Friday , 19 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

اختبار الحقيقة الذي يوقد لكل طفل…السعي للوصول الشامل إلى الماء في السودان

وفّرت يونيسف ماءً نظيفا آمنًا لأكثر من 6.14 مليون شخص

بقلم : مانديب أوبراين 

ممثل اليونيسف في السودان

تصوّر ألا تكون قادرًا على الحصول على قطرة ماء شرب آمن واحدة. هذا هو الواقع الذي يعيشه ملايين وملايين البشر في السودان، الكثيرون منهم أطفال، ضعيفون إلى حد بعيد هو أمر يدمي القلوب. أمر لا نستطيع أن نتقبله ويدفعنا لأن نجِدَّ في العمل لكل طفل.

شاهدت محمدا (عمر6 سنوات)، في صفّ في شمال دارفور. كان يخبّيء قنينة صغيرة فيها ماء عكَرٍ بنيّ اللون في جيبه كي لا يراها أحد وكما تناهى لي فإن أمّه كانت  قالت له ألا يُريها لأحد لأنها تحتوي الماء الموجود هناك كلّه. لم يكن الماء نظيفًا، ولم يكن صحيًا، لكنه كل ما توفّر له،وكان يقبض على القنينة بكل ما يملك من قوّة.

كحال محمد، هذا هو حال الملايين من الناس الذين يواجهون المخاطر في جميع أنحاء السودانبسبب عدم توافر ماء الشرب النظيف والآمن. وعلى الصعيد الوطني، فإن موارد المياه تقف عند 60 بالمائة من التغطية المطلوبة، مما يترك 40 بالمائة من المواطنين تحت رحمة كميات غير كافية أو غير آمنة من الماء. إن الوصول المنصف لماء الشرب يبقى تحديا في السودان حيث يسود تباين واسع في أنحاء ولايات القضارف، والنيل الأزرق، والبحر الأحمر التي سجّلت أكثر الأرقام انخفاضا.

ويعتبر الحصول على إمدادات آمنة يعوّل عليها من الماء كفاحًا يوميًا بالنسبة للكثيرين من سكان الريف في السودان إذ أن 53 بالمائة فقط من العائلات في الريف تتوفر لهم موارد مياه شرب محسّنة ضمن نطاق رحلة تستغرق 30 دقيقة مشيًا على الأقدام.كما أن 28 بالمائة محصورون أكثر ويحتاجون للسير  مسافات أبعد. أما بقية سكان الريف فليس أمامهم إلا الماء الملوّث الموجود في حفر مائية ضحلة أو إمدادات غير محمية. كما أن 25 بالمائة من موارد المياه في جميع أنحاء البلاد لا تعمل (تقرير الأطفال والتغيّر المناخي، 2022CLAC).وكل ذلك يحرم الناس في السودان من حقهم الإنساني الأساسي في التمتع بماء شرب آمن ونظيف.

التغيّر المناخي وندرة المياه

السودان هي خامس أضعف دولة في العالم من ناحية تأثرها بالتغيّر المناخي. ولأن 151 محليّة من محليّاتها الـ189 صنّفت على أنها سريعة التأثر بالمخاطر الطبيعية، خاصة الفيضانات وندرة المياه(CLAC 2022).يعيشون أطفال السودان في ‘مخاطر (CCRI 2021) عالية للغاية’ للتعرض للصدمات المناخية والبيئية

وتزيد مواسم الجفاف الأطول وفترات القحط الطلب على الماء ويستفحل الضغط على مصادر المياه المحلية، كالمياه الجوفية، وهو ما يرفع من مخاطر العنف والنزاعات.

وقد تتسبب الهطولات المطرية الغزيرة بالفيضانات، ما يؤدي إلى تلوّث مصادر المياه وتخريب البنية التحتية المحدودة والمتدهورة أصلًا بينما ترتفع مستويات البحر مما سيؤدي إلى تسرّب المياه المالحة (تقرير الأطفال والتغيّر المناخي، 2022CLAC).

المحزن هو أن خدمات موارد المياه غير الكافية والضعف الشديد أمام صدمات التغيّر المناخي،  تؤثّر في معظم الأحيان على الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، كما يبقى هناك رابط قوي بين ندرة المياه وتعليم البنات، ففي 2022، أبلغت 46 بالمائة من المدارس أن الأطفال لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب في السودان(موجز الاحتياجات الإنسانية،HNO,2023).

وإضافة إلى  الصرف الصحي السيئ والمستوى المنخفض لممارسات غسل اليدين، يشكّل ذلك مخاطر جدّية على الأطفال والمجتمعات المحلية، ويؤثر تأثيرًا كبيرًا على ارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وانتشار الأوبئة، والوفيات غير الضرورية. وفي 2022، عانى أكثر من ثلاثة ملايين طفل من سوء التغذية الحاد، ترافقت حالات 50 بالمائة منهم مع إسهالات متكررة أو عدوى ديدان تتصل بنوعية المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية(موجز الاحتياجات الإنسانية، HNO,2023).

معًا، يمكننا أن نكون نحن التغيير

حصل تقدم في توفير إمدادات المياه للمجتمعات المحلية في السودان منذ عام 2000، وما زال هنالك أمل. ففي 2021 و2022 على سبيل المثال، وفّرت يونيسف ماءً نظيفا آمنًا لأكثر من 6.14 مليون شخص في أوضاع إنسانية – 23 بالمائة من الناس المحتاجين. كما حصل أكثر من 939,0000 شخص على خدمات ماء شرب أساسية دائمة من خلال دعم اليونيسف، 76 بالمائة منها عبر إسهام الشركاء في القطاع.

مع ذلك فإن الوصول إلى الماء الأساسي ما زال يقدّر حاليًا بـ60 بالمائة (تقرير برنامج المراقبة المشترك 2022). ويتطلب هذا بحد ذاته المزيد من الدعم والجهود المركّزة للوصول إلى تحقيق  هدف التنمية المستدامة العالمي 6.1 في الوصول الشامل لموادر المياه الأساسية بحلول عام 2030 وكسر الحلقة المفرغة القاتلة من انتشار الأوبئة، والقتال من أجل الماء الذي يدفع بالبلاد نحو مزيد من حالة التأزم.

في اليوم العالمي للمياه، تناشد يونيسف الحكومات، وشركاء التنمية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمجتمعات المحلية تجديد التزامها بتحقيق الوصول المُنصِف إلى مياه الشرب الآمنة والمتاحة للجميع في عام 2023.