Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الرقص على جثة وطن 

الجميل الفاضل

الجميل الفاضل

الروائي الطيب صالح مثقف منصف وحصيف، لا شك في عقله وسويته.. اطل يوما “نحو أفق بعيد” على جدار مجلة “المجلة”.. وبعد أن أعاد البصر كرتين، قفز من دخيلة نفسه المعتقة العميقة، سؤال مستفز، مزلزل وعنيف.. سقط كحجر ثقيل على بركة العقل الساكن.

إذ ظل السؤال (من أين جاء هؤلاء؟) يتردد صداه المجلجل في كل فضاء، منذ تسعينات القرن الماضي، والي يومنا هذا.

ولكي نناقش اليوم سؤالا ظل حاضرا، رغم غياب سائله.. لابد أن نرى من هم “هؤلاء” الذين أراد الطيب صالح معرفة من أين أتوا؟، ومن أي كوكب هبطوا؟ وكيف صاروا الي ما صاروا إليه الان، وقبل الان؟.

شروط الانتماء الطبيعي للسودان عند اديبنا الراحل، شروط بسيطة بساطة الحياة السودانية نفسها، يكفي فقط ان ترى الي اي مدى تنطبق الإجابة بنعم أو لا، علي تساؤلات استمارة الطيب صالح المفتوحة.

تردف تلك الاستمارة سؤالها المفتاحي (من أين جاء هؤلاء؟) بتساؤلات معيارية فرعية تضيء وجه الطريق لمن يريد التعرف على “هؤلاء” الذين يعنيهم اديبنا عن كثب.

يتساءل الطيب صالح المفجوع بسوء فعالهم في العشرية الأولى من عمر سلطانهم الذي امتد لثلاثة عقود او اكثر: (اما ارضعتهم الأمهات والعمات والخالات؟، اما اصغوا للرياح تهب من الشمال والجنوب؟، اما رأوا بروق الصعيد تشيل وتحط؟.

الا يحبون الوطن كما نحبه؟، اذن لماذا يحبونه وكأنهم يكرهون؟، ويعملون على اعماره وكأنهم مسخرون لخرابه؟).

والي ان يبلغ الطيب صالح مربط خيلهم الذي حوله يدندنون، بالسؤال الأعمق.. (أما زالوا يحلمون ان يقيموا على جثة السودان المسكين، خلافة إسلامية يبايعها اهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب؟، من أين جاء هؤلاء الناس؟، بل من هؤلاء الناس؟).

من كبري ازمات هؤلاء “الاخوان”، انهم لم يقدروا انسان السودان كنموذج بشري مختلف حق قدره،

فالسودان هو موطن الفطرة الأولى، وانسانه هو ترجمانها الحي بلا منازع.

تدينه يصدر عن ذاته ودواخله ووجدانه، يعيش دينه سلوكا حيا، ومعاملة قيمية صادقة.

لكن رغما عن ذلك صمم الاخوان في بادي عهدهم، على وقع شعار نازي قديم رسالة عنوانها “إعادة صياغة الإنسان السوداني”، رسالة جازفوا برميها في البريد الخطأ في العام (٨٩).

ولحكمة يعلمها الله لم يتلقوا ردا على رسالتهم تلك، سوي بعد ثلاثة عقود كاملة.. ردا جاء صاعقا ومزلزلا، خرج في صورة ثورة مكتملة العناصر والاركان.

ومن سخريات القدر ان هذا الرد المذهل، سطره جيل خرج من الارحام في غضون ما جري من محاولة لاعادة صياغة الإنسان هنا، وفق نمط التدين الشكلاني والشعاراتي، الذي يتسق مع المعتقد الاخواني للدين.

وبدا كأن هذه الأعوام الثلاثين قد رسمت فيما يشبه البرمجة العكسية.. إعادة صياغة لهذه الحركة نفسها من حيث لا تدري ولا تحتسب، والي غير ما كانت تشتهي وتظن بالطبع.

ان ثورة ديسمبر المجيدة جاءت كأقوي خطاب رد على رسالة التنظيم الاخواني، التي ارسلها الى البريد الخاطيء، ذات الرسالة الخاطئة التي لا زال التنظيم يصر على إعادة إرسالها الي ذات البريد الخطأ، في أبريل ٢٠١٩، وفي يونيو من ذات العام، والي اخر نسخة من ذات الرسالة بعثها “الاخوان” في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.

حالتي

اشهد الا انتماء الان

الا انني في الآن لا