خطط واستقطاب بين إيلا وترك.. شرق السودان على شفا التصعيد
خاص: سودان تربيون
رمى نظام الرئيس المعزول عمر البشير بثقله في شرق السودان، لعرقلة أي عملية سياسية أو تفاهمات تعيد القوى الثورية المدنية للحكم مرة أخرى وإكمال تنفيذ أهداف ثورة ديسمبر، حسبما يقول مناصرون للتغيير الذي أطاح بحكم البشير في أبريل من العام 2019.
وبرز الأيام الماضية محمد طاهر ايلا وهو آخر رئيس وزراء في نظام البشير، بعد عودته من منفاه الاختياري في مصر، ناشطا في حلحلة الخلافات الناشبة بين قيادة مجلس البجا ، في مسعى لعدم إحراق أهم كروت النظام السابق للتحكم في المشهد السياسي، خاصة بعد الدور اللافت الذي لعبته أزمة الشرق في التمهيد لانقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية وتسيد العسكر الحكم والمشهد معا.
ويقول والي كسلا الأسبق صالح عمار لـ”سودان تربيون” إن الفترة السابقة شهدت انقسام المجلس الأعلى لنظارات البجا، وانكشف للرأي العام وتراجع تأثيره فقرر النظام البائد رمي واحد من أهم كروته أو كرته الأخير، وهو محمد طاهر ايلا، ليعمل على حسم خلافاته.
ويعتقد صالح، أن عودة ايلا، تمت بتخطيط وتدبير من شبكات النظام البائد، وأنها تعبر عن أجندة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني لأن المجلس ظل طوال ثلاثة سنوات يحقق أجندة النظام البائد الممثلة في إثارة الفوضى بالشرق وإفشال السلطة المدنية.
قلق ترك
وبعد فجوة كبيرة بدأت في التوسع بين شعب الشرق، والمجلس الأعلى لنظارات البجا، في خضم تأثيرات خلفتها سياساته بإغلاقه ميناء البلاد الرئيسي في أكتوبر من العام الماضي، سعى ايلا للعودة لترتيب المجلس وموائمة الآراء القبلية التي بدأت في تصويب سيل من الانتقادات حول انحراف المجلس عن مساره.
لكن عندما رغب ايلا في العودة لأول مرة اعترض الناظر ترك ونقل موقفه للمكون العسكري الذي طلب من ايلا تأجيل الخطوة وفقا للمحلل السياسي محمد الأمين أوشيك الذي يؤكد لـ(سودان تربيون) وجود اعتقاد لدى ترك، بأن ايلا يقود عملا ضده ويوظف علاقاته لضربه وإنهاء سطوته على مجلس البجا وقضية الشرق.
ويشير المحلل إلى أن الخلافات والانشقاقات التي ضربت المجلس وفقدان ترك السيطرة على المجلس أجبرت العسكر على إعادة ايلا للعمل تحت غطاء حل الوحدة البجاوية الممهدة لحل أزمة شرق السودان وضمان التحكم في المسار.
دعوة مفخخة
بعد أيام قليلة من عودته وقبول ترك بذلك تحت ضغط العسكريين، أعلن ايلا نجاح مبادرة للوحدة البجاوية، وإنهاء خلافات المجلس الأعلى لنظارات البجا وتوقيع وثيقة. وبحسب مصادر متطابقة تحدثت لـ(سودان تربيون) فإن ترك لم يوقع على وثيقة الصلح ، لينأى بنفسه عن تعهدات ربما لا يستطيع التخلص منها مستقبلا، وأوفد شخصا من الزعامات الأهلية للتوقيع.
ويرى والي كسلا الأسبق صالح عمار، أن الحراك الذي ابتدره مجلس البجا منذ ثلاثة سنوات تمت تغذيته بإمكانيات الحركة الإسلامية وبتواطؤ العسكريين. وكان هذا أساس المجلس الذي أعتمد بشكل تفصيلي على شبكات الحركة والمؤتمر الوطني المحلول واللذان قاما بدعمه بالتمويل المباشر والإعلام.
في المقابل، نوه الكاتب والمحلل السياسي أوشيك، إلى ظهور مجموعتين بعد الخلافات الكبيرة بالمجلس، إحداهما عرفت بمجموعة بور تسودان وتضم أحد المسؤولين بالولاية، وعبد الله أوبشار وسيد أبو آمنة، والعمدة حامد ظلوا أيضا أيام حكم ايلا للولاية من المقرين اليه ويعملون ضمن طاقمه الخاص بصورة خاصة ومنفصلة بعيدا عن الأعين، ومجموعة ثانية تضم قيادات أهلية بقيادة الناظر ترك، أغلبهم على خلافات سابقة مع ايلا ومجموعة المقربين منه.
ايلا في الخرطوم
وبعد نحو أسبوعين من عودته للسودان، قال مصدر لـ(سودان تربيون) إن ايلا، زار الخرطوم والتقى بشكل سري قيادات المكون العسكري والبرهان عدا نائبه محمد حمدان دقلو.
وأوضح أن ايلا، اقترح خلال اللقاءات مع العسكريين توليه القيادة السياسية للمجلس، وان يتولى الناظر ترك شأن القيادة الأهلية والعمل تحت إشراف العسكريين.
وقال إن لقاءات ايلا، ومقترحاته، أخرجت اعتراضات واضحة وسط قيادات بالجيش ودقلو، الذي رفض تلك المقابلات علانية في اجتماع تم الأسبوع الماضي.
ضرب تحت الحزام
وباقتران عمليات الضرب تحت الحزام الجارية بين ايلا وترك في الوقت الراهن، يؤكد المصدر نفسه، أن الشرق على شفا التصعيد وسيناريو العودة للفوضى والصراعات القبلية.
ونبه في الوقت نفسه، إلى عمليات استقطاب كبيرة تجرى حاليا بالبحر الأحمر للمجموعتين، بإشراف ايلا أخرها دعوته للشباب للانضمام لما يسمى بقوات تحالف شرق السودان.
وأكد أن الخلافات السابقة لم تكن بسبب الخروج عن خط المجلس بل بدأت منذ دخول آراء جديدة للمجموعة بإيعاز من ايلا ومحاولات استقطاب قيادات في مجموعة ترك، وتجنيد الشباب بصفة سرية.
وتشير معلومات (سودان تربيون) أن ايلا يتنقل بين جبيت ومنزله في حي ترانزيت ببور تسودان كما تبين المتابعات للأوضاع الجارية في الإقليم من مصادر متعددة عملية تخطيط واسعة يشرف عليها ايلا، وفق سيناريو جديد، ربما يحمل في طياته كشف أوراقا تورط المجموعة المساندة للناظر ترك.
إشعال الشرق
وتطال اتهامات مستمرة لقيادات سياسية معروفة بعضها موجود في البحر الأحمر وآخرين في مصر وتركيا بإشعال الصراع القبلي بالشرق.
مع ذلك، تؤكد أستاذة العلاقات الدولية في جامعة الخرطوم د. تماضر الطيب، لـ(سودان تربيون) أن موضوع الاستقطاب القبلي بالشرق ظهر مؤخرا مع مشكلة ترك وحتى الآن، وسط تدخلات تقوم بها بعض السفارات في الشؤون الداخلية بسبب حالة ضعف النظام الحالي.
ونوهت إلى جانب آخر يتمثل في السماح لسفراء أو سفير بالتحرك على طريقته في استقطاب القبائل والتأثير عليها في إطار سياسة صنع أجواء غير مستقرة حتى تستطيع دول أو دولة إيجاد قبول سريع من السلطة الحاكمة لمنحها الفرص التي ترغب فيها للاستثمار.
التدخلات الإقليمية
ويلفت صالح عمار، إلى أنه عند وقوع الاضطرابات في الإقليم، وحدوث درجة من الفوضى كان طبيعياً تدخل بعض دول الإقليم التي تتأثر بتلك الأوضاع في البحر الأحمر، وأن التدخل يمكن أن يكون حميدا أو سلبيا باعتبار أن ما يحدث يؤثر على وضعها.
ونوه إلى تدخلات وصفها بالإيجابية مثل الدور السعودي، الذي كان مائلا إلى التوافق بين مكونات الإقليم.
ويرى صالح، أن هناك دولا أخرى تدخلت بشكل سلبي خلال فترات الأزمة ولديها أطماع حول الموانئ كما هو معروف بين كل السودانيين بينما دول أخرى مثل مصر لدى السودانيين وإقليم الشرق مصالح إستراتيجية، معها.
وأضاف: “اعتقد انه يجب ان تكون هناك علاقات جيدة مع مصر لكنها غضت الطرف عن وجود عناصر مهددة للسودان وفي شرق السودان تحديدا مقيمة على أراضيها”
وتابع قائلا: “مصر تحتضن مدير المخابرات الاسبق صلاح قوش الذي يساهم في زعزعة الاستقرار بالسودان وشرقه خاصة بالإضافة إلى محمد طاهر ايلا، وآخرين من الشرق اما مقيمين او يترددون عليها باستمرار ويهربون من السودان لمصر وهذه نقطة محسوبة على مصر وادعوهم لمعالجة هذا الخلل لأن ذلك يبعث رسائل سالبة لجهة ان هناك شخص يدير عمل تخريبي في دولة ثانية من دولة أخرى هذه مسألة غير مقبولة”.
وأضاف صالح، ان هناك دولا أخرى لديها أطماع مباشرة في الموانئ السودانية وهي معروفة ودول محاور بدأت تتخذ من السودان مسرح لتصفية الحسابات، فيما تبدو اثيوبيا واريتريا مشغولتان بصراع داخلي ومنهمكتين فيه لأنه صراع وجودي يشغلهما من التواجد في القضايا السودانية.
في المقابل ترى أستاذة العلاقات الدولية د. تماضر الطيب، أن الوضع السياسي الضعيف والهش فتح الباب للتدخل الإقليمي في الشرق والمرتبط بالتدخل الدولي بطريقة غير مباشرة.
وبعبارات أكثر تفسيرا، تنبه إلى ان الأطراف الإقليمية التي تقوم بالتدخل في شرق السودان ومنطقة البحر الأحمر، مدفوعة من حلفاء دوليين لإجراء التحركات والأنشطة لمنحهم الفرصة للاستفادة من الموانئ في البحر الأحمر.
وتعزز ذلك، بما وقع سابقا من جدل حول السماح لروسيا بإقامة قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر والرفض والتهديدات الأمريكية حول الأمر.
وترى في الوقت نفسه أن المحاور الإقليمية تتحالف مع الولايات المتحدة وتنتهج نفس السياسة الخاصة بالتسابق على الموانئ والاستثمار.