البعض ، الفشل المتكرر للهدن و عدم رغبة الطرفين في مراعاتها (و قد تجاوزت حتى الآن أكثر من أربعة عشر محاولة) ، اصرار الاطراف التمسك بمواقف غير قابلة للتوفيق ، تدفق الدعم الخارجي، حالة اللامبالاة و الموقف الفاتر لدي الجمهور تجاه الحرب ، تعدد مسارات التفاوض ووجهات النظر المتباينة عند الوسطاء المعنيين ، تدفق الدعم الخارجي إلى الأطراف المتقاتلة ، إستمرار غياب العدالة و الإفلات من العقاب. علاوة على ذلك كله هناك غياب لكتلة مدنية نشطة و فاعلة و قوية لقيادة حملة “وقف الحرب”، و كذلك مدنية طابع الحرب التي تدار في وسط المدنيين و استخدام المدنيين كدروع بشرية و امكانية توسعها افقيا فضلا الي وجود الحرب في المناطق الأخرى كما هو الحال في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.
لسوء الحظ ، ان اي من هذه العوامل له تأثير فعال في إدامة الحرب. تبقي ان الطريقة الوحيدة لتحييد فعالية هذه العوامل هي تسريع دور الضغط الدولي بما في ذلك فرض العقوبات الصارمة وتسريع تطبيق العدالة الدولية علي نهج قادر لردع المتشددين. وإلا إذا ما سمحت للحالة هذه ان تبقي و تستمر، فكيف اذن يمكن الحديث عن فرص استبعاد “استمرار الحرب و تطويلها ؟
من واجب جميع اللعيبة الفاعلين وأصحاب المصلحة المعنيين (ولا سيما السودانيون) أن يأخذوا في الاعتبار حقيقة أن الحروب في السودان (على الرغم من كونها تدار في اطراف البلاد كما يصفها البعض ب “حروب الهامش” ، فانها قد استغرقت عقودًا من الزمان (الحرب في جنوب السودان كانت قد استغرقت سبعة عقود من الزمان قبل أن ترسي بانفصال الجنوب نفسها، بينما تلك التي تجري في المنطقتين و في دارفور قد استغرقت أكثر من عقدين من الزمان (وما زالت إما نشطة أو كونها في كونها في حالة “خمود او كمون”. فماذا اذن ستكون سيرة و مسيرة “أم الحروب” التي تجري في المركز علي اعتبارها تتويجا و ذروة لكل ما سبقتها من حروب الهامش؟