Friday , 29 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

بعد تمدد حركة الشباب المجاهدين الصومالية.. السودان وإثيوبيا في أجندة (القاعدة)

رتل لحركة الشباب المجاهدين في الصومال

خاص : سودان تربيون

يمثل اختراق حركة الشباب المجاهدين الصومالية للعمق الإثيوبي تطورا خطيرا للأوضاع في المنطقة لن تقف حدوده عند إثيوبيا بل تتعداها لدول عديدة بينها السودان.

وهاجمت الحركة مؤخرا أهدافاً في شرق إثيوبيا «الصومال الإثيوبي» قبل أن تتصدى لها قوات الجيش الدفاع الإثيوبي وتعيق حركتها وتمنعها من التقدم.

ورغم إعلان الجيش الإثيوبي أنه كبّد الحركة خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وقتل ما يزيد عن الـ 100 من عناصرها وأسر 70 آخرين وتدمير آلياتها العسكرية إلا أن هجمات حركة شباب المجاهدين الصومالية حملت العديد من المؤشرات من بينها بداية تنفيذ إستراتيجية التوسع على الأرض والانتقال من المحلية إلي مربع تأسيس منظومة عسكرية لها امتدادات إقليمية وخارجية بعد بناء تشكيلات مسلحة عبارة عن «فروع» في كل من كينيا وأوغندا وإثيوبيا والتمدد في عدد من بلدان القرن الإفريقي لتكون لها أذرع طويلة ربما تصل لجميع «مناطق الهشاشة والغليان» في دول شرق ووسط إفريقيا وساحل البحر الأحمر.

خطط التوسع

وتخطط حركة شباب المجاهدين التي تحتل حوالي 25 % من الصومال لفرض سيطرتها هناك والتمدد داخل كينيا ، يوغندا ، إثيوبيا وتتجه للتوسع شمالاً ليصل نفوذها حتى جنوب السودان وتلامس مناطق النيل الأزرق في الأجزاء الملتهبة الواقعة جنوب شرق البلاد وفي الحدود المشتركة بين السودان وإثيوبيا ومناطق بني شنقول اتصالا مع إقليم الأورميا الإثيوبي وتتقدم شمالاً للارتباط والتلاقي مع حركة الإصلاح الإرتري المسلحة – المعارِضة لنظام الحكم في أسمرا – التي تتحرك في مساحات واسعة في الحدود بين إريتريا والسودان.

الأمر الذي يُظهر طوقاً إرهابياً كـ«خارطة انتشار» جديدة وسط بيئة ذات تخصيب عالٍ تشهد اضطرابات أمنية وعدم استقرار وحروب أهلية ونزاعات قبلية مسلحة هذا علاوة علي مشاكل الحدود بين دول الجوار حيث تظل الحدود ثغرات ومنافذ تسمح بحركة تسلل عناصر الجماعات الإرهابية وبناء مراكز تجميع لقواتها وتكون ميداناً لنشاط هذه المجموعات المقاتلة في أكثر من موقع واتجاه داخل دول المنطقة.

وإذا وُصف تغلغل حركة الشباب الصومالية داخل إثيوبيا بالخطوة الخطيرة فإن الأخطر من ذلك خططها للزحف نحو مناطق أخري من بينها جنوب السودان والسودان.

وكان الجنرال ستيفن تاونسند قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا «أفريكوم» حذر من أن التهديد الإرهابي يتصاعد في القارة السمراء في ظل اتساع نطاق أنشطة الجماعات الموالية لتنظيمات مسلحة مثل داعش والقاعدة في عدد من بؤر التوتر المشتعلة في شرق وغرب القارة الإفريقية.

وبعد هذه التصريحات بث المكتب الإعلامي لداعش في الصومال مقطع فيديو حرّض فيه على اغتيال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وشن هجمات إرهابية داخل إثيوبيا كما دعا مسلمي إثيوبيا للانضمام إلى صفوف التنظيم والالتحاق بمعسكرات التدريب في شرق إفريقيا الأمر الذي يفسر حدة التنافس بين «القاعدة» و «داعش» بشرق إفريقيا لتوسيع رقعة النشاط العسكري للجماعات الإرهابية المسلحة والتمدد خارج حدود الصومال، والعمل على فتح جبهات قتال جديدة لها شبكة علاقات خارجية مع القاعدة بشبه الجزيرة العربية في اليمن التي تحتفظ بعلاقة تنظيمية قوية مع حركة الشباب في الصومال وتُولي القاعدة في شبه الجزيرة العربية اهتماما خاصة بالحراك الصومالي ولفرعها في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.

السودان .. اهتمام ازلي

ويقف على رأس هذه الاهتمام المقاتل السوداني «أبو خبيب السوداني» إبراهيم القوصي الذي أكد في آخر إصدار له «كتاب شذرات من تاريخ القاعدة» والذي صدر قبل عدة أشهر مدي اهتمام زعيم القاعدة أسامة بن لادن بتأسيس فروع في الصومال تكون مركزاً لانطلاقة نشاطها من الخرطوم. ثم تشكيل أول «نواة مسلحة» للمقاتلين الصوماليين من داخل السودان أثناء تواجد أسامة بن لادن خلال الربع الأول من تسعينات القرن الماضي.

وكشف القوصي أحد أهم مرافقي بن لادن والذي يجلس حالياً علي مقعد الرجل الثاني في القاعدة بـ«اليمن» أن بن لادن وأثناء فترة استقراره بالخرطوم أسس مشاريع استثمارية وشركات اقتصادية أسهمت في زيادة ثرواته وممتلكاته التي أدت لتقوية مركزه المالي حيث ساعده ذلك في تنفيذ عدداً من برامج وخطط القاعدة المتصلة باختراق بلدان القارة الإفريقية وبناء «جبهة عالمية للجهاد» يكون مقرها السودان وتمتد شرقًا لتغطي بلدان إرتريا وإثيوبيا وتتجه حتى الصومال وجيبوتي وكينيا ثم التنسيق والتحالف مع الجيش السوداني لخوض المعارك لـ «تحرير جنوب السودان» من قبضة الحركة الشعبية التي كان يقودها جون قرنق لإقامة الشريعة الإسلامية علي أراضيه.

وعُرِف عن إبراهيم القوصي «السوداني» قولته المشهورة التي توضح قوة ارتباط القاعدة في اليمن بفرعها في الصومال وهي رسالته التحذيرية للأمريكان وتحريضه لحركة شباب المجاهدين الصومالية لضرب مصالحهم بالصومال حينما قال لهم «جهزوا توابيتكم وأكثروا من الأطراف الصناعية».

وفي العام 2013 أرسل القوصي صديقه المقرب «أبو تراب السوداني» رشاد قرشي عثمان، في رحلة استكشافية للسودان تهدف لإمكانية تأسيس «أنويه وخلايا عسكرية» علي امتداد ساحل البحر الأحمر وتتخذ من سلسلة الجبال والكهوف مراكز للتدريب ومن ثم انطلاقة نشاطها العسكري علي طول الشريط الساحلي للبحر الأحمر.

السودان رأس رمح حركة الشباب

حتى الآن لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد العناصر الكينية والإثيوبية والسودانية في صفوف حركة شباب المجاهدين الصومالية غير أن التقديرات الأولية تشير إلي أن عدد المقاتلين الكينيين في المرتبة الثانية بعد الصوماليين ثم الإثيوبيين الذين يشكلون المركز الثالث ثم المقاتلين من البلدان العربية ثم السودانيين.

ويعد طارق محمد نور الملقب بـ«طلحة السوداني» أول من حاول تأسيس فرع للقاعدة في الصومال بتكليف مباشر من أسامة بن لادن وتعد علاقة حركة شباب المجاهدين في الصومال بالسودان أقوى من علاقاتها بكينيا وإثيوبيا وأوغندا وذلك من خلال حالة التشبيك التي بدأت منذ تأسيس الحركة في النصف الثاني من العام 2000 وقبلها إتحاد المحاكم الإسلامية نظراً لأن أعداد كبيرة من قيادات الحركة الصومالية تلقت تعليمها العالي في الجامعات السودانية وارتبطت بنظام الإنقاذ.

ومن أبرز من درسوا وارتبطوا بالسودان أحمد عبدي جودان ونائب رئيس حركة الشباب السابق أبو منصور مختار روبو « الذي تم تعيينه مؤخراً وزيراً للشئون الدينية ومكافحة الإرهاب» في الحكومة الجديدة بعد انسلاخه من الحركة.

كما التحقت أعداد كبيرة من الشباب السودانيين بصفوف حركة الشباب ومن الطلائع الأولي التي انضمت لكتائب الحركة صهيب سالم وعبد العزيز حسن مبارك اللّذيْن قُتلا في مقديشو قبل عدة أعوام وسبقهما في ميادين القتال الثلاثي «مصعب بشير» ، «أسامة صلاح» و «محمد صالح» والثلاثة لقوا مصرعهم خلال ضربات جوية نفذها سلاح الجو الأمريكي علي مواقع ارتكاز قوات الحركة بالجنوب الصومالي.

وفي 2009 ألقت السلطات الأمنية السودانية القبض علي مجموعات شبابية حاولت التسلل من الخرطوم للانخراط ضمن قوات الحركة بالصومال كما أوقفت مجموعات أخري كانت تقوم بدور «الوسيط المُيسِّر» الذي يقدم الخدمات التسهيلية بتفويج الشباب السودانيين في شكل دفعات ومجموعات وتسفيرهم من الخرطوم إلي الصومال التي كانت الوجهة الأولي التي تشكل نقطة جذب مفضلة للمقاتلين السودانيين ويطلق عليها «أفغانستان الثانية».

ومن بين هؤلاء أبو محمد السوداني أبرز قيادات حراس الدين في سوريا والذي قاتل القوات الأمريكية فترة طويلة في الصومال قبل أن تصطاده غارة جوية بطيران التحالف الدولي في منطقة إدلب السورية في العام 2020.

ويُصنف السودان كـدولة ممر ومعبرا للإرهابيين الدوليين الذين كانوا يصلون الصومال للانخراط في حركة الشباب عبر الخرطوم التي مثلت محطة انطلاق ورافدا لتصدير وتدفق المقاتلين العقائديين حول العالم للحركة بالصومال خلال العقدين الماضيين علي أن شكل العلاقة بين حركة شباب المجاهدين والمقاتلين السودانيين المنضوين تحت لواء القاعدة يظهر بشكل جلي في حادثة هروب عناصر الخلية الإرهابية التي تورطت في اغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيل مطلع العام 2008.

وعقب فرار كل من مهند عثمان يوسف ، محمد مكاوي إبراهيم ، عبد الباسط حاج الحسن من سجن كوبر بالخرطوم بحري في العام 2011 ظهروا في صفوف حركة شباب المجاهدين.

وبعد وقت قصير قتل مهند عثمان يوسف خلال اشتباكات مسلحة ضد القوات الأمريكية في صحن القصر الرئاسي بمقديشو فيما أقدمت حركة الشباب علي اغتيال محمد مكاوي إبراهيم رمياً بالرصاص خلال عملية مطاردة لتعقبه واقتفاء أثره بعد إعلان تمرده علي الحركة وانشقاقه عنها ومبايعته لـ «داعش» الأمر الذي فسرته الحركة بأنه «خيانة» واغتيل في أدغال الجنوب الصومالي بالعام 2015 .

ولا يزال عبد الباسط حاج الحسن مقاتلاً تحت لواء حركة شباب المجاهدين.

ويمثل خروج هذا الثلاثي من السودان وحتى لحظة وصولهم للصومال تأكيدا لسهولة تسلل المقاتلين من البلاد وحتى الصومال عبر خطوط سير تبدأ من شرق البلاد مرورا بإريتريا ثم إثيوبيا ووصولاً للمحطة النهائية في الصومال وكذا العكس حال زحف هذه القوات من الصومال إلي ذات البلدان.

وصية بن لادن
وعوداً على بدء فإن انتقال حركة شباب المجاهدين من كونها تشكيلات عسكرية مسلحة تقاتل في حدود ورقعة جغرافية محدودة إلي منظومة عسكرية لها خلايا مسلحة متعددة الجنسيات- أوغندية ، كينية ، إثيوبية وسودانية- تتحول كمغذٍ وشريان قد يتمدد بصورة أكبر في هذه الدول خلال المرحلة المقبلة يشكل أكبر تهديد لهذه الدول التي تحاصرها التحديات من كل اتجاه فضلاً عن عدم صلابة أوضاعها لكونها تعيش حالة من السيولة الأمنية وتجلس علي كثبان رملية متحركة الأمر الذي يجعلها بيئات خصبة لتنامي وصعود التطرف الديني العنيف والإرهاب خاصة وأن هذه الدول تحولت لمناطق صراع إقليمي ودولي وساحات للتنافس بين عدد من الأقطاب والمحاور وهو «عامل تهييج» مساعد لاتساع رقعة الإرهاب يرفع من حالة الإحماء لدى الإرهابيين.

فحركة الشباب الصومالية حينما زحفت نحو إثيوبيا لفرض وجودها في الإقليم الصومالي بقوة السلاح لم يكن ذلك اتجاها لتعويض خسائرها في الصومال – كما يتردد – بقدر ما هو تنفيذ لإستراتيجية القاعدة وخططها ووفاء لتنفيذ «وصيًة» بن لادن لبناء خارطة انتشار جديدة علي نطاق أوسع لتكون قوة إقليمية في بلدان تنخر داخل أجسادها الحروب الأهلية والنزاعات القبلية والنهب المسلح وانتشار السلاح وأصبحت سوقاً لاستهلاك المخدرات ودول معبر لتجارة البشر والهجرة غير الشرعية وغسل وتمويل الإرهاب.

وتشكل هذه الظواهر أبرز نسخ الجريمة المنظمة عابرة الحدود يتكامل معها الإرهاب ممثلاً في عدد من الجماعات المسلحة «عالية الخطورة» في مقدمتها حركة شباب المجاهدين الصومالية التي تنشط خلال هذه الفترة في أكثر من موقع واتجاه، والسودان ليس استثناء.