غودفري” هل يصلح ما افسده “رونتري”؟
الجميل الفاضل
ليس من قبيل الصدفة ان تقيم الولايات المتحدة اكبر سفارة لها في القارة الأفريقية بالسودان، السفارة التي تعد المقر الثاني في العالم من حيث التجهيزات بعد سفارة واشنطن ببغداد.
بل ليس من باب المصادفة بالطبع ان يكون أول سفير للولايات المتحدة يحل بهذا المقر الضخم عالى التجهيزات بضاحية سوبا هو المبعوث الامريكي الحالي لشئون مكافحة الإرهاب “جون غودفري” الذي عمل في وقت سابق كمبعوث خاص للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، فضلا عن تراسه لموظفي مكتب مدير وكالة الاستخبارات المركزية “C I A” الحالي “وليم بيرنز” إبان توليه منصب نائب وزير الخارجية في إدارة الرئيس الامريكي الاسبق “أوباما”.
المهم فان واشنطن تولي السودان الان اهتماما كبيرا لا يخفي، من خلال دعمها لجهود الآلية الثلاثية لانهاء أزمة ما بعد انقلاب البرهان، من باب حرصها على مصالحها بالتاكيد.
لكن على الولايات المتحدة ان تدرك بجدية في هذا المنعطف التاريخي الذي تمر به البلاد.. انها ليست بحاجة إلى احتلال ٤٠ الف متر مربع من أرض السودان، التي اعدتها لتكون افضل منصة دبلوماسية وربما استخبارية في افريقيا.. بقدر ما انها بحاجة لاحتلال عقول ٤٠ مليون سوداني، بشكل جيد وجديد، يرسخ لصورة ذهنية لا زالت مضطربة ومشوشة، رغم ان حالة العداء الأمريكي لنظام البشير خلال مواجهته مع الشعب، قد ساهمت في كسر حدة كراهية السودانيين لكل ما هو أمريكي.. إذ لأول مرة لم تشهر شوارع ثورة ديسمبر المجيدة الهتاف الجماهيري المحبب في أكتوبر (64) وفي أبريل (85) “داون.. داون، يو. اس. ايه” ورديفه “لن يحكمنا البنك الدولي”.
والي الان يساورني شك كبير في أن الولايات المتحدة لا زالت تفكر بانانية قاصرة، لا تمكنها من تجاوز عتبة ونمط تفكير سفيرها في ستينات القرن الماضي “ويليام. ام. رونتري” الذي لخص رأيه حول ثورة أكتوبر المجيدة في برقية للخارجية الأمريكية قائلا: (ثورة، أو غير ثورة، لقد فقدنا صديقا في شرق أفريقيا، زار الولايات المتحدة، واستضافه الرئيس كينيدي في البيت الأبيض.. وتعاون معنا في جوانب كثيرة من جوانب سياستنا في أفريقيا.. ويضيف السفير” رونتري” بحنق على التغيير الذي حدث في أكتوبر (64): ثورة، أو لا ثورة.. كان عبود رمز استقرار استمر ستة سنوات، لم يكن ديمقراطيا، لكنه كان حاكما فعالا، نفذ مشاريع كثيرة.. الي ان يقول السفير ويليام : بطبيعة الحال يظل السودانيون يبتهجون بالحرية التي حرموا منها لست سنوات.. وبطبيعة الحال، يواجهون مشاكل الحرية.. خاصة حرية جاءت فجأة.. وخاصة في بلد فقير، تعصف به الخلافات القبلية.. وينهي سفير الستينات الأمريكي برقيته بقوله: الوقت لا زال مبكرا للحكم على مستقبل السودان بعد ثورته الشعبية.. لكن يبدو أنه لن يشهد استقرارا سياسيا خاصة بسبب مشاكله الاقتصادية والقبلية سالفة الذكر).
صحيح ان هذه البرقية كانت بتاريخ 15نوفمبر 1964 الا انها ربما تفسر لنا لماذا تباطأت إدارة بايدن في دعم الانتقال الديمقراطي الهش بعد ثورة ديسمبر، بل ولماذا جاءت ردود فعل تلك الإدارة اقل عما يجب تجاه القمع الوحشي والقاتل الذي واجه به انقلاب البرهان المتظاهرين السلميين، كل ذلك ربما يرجح فرضية ان الولايات المتحدة لا زالت كما هو شأنها في الستينات، لا تهتم بمن يحكم البلاد، بقدر اهتمامها بمن يحقق لها مصالحها.. سواء كان نظاما عسكريا او مدنيا.
بيد ان على واشنطن ان تدرك الان وقبل فوات الأوان.. ان شعب السودان، شعب يختلف عن سائر شعوب هذه القارة والمنطقة.. وانه ظل شعبا “صعب المراس” يصعب كذلك التنبوء بتصرفاته.. التي اخفق سفراء واشنطن على مر التاريخ في قراءتها او توقعها كما ينبغي.
لام.. الف
ما تدي قفاك للعسكر، العسكر ما حيصونك، ادي قفاك للشارع، الشارع ما حيخونك.
حالتي
اشهد الا انتماء الان
الا انني في الآن لا