التنمية: أدوار سياسية في أجندة الأحزاب السودانية
عبد الله آدم خاطر
تقديم
لعل أكثر مايميز السودان تاريخياً، مساحته التي تجاوزت المليون ميل مربع في بعض مراحل تكوينه، وتأسيسه تحت الإدارة الخديوية حيث كانت تطمح الادارة في استغلال موارده خاصة الذهب في بني شنقول، ومتابعة منابع النيل جنوباً، ولم تكن هناك قوة دولية أو أقليمية تقف في مواجهة طموح الخديوية في ذلك الوقت، تحت ضمانات الاتراك العثمانيين. أما قبل ذلك فقد ظل السودان يتمتع بالانتماء إلى فضاء جغرافي عريض إمتد من القرن الأفريقي والبحر الأحمر شرقاً إلى المحيط الأطلنطي غرباً، فيما عرف ببلاد السودان، وقد شارك السودان في ذلك الإمتداد بممالك وسلطنات من بين أهمها السلطنة الزرقاء شرق النيل، وسلطنات تقلي والمسبعات، ودارفور غرب النيل، كامتداد لدول بلاد السودان في القارة الأفريقية. على ذلك، ومايزال السودان أرض للهجرات البشرية والصحارى والقوافل التجارية والأراضي الزراعية الخصبة الصالحة للإستثمار، بما يؤكد أنها بلاد صالحة للتنمية والتعمير والبناء على قاعدة الشراكات والمشروعات الكبيرة، والبلاد بعد، ظلت أرض نضالات من أجل الحريات والحقوق الديمقراطية، الأمر الذي يجعل السؤال عن الأدوار السياسية للأحزاب السودانية في تنمية البلاد والإنشغال بتعميرها، سؤالاً مشروعاً ومطلوباً، وذلك مايحاول هذا المقال معالجته على خلفية أن القيادة السياسية والإدارية، في أطرها الدستورية القانونية، مطلوب منها في كل الأحوال تقديم رؤى لتنمية قدرات شعوبها، من خلال المشاركة الشعبية القاعدية سياسياً.
السودان في أفريقيا
عدا مراكز البحوث الأجنبية خاصة الأوربية، فإن إنتقال البحث والدراسة حول السودان كواقع انساني أفريقي متميز، لم يستقر إلا مؤخراً على نحو متدرج في السودان، بعد تأسيس معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم في مطلع سبعينات القرن الماضي، وإنتقاله من وحدة أبحاث السودان التي أهتمت باديء الأمر بجمع التراث الثقافي للمجموعات السكانية المختلفة. لقد ظلت المعرفة بالسودان المستقل تزيد ليس فقط من العملية التدريسية، بل أيضاً على نحو مخطط ومضطرد من خلال البحوث والسمنارات والورش والمؤتمرات التي أشارت أن السودان إمكانية تنمية وعلاقات إقليمية لم تكن محل إهتمام من قبل.
لقد تصاعدت المعرفة بالسودان خاصة بعد إتفاقية أديس أبابا 1972 التي أعترفت بالتعدد العرقي والتنوع الثقافي للبلاد، وأعطت الفرصة للإقليم الجنوبي الذي صار دولة فيمابعد، أن ينتقل من حالة التبعية إلى تقرير المصير، بمعطيات التنوع، وفرص التنمية، وتوسيع دوائر العلاقات الإقليمية الدولية، وبذلك فقد صار الجنوب نموذجاً إقليمياً يمكن التعلم منه في تحقيق الذات على أسس مغايرة للموروث الأستعماري، تلك أيضاً تجربة أخرى معقدة تضافرت لانجاحها عوامل عديدة، لعل من أهمها الحريات السياسية ومفاهيم التنمية، وتلك هي الميادين الأساسية للعمل السياسي الحزبي، وتبرز فيها أدوار القادة السياسيين المنظمين والداعين للعملية التنموية في الأساس.
إن زيادة المعرفة بالسودان، بمرجعيات وطنية، قد تساعد في زيادة الوعي بقيمة البلاد وضرورة التنمية لها على سبيل الاستدامة، وقد كان عقد السبعينات والعقود التالية لها، بمثابة عقود لإثارة المزيد من الأسئلة عن الماضي، بما في ذلك الماضي المرتبط بالاستعمار وسياساته في أفريقيا والتي كان السودان خاضعاً لها عدا بعض استثناءات جعلت من السودان صوتاً سياسياً أعلى في القارة ولكن دون إضافات تنموية جادة، قد تساهم في تعزيز المركز القيادي للبلاد إقليمياً أو دولياً، مما يجعل السؤال الاكثر إلحاحاً عن ماهية تأثيرات الماضي: ماقبل الاستعمار والمصاحب له أيضاً وما تلا فترة الاستعمار؟
مؤتمر برلين وعبء الرجل الأبيض
عندما يذكر المؤرخون مؤتمر برلين 1884/1885، حول توزيع أفريقيا إلى مناطق النفوذ الأستعماري ، وهي العملية التي عرفت أيضاً بمؤتمر التكالب على أفريقيا، يغضون الطرف عن التحولات الضخمة والكارثية التي أعقبت ذلك المؤتمر، إذ أنه بموجب قرارات ذلك المؤتمر أضحى السودان في أفريقيا، تحت نمط جديد من القيم السياسية الثقافية أخضعت المواطن لواقع محروس بالبندقية المستعمرة وقانون الطوارئ، جعلت إمكانياته وأرضه وأهله في خدمة نظام يستنزف موارده، لغير نفعه الشخصي ونفع مجتمعه ونظام يعيد تراتبيته الإجتماعية الاقتصادية ليصبح تابعا لهرم جديد من السلطة، في قمته موظف أنجليزي ترشحه الحكومة البريطانية ويعينه خديوي مصر حاكماً عاماً على السودان، وينزل درج التراتبية أخيراً إلى المواطن العادي (الأهالي) الذي يخضع لسلطة الاداري الحكومي (الافندي)، والاداري الأهلي، وسلطة السوق (سر التجار).
أما الموارد المحلية القابلة للتصدير، فهي تأخذ طريقها من السوق المحلي من المنتج بأبخس الأثمان إلى التصدير من خلال الوسطاء والشركات الأجنبية، وقد أستقر هذا النموذج الإجتماعي الاقتصادي للمواطن المستعمر عبر السنين، ليس فقط بإزالة دولة المهدية واستشهاد الآلاف من المواطنين السودانيين، ولكن أيضاً بسياسات (فرق تسد) والتعديل في أنماط الأنتاج والإتصال وشبكات التواصل بما يخدم الأغراض الاستعمارية في غياب الوعي بقيمة الإنسان والأرض معاً.
لعله من المناسب ان يذكر تعضيداً لذلك، أن المدارس ومعاهد التعليم قد جاءت محتواها التعليمي، لخدمة الأهداف الخدمية التي صممتها الادارة البريطانية في السودان، إذ كانت كلية غردون التذكارية وهي مدرسة ثانوية تعمل على تخريج أفراد بمستويات معرفية عادية ولكنهم أحيطوا بزخم إجتماعي وحماية ادارية قانونية تجعلهم فوق الجميع، وقد يزداد الخريج فيهم فخراً أنه ينتمي إلى طبقة الأفندية في الخدمة المدنية، بمعنى أدق لم يزود خريجو الكلية بالمعارف التي تجعل منهم قادة مستقبل في الحياة العامة، مثل تأسيس الأحزاب والتخطيط لها وقيادة جماهيرها بالقدرات الشخصية والملكات القيادية التي تنمو بالمعرفة.
وهكذا في دولة مابعد المهدية، أصبح الشخص العادي المتعلم، في خدمة النظام المستعمر لمواطنيه، وهو نفسه يصير ضمن ماكينة كبيرة خاضعة لإدارة المستعمر، ويفخر بقدرته على أخضاع غيره للنظم الادارية القانونية التي تستنزف الموارد بكل الوسائل المتاحة وترحيلها عبر البحار من أجل التصنيع في بريطانيا خاصة، وبذلك أصبح التفكير السياسي المستقل أو من أجل المواطن والوطن، نوع من التمرد يعاقب عليه القانون، وكان ذلك ضمن مداخل أخرى أدت إلى ارتفاع صوت الأحتجاج على سياسات المستعمر، وبناء تجربة ماعرف بالحركة الوطنية السودانية.
الحرب العالمية الثانية والتحول السياسي
من واقع التجمعات المهنية والعمالية والمزارعين خاصة، برزت أصوات تمجد الوطن، سيما وأن الجذوة المهدية لم تخمد، والمشاعر الدينية لم تنطفئ، والمواطن العادي أخذ يستجيب للتحولات الجديدة في التحرر الوطني، مابين الحربين الأولى والثانية، إذ أنه في نهاية الحرب الثانية قرر الحلفاء في مؤتمر يالطا في البحر الأبيض المتوسط أن تكافأ الشعوب التي شاركت في الحرب إلى جانب الحلفاء، بحق تقرير مصيرها بعد الحرب، مما فتح أمام الشعب السوداني نفاجاً واسعاً للتفكير في المستقبل ليس فقط من خلال مؤتمر الخريجيين والطبقات المستنيرة الأخرى بل أخذت الاستجابة تشمل القادة الدينيين والتجار والموظفين والمؤهلين في السلك العدلي والقضائي، وقد كان ذلك مدخلاً لتطوير العمل الإجتماعي الثقافي إلى أجسام سياسية، تخدم إتجاهات الرأي وتخدم التحالفات السياسية السائدة دولياً يومئذ، في وقت كان المعهد العلمي (معهد وطني العزيز) هو منصة الاستنارة وأشعال الوعي، إضافة لتيارات اليسار الصاعد بقضايا التحرر الوطني، ولكن لم تتبلور بعد رؤية وطنية مستقلة لقيادة المستقبل.
الأحزاب السودانية: بيئة النشأة والتنمية
إن البيئة التي نشأت فيها الأحزاب السودانية، هي بيئة القهر السياسي الاستعماري، والاخضاع الاداري الأمني، والتكيف المعيشي، أما فرص الاختيار الوطني الحر فقد كانت ضئيلة إن لم تكن معدومة. على تلك الخلفية فإن الأحزاب السياسية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة أو تلك التي لحقت بها بعد ذلك، فإن المتاح أمامها للتواصل مع الجمهور فقد كان أولاً، تحرير البلاد من قبضة المستعمر، أيا كان المعسكر الذي أنتمى إليه الحزب أو مجموع الأحزاب، دون برامج مقترحة لاستدامة الأستقلال تنموياً.
لقد تحالفت الأحزاب الاتحادية مع مصر الخديوية، فيما تحالف حزب الأمة مع السياسات البريطانية بعشم أن تنتهي العلاقة إلى انتماء السودان إلى الكمنولث. لقد تبع هذين التيارين العريضين، الحزب الشيوعي السوداني، وحركة الأخوان المسلمين، في خدمة تحرير السودان من المستعمر، ولكل مداخله ومعارفه، وحلفاؤه، ولكن لم تكن ضمن برامجها قضايا تنموية تدفع بالتحرر الوطني، وقد كان الحزب الشيوعي هو الكيان السياسي الابرز الذي نادى مبكرا بالتنمية في أدبياته السياسية، بل أنه في الجمعية التأسيسية أورد عبد الخالق محجوب زعيم الحزب مقولته المشهورة أن (القضية الأساس هي قضية التنمية). في أعلى موجات مقاومة المستعمر، لم تكن قضية التنمية أسبقية على أي مستوى من مستويات التناول السياسي، إذ عندما تصاعدت أصوات المثقفين أمام قادة الاستقلال بضرورة تضمين التنمية أو قل التعمير في برامجهم، أكد الزعيم الراحل الأزهري، أن المرحلة أمامهم هي مرحلة تحرير وليست مرحلة تعمير، وهكذا سقطت التنمية من أجندة الاستقلال تماماً، وتم الاكتفاء بما بناه المستعمر من بنيات تحتية لم يتم الحفاظ عليها بطرق لائقة تجعلها قابلة للاستدامة.
فيمابعد، تأسست عدد من الأحزاب العقائدية بما في ذلك العروبية التي شملت البعث العربي الاشتراكي، والحزب الناصري ، واللجان الثورية ، وفي مقابل ذلك برزت أحزاب تمثل الانتماء الافريقياني للزنوجة، ومعظمها كانت تنتمي إلى ماكان يعرف بجنوب السودان. إضافة إلى ذلك فقد تأسست قوى سياسية وحزبية أنتمت إلى مناطق بعينها في السودان، مثل جبهة نهضة دارفور، واتحاد جبال النوبة، والحزب القومي السوداني، وتنظيمات شرق السودان بما في ذلك مؤتمر البجا، وهذه الاحزاب الأخيرة جميعها فقد كان الدافع لتكوينها وتأسيسها، مجمل دوافع تنموية وتعزيز الشكوى العامة من ظلم مركز سلطة الدولة للأقاليم والأطراف، وتلك الشكاوى تطورت فيمابعد إلى نزاعات مسلحة إستجابة لتحديات واستفزازات النظام البائد.
فيما يلاحظ المراقب، أن التطورات الحزبية في السودان، أخذت محورين، أحزاب عقائدية مسنودة من الخارج، وتدعو إلى أفكار لا تجد الاستجابة التي يتوقعها دعاتها، فتجد نفسها مضطرة إلى مساندة إنقلابات عسكرية تتحدث عن التنمية والأستقرار كدافعين للإنقلاب على الأوضاع الديمقراطية. ماعدا إنقلاب الفريق عبود، الذي جاء مسنوداً من القوى الطائفية التقليدية التاريخية كقوى رغبت من الحد من نفوذ قوى الاستنارة اليسارية في سودان الأستقلال، فإن إنقلاب مايو 1969، وانقلاب يونيو 1989، وإنقلابات أخرى لم تبلغ النجاح، جميعها كانت مسنودة بأحزاب أقلية عقائدية، إذ في العام 1969 كان قوى اليسار هي من ساندت الإنقلاب، فيما كانت قوى أقليات اليمين هي من ساندت إنقلاب 1989.
أما القوى السياسية الإقليمية برغم مزاعمها في الدعوة إلى التنمية، فإنها أيضاً لم تخل من محاولات إنقلابات عسكرية، تعزز بها فرص نجاح تنمية أقليمية محلية، لم تكتمل لها الشروط في سياق بناء وطن دون تخريط طريق متكامل، وقد أدى كل ذلك إلى وعي ناقص بالحقوق أدى إلى أشعال الريف السوداني بحركات كفاح مسلح، تمكنت من أن تلفت نظر العالم وقواه الحية إلى ضرورة التنمية من أجل التوازن السياسي القومي، إلا أن الرؤية الشاملة للتنمية وارتباطها بالسلام والحقوق الدستورية لم تكتمل إلا بنجاح ثورة ديسمبر المجيدة في 2018.
مبادئ ثورة ديسمبر ، وإحتمالات البناء السياسي تنموياً
بالرغم بأن الريف المسلح، والأحزاب التاريخية، والعقائدية، والمناطقية، ظلت على حالة نزاع مع النظام المركزي الشمولي البائد، إلا أن الفرصة لإقتلاعه من الجذور، لم تتم وتكتمل إلا بنجاح ثورة ديسمبر، التي أمكن معها تحرير الارادة السودانية من العقلية الشمولية الديكتاتورية. بشعارات هي نابعة من قلب الشارع السوداني، سلام، حرية، وعدالة، ومضت الأحوال في سلمية ثم أختيارها بعناية، تمهيداً لبناء دولة ، مدنية ، ديمقراطية، فيدرالية، برلمانية.
إن المبادئ التي أرسى قواعدها الثوار في ديسمبر، ورسخت جذورها بدماء الشهداء والجرحى، يمكن تلخيصها في المبادئ الآتية:
- الديمقراطية.
- اللامركزية الفيدرالية.
- سيادة حكم القانون.
- حسن إدارة التنوع.
- المواطنة أساس الحقوق والواجبات.
- التنمية تنطلق من القاعدة الشعبية.
- العلاقات الخارجية تكون على مسافة واحدة من شعوب العالم.
هذه المبادئ الدستورية، بشعارات الثورة وسلميتها، قد وضعت مفاهيم جديدة تربط بالأساس بين ممارسة العمل السياسي الحزبي والتنمية من القاعدة أولاً، محاطاً بالنظام الفيدرالي الذي أصبح نمط نظام حكم معاصر، ومحافظ لحقوق الأفراد والجماعات في مجتمع متنوع وديمقراطي.
رؤية أحزاب المستقبل
مع التقدير للجهود العظيمة التي بذلتها الأحزاب السودانية لتحرير البلاد من قبضة المستعمر والقوى الأجنبية، إلا أن تلك الجهود لم تثمر بالقدر الذي يحافظ على وحدة البلاد، وتنميتها، ويحقق لمواطنيها الحقوق والحريات الدستورية، ولعل أكبر العوائق في ذلك هي عدم الخروج من حالة الخضوع للعقلية الأستعمارية، إذ لم تحدد البلاد رؤية بناء استراتيجية بالبحث والدراسة والدرس ولم تتمكن من الأستفادة من الثورات الشعبية وتحويلها إلى دولة مؤسسات وعمل، فيما إستجابت في استسهال إلى نوبة الإنقلابات العسكرية بمساندة أحزاب لا تملك القدرة على تطوير ذاتها ديمقراطياً، على أن كل ذلك فقد أصبحت دروس مستفادة، في آخر مراحل انهاء الأوضاع الشمولية، بتجاوز إنقلاب 25 أكتوبر 2021 والبدء من جديد.
تمر البلاد اليوم بمرحلة إنتقالية ، هشة ولكن لا يمكن معها فقدان الأمل، إذ أيقن الشعب أنه لا رجعة إلى الوراء أو القبول بأي نموذج من نماذج الشمولية أو الديكتاورية العسكرية، بل قد تحمل فوق الطاقة وفي صبر عملية إنهاء النظم الديكتاتورية. هذا فضلاً عن أن المجتمع الدولي معترفا بالقيمة الجيوسياسية، والاقتصادية الاستثمارية للبلاد، ظل مسانداً لإستدامة الأستقرار السياسي بعد عهد التيه واحتمالات فشل الدولة وذلك بدعم الانتقال بآليات أقليمية ودولية (الإيقاد، الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة)، وبآليات دول (المملكة العربية السعودية ، الأمارت العربية، بريطانيا، فرنسا، والولايات المتحدة..).
في هذا السياق المتطور باتجاه مستقبل جديد للسودان، والذي يتأكد يوماً بعد يوم في محاور ثلاثة:
- المحور الشعبي الرافض للإنقلابات والمستجيب للإنتقال الديمقراطي.
- المحور الوطني السياسي الراغب في تعديل سلوك الدولة بالحوار والديمقراطية.
- المحور الإقليمي الدولي المساند لاستقرار البلاد.
فإن إمكانية بناء رؤية جديدة تفرض على الأحزاب مراجعة شاملة لرؤيتها وهياكلها وأدائها، وفسح المجال لتأسيس أحزاب جديدة تستجيب للواقع الدستوري الفيدرالي، الذي يربط بين العمل السياسي والتنمية بمفاهيمها المعاصرة، والتي تخدم المواطن العادي، دون التخلي عن أي فرصة إيجابية لتنمية علاقاته التنموية مدنياً في الداخل واستثمارياً مع الخارج.
تحديات المراجعة والبناء الجديد
لقد جاءت ثورة ديسمبر المجيدة، كآخر المراحل الإنتقالية الثورية الشعبية في مقاومة الحالة الأستعمارية، القاهرة على السودانيين والمستنزفة لمواردهم الخام، إذ كان اعلان الأستقلال 1956 مرحلة جلاء المستعمر، وثورة أكتوبر 1964 مرحلة أستعادة المبادرة للوطن، وإنتفاضة أبريل 1985 مرحلة تعزيز حوارات التنوع، وثورة ديسمبر 2018 مرحلة عريضة لبناء السودان الفيدرالي بالمدنية والديمقراطية البرلمانية.
بنهاية الرغبة في استمرار النزاعات المسلحة، ومن كل الأطراف، فإن قوى المجتمع المدني، والاستثمار ستمثلان رأس الرمح التطبيقي في الإنتقال الديمقراطي، على أن الأحزاب ستظل الآلية السياسية السلمية في مجمل الأنتقال السياسي الديمقراطي وفق المبادئ الدستورية لثورة ديسمبر المجيدة برغم كل التحديات والصعوبات والعقبات.
لعل أبرز التحديات، في تطوير التجربة الحزبية السودانية أو تقديم أنماط جديدة من الأحزاب الوطنية، تتمثل في الآتي:
- بناء عقل جديد New mind set، وبمساهمة مختلف الأعمار والمهن والنوع الإجتماعي والإنتماء الثقافي الفكري، على صعيد الفكر السياسي والقانوني لاستيعاب التنمية أولاً.
- بخروج البلاد من النمط المركزي للحكم والادارة، فإن أكبر التحديات أن تتحول مناهج التعليم العالي والعام إلى ما يساند الفكر التنموي في ترفيع المجتمعات وخاصة الريفية.
- إقتصاد الإنتاج، سيكون مفتاح النجاح لأحزاب المستقبل، في تحقيق الاكتفاء الذاتي ورفع معدلات الصادر، والحفاظ على علاقات الاستثمار إقليمياً ودولياً.
إنطلاقة تنوير
على ماتقدم، فإن انطلاقة جديدة من التنوير بحقائق المرحلة، أضحت ضرورية، ولامناص أن تبدأ الآن على مشارف الانتقال الثالث، وذلك بالتداول على نطاق واسع بين قادة الرأي الفكري والأكاديمي والسياسي والقانوني والناشطين في المجتمع المدني، وذلك بتنظيم ورش عمل قاعدية في ولايات السودان وأقاليمه وينتهي إلى مؤتمر قومي، قد يعلن من خلاله سمات الأحزاب المرجوة لتحقيق مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة وهي تبني سودان الفيدرالية بالمدنية والديمقراطية البرلمانية.