الفعل ورد الفعل تجاه خطاب الفريق البرهان
الشفيع خضر سعيد
النقطتان الجوهريتان في خطاب الفريق البرهان، مساء الإثنين الماضي، هما انسحاب المؤسسة العسكرية من المفاوضات الجارية حالياً في البلاد بشأن الأزمة السياسية، والتي تنتظم برعاية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي والإيقاد، وأنه بعد تشكيل الحكومة التنفيذية الجديدة، كإحدى مخرجات المفاوضات الجارية، سيتم حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس عسكري أعلى يضم القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، كقيادة عليا للقوات النظامية ويكون مسؤولاً عن مهام الأمن والدفاع بالاتفاق مع الحكومة التــــي سيتـــــم تشكيلها فورا ومباشرة بعد انتهاء الخطاب بدقائق قليلة، جاءت ردود الأفعال عليه في سرعة مذهلة ومدهشة، معظمها رافض ومستنكر ومتشكك ويرى الخطاب مناورة ومراوغة، مما يعكس حالة عدم الثقة تجاه قيادة المؤسسة العسكرية، والتي برزت إلى السطح في الحادي عشر من أبريل/نيسان 2019، ثم ظلت تزداد وتتراكم لتتضاعف إثر مذبحة فض اعتصام ميدان القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019، وتضاعفت أكثر إثر انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر/تشرين الأول 2021، واستمرت في تصاعد مستمر بسبب الإجراءات والممارسات التي تمت بعد الانقلاب، وعلى رأسها جرائم اقتناص وقتل شباب الثورة. وكل ذلك يعني أن حالة عدم الثقة هذه لها أسس ومبررات موضوعية مشروعة. وإذا كان رد الفعل الفوري واللحظي متوقعا من الأفراد والمعلقين على الأخبار، فإن المتوقع، أو المفترض، من القوى السياسية والمدنية المنتظمة في مؤسسات، التريث حتى دراسة الأمر في أجهزة المؤسسة، لأنه أمر يرتبط بوضع مأزوم، مقلق وخطير، في البلاد، وأن المنتظر من هذه القوى ليس مجرد رد فعل يكتفي وينحصر في التعليق، وإنما تحديد موقف وفعل استباقي لما يمكن أن يحدث بعد ذلك، ولما يمكن أن تتسلح به الحركة الجماهيرية. نلاحظ أن بعض القوى تعامل مع محتوى الخطاب باندهاش وكأنه أتى بجديد عجيب في حين أن ذات المحتوى يمثل إحدى السيناريوهات المتداولة والمطروحة على مائدة التفاوض، والبعض الآخر طفق يعدد نواقص الخطاب وعدم وضوحه في هذه النقطة أو تلك، وكأنه يطالب بخطاب جديد يراعي ملاحظاته هذه ويأتي بالفعل المنشود لتجاوز الأزمة الراهنة!
عموما، إذا كان لابد من تعليق من جانبنا، فنكتفي بالقول إن الخطاب جاء نتيجة للضغط الجماهيري المتصاعد والمتواصل منذ أكثر من ثمانية شهور، ونرى بضرورة أن تتخطى القوى السياسية والمدنية مرحلة التعليق والبحث عن طبيعة ومرامي خطاب البرهان، والتحرك سريعا لاتخاذ فعل، وليس رد فعل، في اتجاه تصفية الانقلاب واستعادة مسار الفترة الانتقالية كما رسمته ثورتنا المجيدة، والتعاطي الإيجابي مع المبادرات التي تطرحها لجان المقاومة اليوم. وفي هذا الصدد، نسهم بالمقترحات التالية:
أولا، بذل أقصى جهد ممكن لتخطي حالة التشرذم والانقسام بين قوى الثورة والعمل على توحدها وفق صيغة جديدة للعمل المشترك. وفي هذا الصدد نرى أن إعلان الأول من يوليو/تموز الموقع من 23 هيئة مدنية يسير في الاتجاه الصحيح، ويجد منا كل الدعم والمؤازرة. كما نرى ضرورة استعادة الجو الصحي للعلاقة بين القوى السياسية والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا، وأيضا ضرورة تقديم مبادرة فورية لبدء حوار مباشر مع الحركة الشعبية لتحرير السودان/عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان/عبد الواحد محمد نور، حتى تشارك الحركتان في صياغة فعل استعادة مسار الفترة الانتقالية.
ثانيا، أن تتقدم القوى السياسية والمدنية بمشروع إجراءات دستورية جديدة يتم بموجبها تعديل الوثيقة الدستورية الحالية أو اقتراح وثيقة دستورية جديدة، وجوهرها القطيعة التامة مع صيغة الشراكة التي كانت قائمة وأثبتت فشلها، وأن تكون السلطات السيادية والتنفيذية كاملة في أيدي كفاءات مدنية غير حزبية، وإعادة تشكيل الهيئات العدلية، والمفوضيات القومية المستقلة، ومجلس الأمن القومي، مع التحديد الدقيق للمهام والصلاحيات، بما في ذلك مهام وصلاحيات المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ثالثا، التوافق مع لجان المقاومة حول تشكيل مجلس تشريعي انتقالي، يتولى تأسيس مؤسسات الحكم الانتقالي بالتوافق، ثم يضطلع بمهام التشريع والرقابة، على أن يتكون المجلس من كل القوى ما عدا المؤتمر الوطني وتوابعه.
رابعا، بالنسبة لمهام الفترة الانتقالية، والتي نقترح أن تكون مدتها عامين، نرى، كأولوية رئيسة، تنفيذ المهام التالية: 1- مراجعة كل الإجراءات التي تمت بعد 25 اكتوبر/تشرين الأول 2021. 2- التعجيل بإكمال التحقيق في الأحداث التي جرت أثناء التظاهرات والمواكب خلال الفترة الماضية وخاصة بعد الانقلاب، وتقديم الجناة للمحاكمة. 3- مواصلة تفكيك نظام الإنقاذ، بعد إعادة هيكلة لجنة «تفكيك وإزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو/حزيران»، ورفدها بالخبرات والكوادر القانونية المؤهلة، مع تفعيل لجنة الاستئنافات لمراجعة قرارات اللجنة وفقا لدرجات التقاضي المتعارف عليها. 4- إعمال العدالة لمحاكمة كل من ارتكب جرما في حق الوطن والمواطن من أركان النظام البائد. 5- تقديم كل الدعم المطلوب للجنة التحقيق الوطنية التي تحقق في الجرائم التي ارتكبت في الثالث من يونيو 2019 (فض الاعتصام) وتوجيهها للإسراع في إنجاز مهمتها. 6- الشروع في تنفيذ متطلبات وإجراءات العدالة الانتقالية بالتنسيق مع مبادرات أسر الشهداء والضحايا. 7- إعادة هيكلة كل أجهزة الدولة بصورة تعكس قوميتها وعدالة توزيع الفرص وفق شروط الكفاءة والأهلية، على أن يتم ذلك بإشراف المجلس التشريعي الانتقالي. 8- مواصلة تنفيذ اتفاق سلام جوبا وفق أولويات يتفق عليها، والسعي لاستكمال السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال، وحركة تحرير السودان. 9- عقد مؤتمر خاص بقضية شرق السودان. 10- إيقاف الاقتتال وإجراء المصالحات، تمهيدا لعقد مؤتمر خاص بدارفور. 11- وضع برنامج اقتصادي يلتزم بالدور الاجتماعي للدولة، واستعادة العلاقة مع المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة. 12- تحسين علاقات السودان الخارجية والابتعاد عن المحاور، مع التركيز على دول الجوار. 13- عقد المؤتمر القومي الدستوري خلال النصف الأول من العام الثاني من عمر الفترة الانتقالية. 14- تنظيم الانتخابات.
نقلا عن القدس العربي