“السودان” في اسر النموذج “الخضري”
الجميل الفاضل
قصة السودان في هذا الكون والوجود، تطابق الي حد بعيد في غموضها وغرابتها، قصة نبي الله “موسى”، والعبد الصالح “الخضر”، الواردة في سورة الكهف.
فمنذ أن أوحى سبحانه وتعالى لموسي عليه السلام بأن ثمة عبدا أعلم يقيم بمجمع البحرين.
صار “السودان” نفسه الي ما يشبه المجال الحيوي لممارسة أنماط من السلوك والتصرف، تبدو في ظاهرها وكأنها تجافي العقل والمنطق.
وبدا كأن السودان قد أضحى أسيرا لهذا النموذج الخضري المدهش، الذي تتساوق فيه المنن بطي المحن، والمزايا في طي البلايا.
نموذج أباح لعرابه، خرق سفينة “مساكين البحر” بحسبان ان خرق هذه السفينة خير لهم من سلامتها، وأن قتل فلذة كبد “ابوين مؤمنين” يأتي رحمة بهما، وأن بناء جدار بقرية البخلاء قد أصبح بحكم الوقت و”لحظته الحاضرة” آنذاك واجبا لحفظ كنز أيتام لم يبلغا حينها أشدهما.
انظر كيف لخص الفيتوري القصة كلها للآخرين، في بيتي شعر:
“لن تبصرنا بمآق غير مآقينا
لن تعرفنا
ما لم نجذبك فتعرفنا و تكاشفنا”.
“تكاشفنا” هذه على غرار ما صور مادح ماتع، حال “مكاشفي” ذو باع طويل في هذا الفن، من هؤلاء القوم بقوله:
“قهوتك تجذب
ترمي غير فحمة
غير يجيبو النار
مويتك تحمي”.
المهم مع هذا السجل الحافل ليس بخرق السفن، بل وبخرق العادات ايضا، ظل السودان كذلك على مر تاريخه وعلى علاته الراهنة، وطنٌا حمّالُ أوجهٍ، يُجيدُ لعبة الاختباءِ، وراءَ ظلال الأسماءِ المتعددة، وجوقةِ الأصداءِ المتداخلة.
تختبيء الصدفة فيه دائما علي قول محمد المكي ابراهيم: “في منعطف الطريق.
والعسل البريئ فى الرحيق
وطائر الفينيق فى الحريق”
وبمثلما “يختبىء الحريق فى الشرر
يختبىء كذلك البستان فى الوردة
والغابة في الشجر”.
فبين اكمام “وردة السودان” هذا الوطن البائس الفقير، المستضعف الى يومنا هذا من الغير، هذا الوطن الذي لا زالت تزدريه أعين بعض من الناس، وتلعنه السنة بعض من بنيه، لا زال هذا الوطن يخبيء رغم أنف اولئك وهؤلاء، بين طيات وتضاعيف سيرته الغريبة “بستان العالم” الكبير، فضلا عن طائفة من اسرار الكون الاخري، بل وشيئا من اسرار الوجود البشري برمته علي ظهر هذا الكوكب.