خارطة التحالفات المتحركة
الجميل الفاضل
انكسار التحالفات الهشة في السياسة، ينتج دائما ما يشبه شيئا من خواص “المغناطيس”.
فمن خواص المغناطيس الأولية، أنه يتكون دائما من قضبين اثنين، وأنه لا يقوم علي قطب واحد منفرد.
فلو أننا قمنا بكسر هذا المغناطيس الي نصفين، فإن من شأنه ان يعيد انتاج نفسه ذاتيا وتلقائيا علي ذات الشاكلة، الي مغناطيسين بقطبين جديدين، أحدهما سالب والاخر موجب.
بل إذا كررنا كسر هذين النصفين أيضا، سنحصل مرة أخرى كذلك، على أربعة اجزاء من ذات المغناطيس، بكل منها قطبين مختلفين يسارا ويمين.
المهم فان ما يشبه هذه الظاهرة الفيزيائية، بات يؤثر بقوة علي خارطة التحالفات المتحركة، التي فرضها واقع الحراك الثوري المتجدد والمتطور، بل والممتد لنحو ست واربعين شهرا، منذ ديسمبر في العام (٢٠١٨)، والي يومنا هذا.
اذ ان تحالفات الحد الأدني، هي تحالفات تمليها ضرورات مرحلية الطابع، تتعلق بالراهن والمباشر والممكن.
وبالطبع فان هذا النوع من التحالفات الظرفية، يحمل دائما بذور فنائه في داخله، لما ينطوي عليه من تناقضات جوهرية بين مكوناته بالأساس.
تناقضات تم تجاوزها مؤقتا، أو غض الطرف عنها، وتم تأجيل لمعاركها، ريثما يحقق التحالف الغاية منه.
لكن كلما تطاول المدي الزمني للحراك، أو ذهب الي أعمق، فان التناقضات المخبوءة لابد ان تطل برأسها وأن تبرز رويدا رويدا، مع تغور حركة الفعل الثوري، لإحداث نوع من التغيير أعمق.
ولعل أدق وصف لمثل هذه الحالة، اورده الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه “مدافع آية الله” قائلا:
(إن «الثورة» أشبه ما تكون بعملية الفجار هائلة، تجيء بعد أن يكون شعب من الشعوب أو أمة من الأمم، قد تحملوا بأكثر مما تحتمله طاقتهم اقتصادياً وسياسياً وفكرياً، وهم في عملية الانفجار يحطمون ليس قيودهم وسلاسلهم فقط ولكن كل الحدود والسدود، ثم يحاولون وضع أساس مختلف لمجتمع جديد سيد وحر).
فان عملية تحطيم القيود والسلاسل، وتجاوز الحدود والسدود، لبناء مجتمع جديد سيد وحر، ربما كانت هي العامل الحاسم وراء ظاهرة الأنكسار المتكرر للتحالفات الهشة في سودان اليوم.
فالاستاذ هيكل يقول في كتابه “مصر الي أين؟ ما بعد مبارك وزمانه ”
الانتقال من “حدث الثورة” أي “الانفجار”، إلى “الفعل” أي “البناء”، وفي الحقيقة فتلك في العادة فترة شديدة الخطر، لأن أحوال الأمم فيها تكون مزدحمة بالهواجس، مكشوفة للمطامع، معرضة ومكشوفة للتدخلات والاعتراضات، تصد أو تعرقل إذا استطاعت، لأن بقايا الماضي في الداخل، وخصوم التقدم في الخارج، يحاربون آخر معاركهم بقصد أن لا تصل الثورة إلى غايتها، وتمسك بيدها حقها في “فعل المستقبل”.
اذاً فان تحالفا يتبلور الآن من قطاع طرق الثورات.. من بقايا الماضي في الداخل، وخصوم التقدم في الخارج، يخوض اليوم اخر معاركه للحيلولة دون وصول ثورة ديسمبر المجيدة الي غاياتها، سيقابله لا محالة تحالف ثوري عريض، يتشكل علي قاعدة “الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب”.