محاميات الطوارئ في السودان .. انجازات وسط عواصف التحديات
سودان تربيون – خاص
شلل تام يعم مكاتب محاميات في السودان بعد أن تحولت ملفات الموكلين إلى مكالمات طوارئ تطلب العون لعشرات الثوار المعتقلين للخلاص من قبضة الأجهزة الشرطية.
ومنذ 25 أكتوبر 2021 لم تتوقف الاحتجاجات السلمية التي تنظمها لجان المقاومة للتنديد بالانقلاب على الحكومة المدنية ورفض حكم العسكر والمطالبة بتسليم السلطة لحكومة مدنية، وتواجه هذه الاحتجاجات بقمع مفرط من قوى الأمن نتج عنه مقتل 121 من المتظاهرين وجرح آلاف علاوة على اعتقال أعداد كبيرة من المحتجين يتم إخلاء سبيلهم تباعاً بفضل مساعي محامو الطوارئ.
ويحدد رنين الهاتف مسار المحاميات المنضمات العاملات ضمن تنسيقية محامو الطوارئ، اللائي يجبن المحاكم والمستشفيات والمشارح لتقديم العون القانوني للمعتقلين واسر الشهداء والدعم النفسي لضحايا الاغتصاب وتملأ حقائبهن عشرات المذكرات والمخاطبات.
“سياراتنا أصبحت مهترئة ..مكاتبنا خالية من الموكلين ..أوضاعنا المادية متراجعة ولا نلتقي كثيرا بأولادنا ” هكذا لخصت محامية الطؤاري نون إبراهيم كشكوش أوضاعهن.
وأردفت “الدفاع عن الثوار طريق اخترناه طوعا ونتحدى جميع الصعوبات ومستمرين فيه رغم العناء”.
كما تؤكد نفيسة حجر إحدى أعضاء محامو الطوارئ تأثر أوضاعهم المعيشية واستنزاف أكثر من 70 % من الوقت للحد الذي قلل من تعاملهم مع قضايا الموكلين، مستدركة بالقول “لكنها تضحية نؤمن بها لنقف بجانب الثوار”.
سيطرة نسوية
وتهيمن المحاميات من السيدات على التنسيقية بواقع 11 امرأة مقابل 5 من الرجال حيث تشكل هذا الجسم بمقترح نسوي في نوفمبر من العام 2021 للدفاع عن الثوار مجانا كما يتولى القضايا ذات الصبغة العنصرية، ويرجع نجاحه بحسب مراقبين لحرص المحاميات البالغ على تحقيق العدالة ومناصرة المعتقلين.
ونجح محامو الطوارئ في فك احتجاز 5الف معتقل و2 ألف طفل وفصل في أكثر من 25 قضية تحت المواد 67 و77 المتعلقة بالتظاهر والإخلال بالسلامة والشغب.
و يتم الاتصال بالمحامين عبر خطوط هاتف ساخنة بالتنسيق مع الثوار ولجان المقاومة.
وتقول العضو بالتنسيقية رحاب مبارك لسودان تربيون إن المحاميات أسسن هذا الكيان وساهمن في جعله منظما وقويا ووضعن بصمة النجاح ملتزمات بمبادئه.
وتؤيد المحامية نون كشكوش حديث المبارك مشيرة الى أن الكيان استقطب محاميات نوعيات مؤهلات يحتفظن بشخصيات قوية ومتقدمات في قضايا الجندر فيما رأت نفيسة حجر أن نجاحه يحسب للنساء ويأتي ضمن زيادة النشاط النسوي في مرحلة ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
جهد ذاتي
اتفقت المحاميات بالكيان على انه لا يتلقى تمويلاً خارجياً وإنهن يعتمدن على الجهد الذاتي ما اثر على أوضاعهن المادية بنحو كبير.
وتقول رحاب المبارك إن مبالغ التسيير والمواصلات يتم جمعها يوميا بالاشتراك، فيما تشير نفيسة حجر إلى أنهن يوجهن هذه الأموال للوصول إلى المحاكم وزيارة السجون وتضطرهم الظروف في بعض الأحيان للسفر إلى الولايات.
وأكدت المحاميات تعرضهن لملاحقات من الأجهزة الأمنية تصل في بعض الأحيان للتهديد ،ويجبرهن الوضع أحيانا للمبيت في المشرحة لمتابعة تشريح جثامين الشهداء.
وتقول رحاب المبارك تم تهديدي من قاضية بالسجن إذا لم اصمت، فيما روت نفيسة حجر لسودان تربيون إنها عادت في احد الأيام لمنزلها بالرابعة صباحا عندما كانت تتابع إجراءات مقتل احد الثوار.
وعي الأجيال
وترى نفيسة حجر في سيطرة المرأة على الجسم امتداداً لنضال السودانيات وتوهج نشاطهن في المبادرات النسوية، وتقر بأن الدفاع عن الثوار شغل الكثير من اولوياتهم لكنها تستدرك متسائلة ماذا تعني تضحياتنا أمام من خسروا أرواحهم لتحقيق التحول الديمقراطي.
وأضافت “عشنا ظلمات لثلاثين عاما ..نريد أن تعي الأجيال القادمة بالحقوق والواجبات”.
وتابعت بالقول “عند الإصابات نعود لأقسام الشرطة للحصول على اورنيك 8 ثم نرجع إلى المستشفى لمتابعة الحالة.. وكل ذلك التعب يهون من اجل وطن ديمقراطي ومن اجل تعزيز الثقة لدى أبناء هذا الجيل.
وأكدت المحامية رحاب المبارك إن الجسم بات أكثر تنظيما بجهود النساء وهن غالبية في التنسيقية مجددة التأكيد على ذاتية التمويل لكل هذه التحركات لكنها تنفي أن يكون الجسم تولى دفع غرامات للإفراج عن المعتقلين من الثوار،وقالت اضطررنا لمساعدة ثائر من منطقة بحري اتهم باحراق مدفعية ودفع له فاعل خير غرامة حوالي 100 ألف جنيه.
بلاغات سرية
تروي الثائرة “ر-ع” لسودان تربيون اعتقالها ضمن مجموعة من الشابات واقتيادها لأحد المكاتب الأمنية حيث جرت معاملتهم بطريقة سيئة كما تعرضت للتحرش.
وأضافت “تم تحويل كل المعتقلات إلى أقسام الشرطة للمحاكمة عدا أنا بقيت وحيدة هناك ولم يبلغ عني احد محامو الطؤاري إلى أن افتقدتني إحدى الزميلات وأخطرتهم في وقت متأخر ومع ذلك سارعوا لنجدتي”.
ولفتت رحاب مبارك إلى أن الجسم يساعد المغتصبات عبر فريق دعم متكامل نفسيا ومعنويا وإنهم ينسقون مع الأطباء لتأخذ الضحايا العلاج من أمراض بينها الايدز وعادة في مثل هذه القضايا تدون بلاغات سرية.
وأرجعت نون كشكوش في حديثها لسودان تربيون نجاح محامو الطؤاري لجهود النساء ووصفت هذا الجسم بأنه تجربة نموذجية فريدة استقطب محاميات قويات مؤهلات متقدمات في الجندر لكن عمله لايقوم على أساس التميز مضيفة “نعمل جميعا من اجل الثوار”.