Friday , 29 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

(مروي بوكشوب )…كيف انطفأت منارة ثقافية شامخة

"مروي بوكشوب".. اغلاقها ترك حسرة في نفوس الالاف

خاص : سودان تربيون

هل اشترى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” العقار الذي يضم مكتبة “مروي بوكشوب” ثم أرسل أمراً لصاحبة المكتبة بالإخلاء؟

هكذا بدأت هذه السردية بذات هذه المضامين تسري في وسائل التواصل الاجتماعي، تويتر، فيس بوك، واتساب، قبل أن تتلقفها صفحاتٍ غَاصّة بالمتابعين فتبثها ضمن ما تنشر من الأخبار ليتسع مدى تداولها ورواجها، فما هي حقيقة الأمر، وهل حقاً أخليت المكتبة بأمر قضائي، ومتى كان ذلك ومن هو المالك الحقيقي للمكتبة الشهيرة وهل حقاً ثمّة صلة لقائد الدعم السريع بالأمر؟

في الطريق إلى استجلاء الحقيقة، لن يخطئ الآذان همس المدينة الذي يدور متصاعداً حول استحواذ آل دقلو على عمارة الشيخ مصطفى الأمين في صفقة تجارية ضخمة، يقترن ذلك الهمس بإشارة إلى ما يعتبره الناس لهفة شخصية لدى “حميدتي” للاستحواذ على العقارات، يستشهدون بقرينة استيلائه على بعض دور ومقار المؤتمر الوطني المحلول ومعسكرات ومقرات هيئة العمليات التي كانت تتبع لجهاز أمن البشير، يعضدون جميع ذلك بالإيماء لإصداره في أبريل 2022 قراراً قضى بإنشاء مفوضية خاصة بأراضي وعقارات الدعم السريع.

لكن “مروي بوكشوب” لا تقع في عمارة الشيخ مصطفى الأمين، كما أنّ السيدة “إخلاص صبحي” ليست صاحبة المكتبة وإنما تشغل منصب المدير العام فيها، تبدو هذه أولى الحيثيات التي تخلخل بناء السردية التي نسجت حول إغلاق المكتبة.

نحو خواتيم عقد الستينات من القرن الماضي افترع “إسكندر فهمي جرجس” نشاطه الخاص في تجارة الكتب، وافتتح مكتبةً أضحت تزوّد الشركات والمؤسسات التعليمية والهيئات الحكومية بمجموعة واسعة من القرطاسية واللوازم المكتبية والمواد التعليمية والكتب والمجلات، وقد وقع اختياره على عقار في السوق الإفرنجي على ناصية من شارع البرلمان، استأجره من الجالية اليونانية ليكون مقراً لها وأطلق عليها اسم “مروي بوكشوب” مع الإرث الحضاري الضارب في القدم الذي يحمله اسم مروي، كانت ثمّة وشائج وحنين خاص يشدُ المؤسس إلى تلك الأنحاء، شمالي السودان، حيث عاشت أسرته ردحاً من الزمان هنالك بمدينة قنتي التي كانت تتبع، إدارياً آنئذٍ، لمركز مروي.

لكن المكتبة التي ازدهرت أعمالها ونمى نشاطها التجاري والثقافي أتى عليها حين من الدهر اضمحلت وأصابها أثر من التدهور الاقتصادي المريع الذي أطبق على كافة جوانب الحياة في السودان، هكذا عبّرت، لأول مرة، في مايو من العام 2015 تغريدة نشرها على تويتر “محمد على” حيث قال: ” دعوة لإنقاذ أعرق مكتبة في السودان، لكيلا تتحول مروي بوكشوب إلى كافتيريا أو بقالة” وأتبع حديثه بالقول: “إنّ مروي بوكشوب، حذّرت من أنّ تراجع القوة الشرائية للكتب وشح مرتادي المكتبة سيضعها أمام محك الاغلاق وهجر نشاطها”.

في حديث خاص لـ “سودان تربيون” قال الحاج محمد الأمين المدير العام والمالك لمكتبة سنترال بوكشوب التي كانت تجاور مروي بوكشوب قال: “إنهم منذ نحو ثلاث سنوات واجهوا جميعاً ذات الظروف التي أدت لإغلاق مروي بوكشوب، بعد أن انتقلت ملكيّة العقار الذي يضم هذه المكتبات لمالك جديد، عرّف عنه بأنه دكتور يقترن بزوجة إغريقية”.

واستطرد الحاج الأمين: “رفع المالك الجديد قيمة إيجار المكتبات إلى (1000) دولار قبل أن يصل الأمر إلى ساحة القضاء حيث توصل هناك هو ومحاموه إلى تسوية بأن يفسح له في العقد مدة عام يغادر بعده العقار.”

أغلقت مروي بوكشوب أبوابها فيما انتقلت سنترال بوكشوب إلى موقع جديد لكنها لا تزال تعاني وفق ما يصور الحاج الأمين قائلا: “الآن أكثر مبيعاتنا من الكتب المدرسية ومقررات الجامعات، لكنني أحمل التزاماً ثقافياً، لن أغلق هذه المكتبة أبداً مهما يبلغ الركود، آتي إلى هنا في بعض الأيام لاستعرض الكتب على رفوفها وأعود بلا مبيعات.”

في سبتمبر من العام 2020 كتبت أ.د. أحمد إبراهيم أبو شوك مقالاً على صحيفة سودانايل تحت عنوان: “مروي بوكشوب: فصلٌ محزنٌ في تاريخٍ تليدٍ” جاء فيه: “بعد سبع سنوات من وفاة إسكندر، بدأت مكتبة مروي تواجه شبح الإغلاق، إذ تراجعت القوة الشرائية وانحسر الطلب على الكتب، وخُفِّضت القوة العاملة بنسبة 50%، وأوقفت إدارة المكتبة استيراد الكتب نسبة لتراجع الطلب عليها، مع انخفاض سعر الجنيه السُّوداني مقابل الدولار. وبعدها تعرضت المكتبة إلى نزاع قضائي لإخلاء المقر الذي نشأت فيه، وأخيراً أجبرت قوات من الشرطة إدارة المكتبة على إخلاء المقر في 11 فبراير 2017م، تنفيذًا لحكمٍ قضائيٍ بنزع العقار من “الجالية اليونانية” في الخرطوم”.

كان السفير جمال محمد إبراهيم هو السابق إلى نعي “مروي بوكشوب، إذ نشر في ذات الصحيفة مقالاً بتاريخ: 5 أكتوبر، 2017 تحت عنوان: “حينَ تختبئ المَديـنـةُ في المَكْتـبـَة” أثبت فيه شهادته على ما جرى حين قال: “كنت أصدرتُ روايتي “دفاتر القبطيّ الأخير” أواخر عام 2016، وكعادة أكثر الكتّاب سعيت لأدفع بنسخٍ منها إلى الأستاذة إخلاص صبحي التي تدير “مكتبة مروي”، بعد رحيل صاحبها العزيز “جرجس”. وبعد مضي بضعة أشهر، ذهبت إلى “مكتبة مروي” لأراجع مبيعات روايتي، فراعني أنّ المكتبة نفسها لم تعد في مكانها، بل علمت أنه تم طرد المكتبة طرداً مبينا. رأيت أكداس الكتب ملقاة أمام شارع البرلمان ومقر المكتبة مغلق، وأن شهادة وفاة قد صدرت لـ “مكتبة مروي” التي عرفناها شامخة في ذلك المكان، منذ أكثر من ثلاثين عاماً”.

صفحة قناة (سودان بكرة) التي تلقّفت الأخبار الزائفة فور ظهورها وقامت بنشرها سارعت لإصدار اعتذار وتصحيح، جاء فيه: “نشرنا في صفحة القناة خبراً عن إغلاق مكتبة مروي بوكشوب بعد شراء آل دقلو للمبنى، وقد تأكدنا أن هذا الخبر بشكله السابق غير دقيق، فقد أغلقت مروي بوكشوب أبوابها سنة 2017 بعد صدور أمر قضائي بنزع العقار الكائنة فيه (في شارع البرلمان) من أصحابه اليونانيين وأمر الشرطة السودانية لأصحاب المكتبة بإخلائها. وقد نقل القائمون على أمر المكتبة بعد وفاة صاحبها المرحوم إسكندر فهمي الكتب حينها (2017) إلى مخازن في عمارة الشيخ مصطفى الأمين.

نشأ الربط بين “مكتبة مروي” ومحاولات استحواذ “حميدتي” على عمارة مصطفى الأمين من خلال عملية نقل الكتب في وقت سابق وتخزينها في مستودعات بتلك العمارة، وإذ بعثت صفقة الشراء التي كان آل دقلو أحد أطرافها فقد جرى خلط الوقائع على النحو الذي تم من خلاله نشر تداول أخبار زائفة عن إخلاء وإغلاق مكتبة مروي بواسطة آل دقلو ابتداء بعد تمام صفقة بيع العقار.

لم تعد مروي بوكشوب هناك، كما توقف مالك مكتبة سنترال عن زيارة الموقع الذي كان يحتضن تلك المكتبات في شارع البرلمان، لأن الأسى يعتصر قلبه كلما رأى مقارها مؤصدة، وساحتها مقفرة، وتلك حالة شعورية تسري على كثيرين من كُتّاب وقراء ومثقفين كانت تجمعهم تلك المكتبات.