بروفسير علي عبدالقادر الأكاديمي المنتمي بلا مواربة للفقراء وبلدان الجنوب
ياسر عرمان
غادر عالمنا في هدوء بمدينة القاهرة البروفسير الجليل علي عبدالقادر، الانسان، العالم، الزاهد والوطني المنتمي بلا مواربة للفقراء والمدافع عن حقوقهم في بلاده وبلدان الجنوب.
رحل علي عبدالقادر في زهد مستمد من القباب الشامخة ومن آله المعرفة القديم اباداماك الذي ما عاد يعلن عن نفسه للأخرين برغم أنه خازن العلوم والمعرفة على أعتاب مروي والمغرة والبجراوية عند شندي التي من أنحائها سجل بروفسر عبدالقادر حضوره.
التقيته في أوقات متفرقة وفي أحداث صدفية بحتة، لكن خلال أربعة سنوات من 2014- 2018 حظيت بالتعرف عليه عن قرب من ضمن فريق كبير عمل تحت قيادته وهي المجموعة التي أنجزت مشروع السياسات البديلة (نحو عقد إجتماعي إقتصادي ثقافي سياسي جديد) في مبادرة من الحركة الشعبية لتحرير السودان / شمال، وبدعم من أصدقاء التقينا بهم في ورشة دعت إليها جامعة هارفرد الامريكية في أبريل 2012، كان هذا الاجتماع محفزاً للحركة الشعبية للعمل مع مجموعة من الخبراء والمهتمين من خلفيات فكرية وثقافية متنوعة، وقد قاموا بكتابة وثيقة مرجعية تحوي ذلك البرنامج الجديد. هذا وقد ترأس بروفسير علي عبدالقادر مجموعة الخبراء والمثقفين والأكاديمين وطلب عدم تضمين أسمه في الوثيقة، رغم أن الوثيقة لم تكن لتنجز دون خبرته وعمله المتصل والتزامه الصارم.
شارك في كتابة الوثيقة خبراء في القانون الدستوري وحقوق الانسان والحقوق المدنية والحكم والسياسة الخارجية والترتيبات الأمنية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وقضايا الثقافة والهوية، هذا وقد تم تصميم برنامج الوثيقة انطلاقًا من رؤية السودان الجديد والمصالح الجمعية للسودانيين والسودانيات خاصة الفقراء والمهمشين منهم.
تهدف الوثيقة للمساعدة في الوصول إلى قدر كافي من الإجماع حول مشروع البناء الوطني الذي بإمكانه أن يوقف التدهور وانحدار السودان نحو الفوضى والتفكك وينهي الاوضاع الكارثية في جميع أنحاء البلاد بتغير الاتجاه الحالي والتوجه نحو عقد إجتماعي جديد.
لعب بروفسير عبدالقادر دوراً محورياً في هذا المشروع الذي عقد خلال أربعة سنوات لقاءات مطولة في هلسنكي وباريس وكيب تاون بجنوب افريقيا عند رأس الرجاء الصالح ودار السلام تنزانيا، وقد شارك في هذه اللقاءات الأساتذة عطا حسن البطحاني وأنور الحاج وهو من رشح بروفسير عبدالقادر أستاذه السابق لترأس هذه المجموعة والنور حمد وفيصل مصطفى ومنتصر الطيب وإبراهيم طه أيوب وكمال الجزولي ومالك عقار وعبدالعزيز الحلو ومصطفى الشريف ونصرالدين عبد الباري ومحمد إبراهيم خليل ورشيد سعيد يعقوب واللواء علي التجاني وعمر شركيان ومنعم رحمة وياسر عرمان وأخرين فضلوا عدم ذكر أسمائهم.
أكتمل هذا المشروع وصدر في كتاب باللغتين العربية والانجليزية في أغسطس 2018، وقد تولت السيدة استر اسبريغ مهام السكرتارية والتنسيق بين كافة المشاركين.
بروفسير عبدالقادر كان أحد الناطقين الحقيقيين بأسم صعود الأكاديمين السودانيين نحو القمم والمجودين لعلومهم في مختلف الحقول، وقد أضحى غيابهم عنوان مضاد لما أصاب حقل التعليم من تدهور، ولقد كان سلطة مضادة في الحقل الأكاديمي ضد التدهور وقد عبر كثيراً عن ما هو غير مألوف وخارج السياق سيما في مناهج وأنماط التنمية ومؤسسات التمويل الدولي.
بروفسير عبدالقادر كان يحول قضايا العمل الصعبة إلى متعة مليئة بالقفشات والنكات عن مفارقات الحياة الاجتماعية في السودان ولَم يكن ذلك يقلل من جديته في عمله، هو بحق أكاديمي متميز ووطني صميم ذو رؤية واضحة.
لقد حرم النظام البائد أجيالنا الشابة من التعرف على كثير من العقول الوقادة والنيرة والعلماء الرصينين، قد كان علي عبدالقادر مثالاً ساطعاً لهولاء، الا رحم الله بروفسير علي عبدالقادر وأنزله منزلة الصديقين والشهداء والعزاء لزوجته وبناته وأبنائه وأصدقائه وأهله ومعارفه الكثر.
“انا لله وإنا إليه راجعون”.
الخرطوم السبت 24سبتمبر 2022