سيادة أحكام القانون في النيابة العامة
احمد سليمان العوض عبد الله
مبدأ المشروعية يعني بوجه عام سيادة أحكام القانون في الدولة بحيث تعلو أحكامه وقواعده فوق كل إرادة سواء كانت إرادة حاكم أو محكوم وتعلو كذلك فوق الأهواء والإغراض والأعراض والأمراض.
والمقصود هنا كل قاعدة قانونية ملزمة أياً كان مصدرها الدستور أو التشريع العادي ولهذا ذهب الفقه إلى تقسيم الحكومات من حيث مدى خضوعها لمبدأ المشروعية وسيادة حكم القانون إلى حكومات استبداديه وحكومات قانونية.
فالحكومة الاستبدادية أو (الدولة البوليسية) تكون إرادة الحاكم هي القانون الذي يلتزم به الأفراد في حين أن الحاكم نفسه يرفض مبدأ خضوعه للقانون.
أما في الحكومات القانونية تكون تصرفات الحكومة خاضعة لقواعد القانون مثل تصرفات المحكومين.
وفي الحكومة الدكتاتورية يكون الإعلان عن سيادة حكم القانون وهمياً، ذلك لأن الحاكم الديكتاتور بما يملك من سلطة مطلقة مركزة في يديه وحده يستطيع أن يملي ويفرض مباشرة أو بطريق غير مباشر قانوناً متميزاً ليحكم أعماله ونشاطه في حين أن مثل هذا القانون يمنحه كل السلطات والامتيازات بدون قيود حقيقية أو بقيود شكليه ووهمية،فلا أهمية هنا لمبدأ المشروعية ولا وجود حقيقي له في نظام مطلق تكون فيه إرادة الحاكم هي القوة الوحيدة المسيطرة علي الدولة.
إن خضوع الحكومة للقانون يعني هنا الحكومة بمعناها الواسع الذي يشمل السلطات العامة الثلاث (السلطة التشريعية والتنفيذية والسلطة القضائية).
من خلال ما أشرت إليه يمكن تحديد شروط ثلاث لابد من توافرها لكي يوجد ويتحقق مبدأ المشروعية وهي علي التعاقب: (الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات التحديد الواضح لسلطات واختصاصات الإدارة وأخيرا وأهمها وجود رقابة قضائية فعالة.)
إن وجود الرقابة القضائية الفعّالة يُمثل الضمانة الحقيقة الوحيدة لاحترام المشروعية أو سيادة حكم القانون وما أهمية وجود ضوابط وقيود قانونية على نشاط الإدارة والهيئات إن لم تخضع هذه الهيئات التنفيذية لجهة قضائية تُراقب احترامها لهذه القيود والجوهر كله أن تكون الرقابة القضائية علي قدرٍ فعّال ولايمكن تحققها إلا في ظل نظام قضائي مميز.
إن غاية القرار الإداري هي الهدف المراد تحقيقه بإصدار القرار فالغاية من قرارات الترقي لاتهدف إلى وضع شخصٍ ما في المركز القانوني الخاص بهذه الوظيفة وإنما تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، ويجب على الإدارة أن تستهدف المصلحة العامة للدولة في كل قراراتها.فإن سعى مصدر القرار للانتقام من بعض الأفراد أو تحقيق مصالح شخصية أو أغراض خاصة أو سياسية وقع القرار باطلاً ومعدوماً لعيب الانحراف بالسلطة وجوهره هنا أن يستند مُصْدر القرار إلى القانون من حيث الظاهر لمخالفة أحكامه من حيث الباطن.تماماً كما ورد في القرار 334 لسنه 2022م الخاص بترقيات أعضاء النيابة العامة بناء على توصية النائب العام المكلف.
إن استناد القرار على أحكام المواد 21 و 22 و23 و24و25 من قانون النيابة العامة والمادة 35 والمراسيم الدستورية ولائحة تنظيم أعمال مجلس السيادة في غير محله،ذلك لأنه لايوجد مجلس سيادة انتقالي أساساً بعد إعفاء المدنيين ولاصفة دستورية أو قانونية تمكنه من إحداث تغيير، والأخرى إن نص المادة 35 من القانون تجري به الترقيات علي أساس الكفاءة مع مراعاة المؤهل العلمي والاقدمية فالأساس الذي يبنى عليه الترقي الكفاءة المهنية والأداء غير أن الكل يعلم كيفية توصيات النائب العام المكلف وآلياتها وليس ذلك بغريب ولا حاجه لي في تبيان ذلك مع أكيد احترامي لزملائي المستحقين للترقية عن كفاءة وأداء.
لم أكتب هذا المقال اهتماما بالترقية فهي على أية حال لن تدخل بنا حضرة الله ولا تُقدّم ولا تؤخر والتخطي في الترقي يزيدني شرفا ولا يمثل سبباً للكتابة عن حال النيابة العامة وعجزها عن تحقيق العدالة غير أن التظلم المستمر داخل مؤسسة عدلية بالترهيب بقرارات (العزل والنقل) وانعدام سيادة أحكام القانون فيها يؤكد العجز الكامن وسوء الإدارة ولن يتحقق معه على الإطلاق إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة الجنائية ولن يجدها الناس واقعاً ولا يتصور أن تَلِدَ القِردةُ غُزلاناً.
الذي يجب أن يَنْصّب عليه جوهر التركيز هو مدى استقلال أجهزة العدالة والتحقيق الجنائي عن تبعيتها للسلطة التنفيذية لأنه إن سَلِمت المَركب نجا بالضرورة من فيها.
عضو النيابة العامة
30 يوليو 2022