Friday , 19 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

هل يجد تنظيم القاعدة موطئ قدم في السودان؟

كتاب جديد لابي حذيفة السوداني

خاص : سودان تربيون

في السابع عشر من أكتوبر 2022 نشرت دار “بيت المقدس” إحدى الواجهات الإعلامية لتنظيم القاعدة كتاباً جديداً بعنوان: (الآن جاء القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان) ذكرت إنّه “للشيخ أبي حذيفة السوداني يوجهه للسودان بشكل خاص”

قال المؤلف في مقدمة كتابه: “هذه رسائل حرب أضعها في بريد المجاهدين في السودان، ذلك أنّ الواجب الشرعي يحتم علينا القتال نصرة للدين حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى”.

 ما أهميّة ذلك: حمل المنشور تحريضاً على تأسيس تشكيلات قتاليّة، جهادية تقوم بإعلان الحرب على ما أسماه “النظام الطاغوتي والحكومة العميلة في السودان”.

 على ماذا تقوم دعوته للقتال؟

ينطلق المؤلف في دعواه من أنّ “التوحيد هو الدين كله وهو نظام حياة شامل” لكنه لا يطبّق في الواقع إلا بالقتال في سبيل الله من أجل نزع الملك من طواغيت الحكم المبدلين لشرع الله وردّه إلى أهل التوحيد.

ما الآليات التي اقترحها؟ يقول: “أدعو الموحدين، في السودان، إلى أدنى الواجب الذي لا يسعهم تركه وهو اقتناء السلاح وتخزين الذخيرة الكافية والتدريب والإعداد حتى يأذن الله بظهور (الجماعة المباركة) التي يقاتلون تحت رايتها”

من هو أبو حذيفة السوداني؟

تشير المعلومات المتوفرة أنه اعتنق الفكر الجهادي باكراً والتحق بتنظيم القاعدة في أفغانستان تحت قيادة “أسامة بن لان” وطاف عدداً من البلدان العربية من أجل تنفيذ عمليات إرهابية، وقد أحبطت السلطات السعودية إحدى أهم العمليات التي خطط لتنفيذها على أراضيها، وفرّ على إثر ذلك شمالاً إلى العراق ثم إلى باكستان، ثم قفل عائداً إلى السودان وتمّ توقيفه في الخرطوم وتسليمه إلى السعودية حيث حكم عليه بالسجن لعشر سنوات، وبعد انقضاء مدة الحكم غادر إلى سوريا حيث انضم لأحد أذرع تنظيم القاعدة هناك، وهو ينشط في تأليف الكتب ويعد كتابه الأخير (الآن جاء القتال) الرابع في سلسلة منشوراته بعد كتبه: “اتكاءه على حد السيف، خواطر سجين، الأمير المنسي”.

دعوة لمحاولة بناء جديد

يشخص الكتاب الجديد احتياجات التنظيم في السودان من خلال دراسة واقع البلد ومعطياته:

  • الحاجة لعقلية إستراتيجية، ذكيّة
  • العمل على صياغة إستراتيجية للصراع
  • دراسة واقع(المجاهدين) وقدراتهم وإمكاناتهم العسكرية والسياسية.

يقدم الكاتب حوافز للعمل إذ يشير إلى أنّ “السودان توفرت فيه الشروط الموضوعية لقيام حرب عصابات ناجحة إضافة إلى أنّه بلد شاسع مترامي الأطراف متنوع التضاريس والمناخات من جبال وغابات وصحار، مما يتيح مجالاً واسعاً للحركة والمناورة”.

يطرح رجل القاعدة السوداني ثلاث طرق عملية لكيفية إدارة حرب العصابات باعتبارها مهاداً لمراحل متقدمة على النحو التالي:

  • مرحلة الوخز (اضرب واهرب)
  • مرحلة التوازن
  • مرحلة الحسم والتمكين

يقول: “لكل مرحلة ما يقابلها من أدواتها العسكرية والسياسية والإعلامية وما يناسبها من تشكيلات وبنية في الهيكلية والتنظيم.”

ووفقاً لتصوره، لا بد من إنشاء قواعد خلفية في الجبال والغابات، مع وجود “مجموعات مدينية” تعمل داخل المدن على شكل خلايا عنقودية وتنفذ عمليات ومهام خاصة، في وجود قائد ذكي.

 لماذا لا يوجد كيان لتنظيم القاعدة في السودان؟

يؤكد أبو حذيفة: “أنّ الجهاد يحتاج لتنظيم طليعي، كيان يجمع شمل الموحدين ويوظف قدراتهم وينسق جهودهم، يكون رأس الحربة في الصدام مع العدو”.

ذلك إقرار بأنّ هذا التنظيم لا يقف على كيان أو تشكيلات منتظمة في السودان، لذلك يحاول أن يتحسس طريقاً إلى الوجود يفضي به إلى التأسيس.

 خلال السنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي، استضاف السودان أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وراميرز سانشيز” المشهور بـ”كارلوس“، الماركسي الفنزويلي الذي اشترع نضاله مع العرب منذ أيام ”أيلول الأسود“ 1970 في عَمَّان إلى حين انتهي به المطاف في الخرطوم حيث وصلها في أغسطس 1993.

وأضحى السودان كذلك ملاذا للحركات الإسلامية، ما جرّ عليه عزلة دولية، إذ صنفته الولايات المتحدة، دولة راعية للإرهاب عام 1993، ولاحقا أبدت الخرطوم استعدادا للتعاون مع واشنطن لأجل مكافحة الإرهاب.

وبالفعل صرّح مسؤولو المخابرات الأمريكية في أوقات سابقة بأنّ السودان قدّم معلومات دقيقة ومهمة ومفيدة.

ويؤكد مصدر خاص لـ”سودان تربيون”، أنّه لا يوجد في السودان تنظيم للقاعدة أو داعش بمثل ما يوجد في العراق والصومال واليمن، كما أنها لا تتوفر على منظومة عسكرية أو قائد رمز أو أمير مبايع لقيادة التنظيم في أفغانستان.

ويضيف “حركة المتطرفين السودانيين في الداخل ظلت جزراً معزولة غير متناسقة ولا موصولة ببعضها البعض واكتفت فقط بالهجرة  والالتحاق بأذرع التنظيم في الخارج”

يشير المحللون السياسيون إلى أنّ هذه التنظيمات تستغل أحوال الفراغ السياسي أو انهيار الدولة أو الجيش حيثما تضافر نشاطها، مثل ما هو الحال في مالي أو ليبيا أو الصومال.

يقول المحلل السياسي أسامة إلياس: “في السودان لا تزال الدولة متماسكة والمؤسسة العسكرية قوية ولها أذرع استخباراتية قابضة يمكن لها أن تكافح أي مد لمثل هذه التنظيمات.”

هل السودان بيئة صالحة لنمو الإرهاب؟

انخراط السودان في تعاون وثيق مع الأمريكيين في مكافحة الإرهاب وتوفره على جهاز مخابرات عالي الكفاءة، حدّ من قدرات تنظيم القاعدة وحال دون تأسيس خلايا له في السودان، وباءت جميع المحاولات بالفشل على نحو ما تم من اكتشاف ومكافحة الخلايا التي عرفت بخلايا الدندر، والسلمة التي فككتها السلطات واعتقلت أعضائها.

لكن يثور سؤال عما اذا كانت أنماط التدين السائدة في السودان  حالت دون نشوء وتمدد التنظيمات الإرهابية على أرضه رغم اشتداد الأزمات السياسية والأمنية.

يجيب الباحث في الفكر الإسلامي والأستاذ بالجامعات السودانية د. محمد المجذوب صالح بالقول: ” هذه التنظيمات القتالية ليست لها حاضنة اجتماعية ولا فكريّة هنا، إذ أنّ المزاج الديني السوداني يميل إلى التدين الصوفي ويستمد ثقافته منه وهو تدين يقوم على التسامح، أبعد ما يكون عن التشدد والغلو والتعصب، إلى ذلك فإن الفضاء الفكري العام الذي تدور فيه الحركات الإسلامية في السودان يتسم بالإيمان بالحرية ويميل إلى تغليب الحوار، لذلك لن تجد مثل هذه الدعوات حاضنة فكرية لها في السودان.

 ويقطع المهتمون بدراسة التطرف وحركاته أنّها تصدر أحكامها عن حالة مزاجية، ورد بعضهم احتفاء أبو حذيفة السوداني في كتابه الأخير ببيان الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة إلى هذه الحالة ، وهكذا يقرأ هجوم الرجل على التيار الإسلامي حيث قال: “هؤلاء الواهمون من المنتسبين إلى ما يسمى بالتيار الإسلامي العريض لم يفهموا جوهر الدولة الإسلامية، وهو تيار فاقد للبوصلة”.

يقول د. محمد مجذوب: “هذا هو الموقف العام للتنظيمات المتطرفة تبدأ فتكفر وتعادي من جاورها ثم تنداح إلى الأبعد هذه طبيعة الخطاب المتشدد”.

ويقرأ د. المجذوب بعداً آخر لنشوء وازدهار هذه الحركات الجهادية، فلا يكتفي بالنظر لأحوال الاضطراب السياسي في السودان باعتبارها عاملاً حاسماً لدخول التنظيمات الإرهابية، وفق رؤية الكتاب القاعدي إذ وفقاً لما يعتقد فإنّ هذه التنظيمات ليست نتاجاً للأحوال الداخلية وإنما هي صنيعة المخابرات الدولية، إذ أشارت تقارير متطابقة لضلوع هذه الأجهزة في تمويل ورعاية بعض هذه الحركات الجهادية، لكنها تبقى في النهاية ظاهرة غريبة منفصلة عن المجتمع السوداني بكافة أطيافه وفرقه الدينية.