علي كرتي من مرحلة الدعوة السرية إلى العلنية
ياسر عرمان
التقيت الاستاذ الصحفي والكاتب محمد محمد خير في مارس ١٩٨٤ بسجن كوبر وامضيت عاما في السجن معه، وكنت اتناول الطعام طوال هذه المدة في مجموعة ضمت المناضل الكبير الراحل التجاني الطيب بابكر، أحد بناة الحركة الديمقراطية السودانية، والأستاذ فوزي امين، والراحل جوني جوك، والاستاذ هوث قور. وقد كانت مجموعتنا تعقد جلسة استماع مسائية بعد وجبة العشاء مع الاستاذ التجاني الطيب حول تجربته في سباق المسافات الطويلة. توثقت الصلة بيننا والآن يعاني محمد محمد خير من داء الم به في السنوات الماضية متمنيا له الشفاء العاجل مع نديهة أم شايقية: “أنت بالعافية التشيلك في المصارين تبقالك هدم ونعلين”.
رأيت صورة محمد محمد خير والسيد علي كرتي في مجموعة (صحافسيون) يعاوده في مكان إقامته، ومن الواضح ان الصورة تنطق بلسان فصيح أكثر من المعاودة، وفي زمان جمر الشهداء و الشباب ودمائهم شديدة الوهج. والصورة ببساطة تقول إن السيد علي كرتي قد أكمل مرحلة الدعوة السرية وهو في الطريق لمرحلة الدعوة العلنية، والصورة في بريد كل من يهمه الأمر. وعلي كرتي امينا عاما لحركة اسلامية نصف حاكمة ولم يتبقي له إلا أن يكتب في الصورة: اللهم اكفنا شر الحاسدين والراصدين.. واكمل لنا النصف المتبقي من سلطتنا بعيدا عن الشعب وعن كرادلة الحركة الإسلامية في السجون إنك سميع مجيب يا أرحم الراحمين.
١. كرتي تحت جنح الانقلاب:
السيد علي كرتي صاحب راي داخل الجماعة يغرد احيانا خارج السرب والقطيع، يتحدث بهدوء وذو صلة بالنظام الخاص للجماعة ومصادر قوتها ولكنه لم يأتي من فضاء مفتوح من فضاءات الجماعة أو السودان، واتي تحت جنح انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر وربما إنه قد قام بانقلابه الخاص داخل الجماعة نفسها قبل انقلاب ٢٥ أكتوبر، وقد أصبح (صاحب انقلابين)، ولكن المناخ الذي يحيط به وبالجماعة هو مناخ ثورة عميقة الاثر سيما مسيرتها التي بدات من الاعتصام، وتشهد اتساع المشاركة في الريف والمدن ودخول ملايين الديسمبريين والديسمبريات إلى دائرة الفعل السياسي محطمين روح الياس والخنوع التي زرعتها الإنقاذ. الجماعة خالية الوفاض إلا من البحث عن السلطة دون فكرة وهدى هل هي لما مضي أم لأمر فيه تجديد! متجاهلين بالكامل ما تم من تغيير واستراتجيتهم الوحيدة هي التلاعب بالانقسامات الاجتماعية والسياسية واشعال صراعات القبائل واستخدام اجهزة الدولة وتناقضات المجتمع لتخويف الناس حتي يأتي اليوم الذي يتمني فيه الناس نعيم الشمولية والامن عوضا عن جحيم الثورة، والثورة بريئة من تدابيرهم.
٢. سياسة حافة الهاوية والقضاء على أجندة الثورة:
تقوم مجموعات الاسلاميين من قوى النظام البائد هذه الايام بحملة واسعة في الدعوة لترسيخ مخالب الاثنية ويشنون حملة واسعة حول شرور الثورة تتولاها شخصيات معروفة في وسائل التواصل الاجتماعي، ويتحولون رويدا رويدا إلى منبر (للسلام العادل) في الدعوة لتمزيق السودان وكل ذلك في توزيع دقيق للادوار ومنصات التواصل الاجتماعي لاشاعة الذعر وسط المواطنين وإثارة الفتن ما ظهر منها وما بطن، واختراق صفوف الثوار وادخال الريف في حروب اثنية، وهو مخطط يعتمد على سياسة حافة الهاوية وجعل أسوأ الخيارات هي افضلها للإنسان العادي الذي يبحث عن لقمة العيش والامن. وفي ذلك استخدمت كل الاساليب بما فيها (9 طويلة)، واستخدمت اجهزة الدولة نفسها لضرب النسيج الاجتماعي، وهذا مخطط لن يحله إلا خروج ملايين السودانيين والسودانيات لتحدي هذا المخطط وتحويله من كارثة إلى منفعة.
٣. دولة البحر والنهر:
دعت شخصيات معروفة من محاسيب النظام البائد لقيام دولة البحر والنهر بتحالف اثني بين سودان النهر وسودان البحر متجاهلين إن النهر يتمتد إلى نمولي وقيسان وإن البحر يمتد إلى الصومال والعقبة، وإن في ذلك ازدراء لارث الحركة الوطنية الحديثة الباحثة عن وحدة السودان منذ الثورة المهدية إلى ثورة ١٩٢٤، وهل لنا بالأمير عثمان دقنة والزعيم علي عبد اللطيف؟! وهي محاولة لتفتيت قوى الثورة في النهر والبحر، والانفراد بالآخرين. ولكن للنهر والبحر رب وثورة تحميهما، وشعارها (كل ارجاءه لنا وطن)، وتسعي لبناء سودان يسع الجميع، ومن المؤسف خروج أسماء جديدة تدعم هذه الدعوات.
٤. محاولة توسيع الشقة بين الجيش والدعم السريع:
يسعى محاسيب النظام البائد منذ زمن للوقيعة بين الجيش والدعم السريع، ويسعون بين الطرفين لايقاظ الفتن وايصالهما لحافة الهاوية والصدام بغية الإمساك بالسلطة، ويطرحون على الطرفين مشاريع اثنية وجغرافية قاصرة عن ان تشكل مشروعا وطنيا كاملا، ويهيئون المناسبات الإجتماعية والسياسية لإظهار إن الطرفين ينتميان إلى بقعة دون غيرها ويعززون خطاب الكراهية ويتلاعبون في منطقة استراتيجية شديدة الخطر على المصالح الوطنية، وعلينا جميعا الوقوف ضد أي دعوة للوقيعة والفتنة بين الجيش والدعم السريع دون التنازل عن التصدي لانقلاب ٢٥ أكتوبر، والدعوة لإصلاح وبناء القوات المسلحة، وهذا لا يعني مطلقا الدعوة إلى تفكيكها بل للوصول إلى جيش مهني واحد يعكس التنوع السوداني ولا يخوض حروب الريف. إن قضية حل إشكالية العلاقة بين الجيش والدعم السريع لن تحل إلا بابتعاد الطرفين عن مواجهة الجماهير وقوى الثورة ووضع حدا لانقلاب ٢٥ أكتوبر والقبول بحكم مدني ديمقراطي. وهذه القضية علينا دائما أن نسعى لحلها دائما باللسان وليس بالأسنان.
٥. جوهر الدعوة لتفكيك السودان:
الدعوة لتفكيك السودان تنطلق الآن من منصات الاسلاميين من محاسيب النظام البائد، وهم في ذلك يغلبون الوصول إلى السلطة على وحدة السودان كما فعلوا من قبل، وهذه قضية تستدعي دخول المفكرين والمثقفين وكافة الوطنيين من السودانيين والسودانيات وجموع شعبنا بالانحياز لاجندة الوحدة في التنوع والمواطنة بلا تمييز حتي تتراجع هذه الدعوات وأن لا نتراجع عن موقفنا من وحدة السودان. إن التنوع موجود في كل منطقة من مناطق السودان والانتقاص من التنوع التاريخي والمعاصر ورفض حق الآخرين في ان يكونوا آخرين هو الذي انتقص من جغرافية السودان من قبل.
وثبت من تجربة الجنوب إن الانفصال لن يحل قضية التنوع، وخلف كل جنوب قديم جنوب جديد.
٦. حركات الكفاح المسلح النداء الاخير قبل الاقلاع:
حركات الكفاح المسلح في دارفور والمنطقتين وكل السودان ذات قضايا عادلة، من وقع منها ومن لم يوقع، وقد وضعت قيادات الحركات التي وقعت إتفاق جوبا- إلا من رحم ربي- وضعت نفسها في وضع محرج ومقلق، ذهب بعضهم إلى حد المشاركة في دعم الانقلاب والوقوف ضد التحول المدني الديمقراطي الذي هو جوهر اتفاقية السلام وجوهر المواطنة، وقد ان الأوان لتتوافق هذه الحركات على موقف سياسي بديل يدعم التحول المدني الديمقراطي، وأن تضع نفسها كقوى مساندة لهذا التحول امتدادا لتضحياتها الطويلة ضد نظام المؤتمر الوطني، وأن ترجع لقواعدها وأن تلعب دورا ايجابيا لتجاوز المازق الوطني فالانقلاب يلاحقها في دارفور والمنطقتين. واستعداء قوى الثورة يجعلها في موقف ضعيف ويحرمها من كل تعاطف داخلي، والدخول في حوار عميق مع قوى الثورة يكسر عنها طوق العزلة الذي فرضته على نفسها، وطريق السلام هو طريق دعم الاجندة المدنية الديمقراطية سيما وان هامش وريف السودان قد عبر بالصوت والصورة مرارا وتكرارا عن مشاركته الفاعلة في اجندة الثورة، وهو ما حدث مؤخرا في ٣٠ يونيو ٢٠٢٢ سيما في دارفور والمنطقتين وشرق السودان، واصحبت معظم قيادات الكفاح المسلح تطفو كالزيت فوق دائرة الماء التي هي الجماهير.
٧. وحدة الكتلة الحرجة من قوى الثورة:
وحدة الكتلة الحرجة من قوى الثورة هي العبد والمعبود والمعبد، ودماء الشباب الشهداء شديدة الوهج و(سدا منيعا هى بطلوا الغلبة)، دون وحدة قوى الثورة في مركز ميداني تنسيقي اولا وفي مركز سياسي موحد يضم لجان المقاومة والناى عن تقسيمها، والقوى السياسية والمجتمع المدني وحركات النساء والشباب والطلاب والتجمعات النقابية والمهنية تحت مظلة واحدة وراية واحدة هي هزيمة الانقلاب لتعديل موازين القوى وبناء جبهة مدنية بإسم جديد وهيكل جديد تستفيد من تجارب الماضي مثلما يفعل الأطباء الآن ومحامي الطوارئ باختلاف انتماءاتهم السياسية، وهي تجربة يمكن أن تطور إلى مركز ميداني يقود المقاومة، وما حك جلدك مثل الجماهير.