خطابات البرهان بـ(حاميات) الجيش.. تحضير للتسوية أم مخاوف من انقلاب؟
خاص: سودان تربيون
خلال بضعة أشهر، تنقل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بين القواعد والوحدات والحاميات العسكرية حاملاً الكثير من الأحاديث السياسية المتنوعة ذات الارتباط بالأزمة السياسية الراهنة.
وبقراءة آخرى، حمل البرهان خلال تلك الزيارات المتلاحقة حزمة من الأحاديث عن الوضع السياسي المعقد الذي صنعته إجراءاته في ,25 أكتوبر 2021 وتحدث مرارا عن انسحاب الجيش من العملية وإرهاصات التسوية.
تؤكد مصادر متعددة لـ”سودان تربيون” أن خطابات البرهان مؤخرا يتم تنسيقها بصفة عسكرية أكثر من أنها موضوعات سياسية لجهة دعم تماسك إجراءات الانقلاب وما يمكن أن يحدث من متغيرات تؤثر على القوات.
وتبدأ تلك الخطابات كما قالت المصادر، بإشارات يبثها مستشاريه وصحيفة الجيش في شكل مواد أو تقارير إعلامية وصحفية محددة الغرض والرسالة.
من قلب الثكنات
في أكثر من مناسبة من داخل حاميات عسكرية أفصح البرهان عن بعض أوراقه، بل واظهر انه مستعد بسلاحه الشخصي كما حدث في خطابه قبل الأخير معددا طرائق الحلول ومحذرا الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المحلول من محاولة استغلال الجيش لتحقيق أجندته.
ويرى المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة المدنية السابقة فائز السليك، أن البرهان اعتاد على توجيه خطاباته السياسية داخل ثكنات الجيش لافتقاره للقاعدة السياسية والحاضنة الاجتماعية.
وذكر السليك لـ”سودان تربيون” إن البرهان وقبيل الانقلاب العام الماضي هاجم قوى الحرية والتغيير من داخل قواعد عسكرية في رسالة واضحة مضمونها (لي قوتي وبندقيتي).
ويتفق في ذلك الصحفي السياسي ماهر أبو الجوخ بتاكيده لـ”سودان تربيون” أن قائد الانقلاب وبعد انقلابه يتحدث من داخل الحاميات العسكرية لافتقاره الحاضنة التي يتحدث أمامها. ويكمل: “فعليا قبل الانقلاب كان قائد الجيش والمجموعات المساندة قد حولوا القوات المسلحة لحزب تمارس وتتعاطى العمل السياسي”.
وذكر أبو الجوخ أن ذلك بدأ واضحا من التصريحات المنسوبة لمستشاره الطاهر أبو هاجة أو حتى في صحيفة القوات المسلحة التي انحرفت عن مسارها كصحيفة متخصصة في الشأن العسكري ولها دور في التوجيه المعنوي وتحولت لحزب من خلال مواقفها وحتى تعليقات رئيس تحريرها، وحولت الجيش لكيان سياسي وهو يخاطب من خلالها باعتباره مركز قوته الأساسية، وبدا الجيش جزءا من الصراع السياسي وطرف سياسي في الصراع أكثر من أنه مؤسسة قومية تمارس مهامها بشكل مهني.
ماذا يريد الجنرال أن يقول لجنوده والمغامرين؟
في هذا المنحى، يعتقد أبو الجوخ، أن إطلاق الخطاب من الثكنات العسكرية كانت لديه دلالات وقال إنه خلال الفترة الأخيرة وتحديدا منذ بدء الاجتماع مع الحرية والتغيير وأطراف المكون العسكري الانقلابي بات واضحاً أنّ هناك توجه بأن يتم تحييد القوات المسلحة وعناصرها وضباطها وأفرادها لقبول العملية السياسية الجارية حاليا، وبالتالي هذا من الأسباب الرئيسية لبث الرسالة وهي ليست للقوى السياسية في المقام الأول إنما تهدف إلى كسب الرأي العام داخل القوات المسلحة وإظهار أن العملية الجارية في مصلحة القوات المسلحة والقوات النظامية.
بينما يقول السليك، إن البرهان يود أن يقول ذات رسائله القديمة وهي أنني والجيش في خندق واحد، وسيظل موقفنا ثابت وأن على القوى السياسية أن تترك الجيش.
ويذكر السليك لـ”سودان تربيون” أن البرهان خاطب جيشه الأسبوع الماضي من قاعدة حطاب لكنه قصد في تلك المناسبة توجيه رسالة شديدة اللهجة الى الإسلاميين الذين وضعوه في مأزق مرتين؛ الأولى عندما استقووا به وعادوا عبر قرارات قضائية ذات طابع سياسي، مثلما تحركوا داخل الدولة وكأن الثورة لم تحدث.
وأضاف أنّ هذا الوضع أحرجه أمام المجتمع الإقليمي والدولي الذي لا يريد عودة الإسلاميين عبر نافذة الجيش بعد ان خرجوا من المشهد عبر بوابات الشوارع.
وقال إن الحرج الثاني تمثل في الضغط عليه وإهانته من خلال كتاباتهم التي وصفوه فيها بالتهاون والضعف، مثلما صاروا يتحدثون علنا عن تواصل معه..
وحول تأثير تلك الخطابات يقول أبو الجوخ أن الجيش مؤسسة رأسية تخضع للقائد العام كما هو معلوم وهذه الخطابات يتم النظر لها أنها تهيئ الرأي العام داخل الجيش وتوجهه سياسياً أكثر من أنها رسائل ذات طبيعة مهنية.
ويجزم أن تلك الخطابات مهمة وتصلح في قياس الرأي العام وتوجيه الفعل والمواقف للقوى الثورية، وحمل الخطاب قبل الأخير للبرهان رسائل ضد المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، نفسها وتبعه إجراء بإعادة المحبوسين على ذمة قضية انقلاب 1989 من المستشفيات للسجن وتحول كبير تمثل في إعفاء رئيس لجنة استئناف قرارات لجنة التفكيك وكانت تلك مؤشرات لتحولات في الممارسة السياسية التي كانت سائدة منذ انقلاب 25.
وقال إن المنبر الذي يطلق منه قائد الانقلاب الرسائل باعتباره القائد العام موجهة للرأي العام المحلي والقوات النظامية والقوى السياسية وبالتالي تكتسب أهميتها في هذا السياق، لكنها في إطار التأثير السياسي ليس كل ما يقاس يقال وما حدث والأفعال، وإذا كان الخطاب ايجابي ويميل للثورة الناس تتوقع شيئا مختلفا.
هل يخشى الجنرال انقلابًا؟
ويقول السليك أن خشية البرهان من وقوع انقلاب عليه في ظل وجود خلايا إسلامية يمكن اعتباره أمرا مؤكدا، ويعضد ذلك بوجود محاولات انقلاب سابقة للإسلاميين على الانتقال وإنهم لن يتركوا محاولاتهم، هم معزولون من الشارع تماما، وطريقهم الوحيد للسيطرة والحفاظ على ما نهبوه من الدولة هو الانقلاب العسكري.
وقال إنهم ايدوا انقلاب البرهان حتى يضرب القوى المدنية ويلغي لجنة تفكيك نظام الإنقاذ فتحقق لهم بالانقلاب ابعاد الحرية والتغيير من مواقع صناعة القرار وحماية ممتلكاتهم وأرصدتهم، لكن لم ينجحوا في مساعدة البرهان بتثبيت أركان حكمه.
من جهته، يمثل موضوع الانقلاب ومخاوف البرهان منه، عند أبو الجوخ، رد فعل متوقع خاصة في ظل وجود مجموعات مقدرة لديها صلة تنظيمية بالنظام السابق لم يتم تفكيكها ووجود مجموعات متعاطفة مع أطروحات النظام السابق.
ويضيف أن فرص نجاح انقلاب بالشكل الكلاسيكي القديم في ظل الوضع الراهن بالسودان وتعدد الجيوش هذا الامر يحتاج إلى موافقة كل الأطراف من الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة وبقية التشكيلات الأخرى مثل الشرطة والمخابرات.
وينوه إلى فرص نجاح الانقلاب دون موافقة أي طرف من الأطراف السابقة بمعزل عن أي طر، تعد وصفة حرب والانقلاب الكلاسيكي لن ينج.
يؤكد أبو الجوخ لـ”سودان تربيون” أنّ قوى الثورة تنظر لخطابات البرهان الحاميات العسكرية من ناحية الأفعال وليس الأقوال، وما يترتب عليها.
وأضاف: “نشاهد للمرة الثانية الحشد للنظام السابق وعناصره في 12 نوفمبر داخل الخرطوم دون ان يعترضهم أحد واستمروا، بينما شهدنا في المواكب الأخيرة زيادة في الإصابات ووقوع أكثر من 54 مصاب”.
ودعا أبو الجوخ أجهزة الدولة إلى أن تكون محايدة وعادلة في التعامل وأما تقمع الجميع وهذا نحن بالطبع ضده وأما أن تسمح للجميع بالتعبير عن رأيهم دون قمع، ويجب على القوات النظامية وقوات الشرطة على وجه التحديد التعامل بشكل مهني وقومي وكما انها تسمح لعناصر النظام السابق بالتعبير دون أن يعترضهم احد ودون أن تغلق الكباري وقطع شبكات الاتصالات يجب أن ينطبق ذلك أيضا على الآخرين وأن لا يتعرضون للقمع والضرب او التعمد في الإصابات