الظروف والاحداث التي سبقت انقلاب 17 نوفمبر 1958 في السودان (4)
دكتور فيصل عبدالرحمن علي طه
إرهاصات بحدوث انقلابين مختلفين في السودان
1
في شهادته أمام لجنة التحقيق في الأسباب التي أدت إلى انقلاب 17 نوفمبر 1958، قال إبراهيم عبود إنه قبل الانقلاب بحوالي شهرين دعاه عبدالله خليل لحضور اجتماع يُعقد في منزل الصديق المهدي بإم درمان. حضر الاجتماع الضباط أحمد عبدالوهاب، وحسن بشير، وعوض عبدالرحمن صغير، وأيضاً زين العابدين صالح. ذكر عبود أن الحديث تطرق إلى الموقف السياسي وشرحه الصديق المهدي حيث قال إن البلاد غير مستقرة، وإذا تم تعيين وزير دفاع من الجيش فإن ذلك قد يساعد على الاستقرار. وحسب ما جاء في شهادة عبود فإن الاجتماع انفض بدون أي اتفاق، ولم يُعقد اجتماع بعد ذلك.
2
في تاريخ لاحق بعد الانقلاب قال الإمام الصديق المهدي عن نفس الاجتماع، إنه بعد أن أفسد بعض السياسيين الحكم في البلاد نتيجة لانصياعهم مع أغراض الطامعين في التدخل في شؤون البلاد، ولضعف الائتلاف مع حزب الشعب، فلقد اجتمع في منزلي بأم درمان وأكثر من مرة السادة إبراهيم عبود وأحمد عبدالوهاب وحسن بشير وعوض عبدالرحمن لبحث ما آلت إليه الحالة وللتفكر في الانقلاب وكيف يتم. وأخيراً وبعد بحث استبعدنا فكرة الانقلاب لئلا نزج بالجيش في السياسة. ورد هذا في كتاب «جهاد في سبيل الديمقراطية» للصادق المهدي.
3
في 14 يوليو 1958 وصل إلى الخرطوم مستشار مصري جديد يدعى علي خشبة للالتحاق بطاقم السفارة المصرية في السودان. استقبله عبدالله خليل رئيس الوزراء ووزير الدفاع في 15 يوليو 1958 وعبّر له عن تمنياته له بالتوفيق. ولكن في مساء يوم 17 يوليو استدعى وكيل وزارة الخارجية السودانية القائم بأعمال السفارة المصرية وأبلغه بأن مجلس الوزراء السوداني قرر أن يطلب من الحكومة المصرية سحب المستشار علي خشبة من السفارة خلال 24 ساعة. وكان السبب تقارير البوليس السوداني عن النشاط المريب للمستشار علي خشبة.
4
يبدو أن المستشار علي خشبة كان مستميتاً للبقاء في السودان بأي طريقة ففي اليوم التالي لصدور قرار إبعاده، اتصل خشبة بمكتب وزير الحكومات المحلية لتحديد موعد لمقابلة الوزير وكان آنذاك عبدالرحمن علي طه. وعلى الفور أُبلغ بأن الوزير لا يملك صلاحية مقابلة دبلوماسيين أجانب. وإزاء إلحاحه، والادعاء بأن الزيارة خاصة، حُدد له موعد لمقابلة الوزير في عصر نفس اليوم بمنزله. لم تستغرق الزيارة أكثر من نصف ساعة، لم يسمح له الوزير خلالها بالتطرق إلى أمر إبعاده. يعتقد عبدالرحمن علي طه أنه ربما أوهم شخص ما “خشبة” بأنني استطيع التوسط لدى الإمام عبدالرحمن أو عبدالله خليل لإلغاء قرار إبعاده.
5
حري بالذكر، أن تلك لم تكن تلك المرة الأولى التي يُبعَد فيها علي خشبة من بلد عربي. فقد سبق أن أُبعِد من المملكة العربية السعودية ومن لبنان.
6
وبشأن إبعاد علي خشبة من السودان، صرح متحدث رسمي باسم وزارة الخارجية المصرية بأنه «لما يدعو إلى الدهشة والتساؤل، أن تتقدم الحكومة السودانية بهذا الطلب فجأة، وبعد يومين اثنين من تسلم السيد المستشار عمله، وأن يكون سندها في هذا التصرف ما تعللت به من ادعاء. وإن حكومة الجمهورية العربية المتحدة لتأسف أشد الأسف لهذا الطلب الغريب في هذا الوقت بالذات، ولا يسعها في هذا المجال إلا أن تسجل أن هذا الإجراء من جانب الحكومة السودانية ما هو إلا حلقة من سلسلة من تصرفات لا ترعى بها الحكومة السودانية الإبقاء على صلات الود والأخاء الطيبة التي تربط بين الشعبين الشقيقين».
7
ورداً على تصريح المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية، أصدرت وزارة الخارجية السودانية في 20 يوليو 1958 البيان التالي:
«طلبت حكومة جمهورية السودان من حكومة الجمهورية العربية المتحدة سحب السيد علي خشبة، المستشار بالسفارة المصرية بالخرطوم، وذلك لأسباب تتعلق بأمن الدولة وسلامتها.
ومن المثير للاستغراب أن وزارة خارجية الجمهورية العربية المتحدة قد أصدرت بياناً في مساء 19 يوليو أعلنت فيه بأن الإجراء الذي اتخذته الحكومة السودانية يُظهِر عدم رغبتها في المحافظة على الصلات الودية والأخوية بين البلدين الشقيقين.
وفي الواقع فإن السيد علي خشبة معروف جداً لدى السلطات الأمنية هنا، إذ أنه قد عمل في السودان لفترة طويلة فيما مضى. وكذلك من المعلوم بأن السيد علي خشبة قد تم مؤخراً إعلانه شخصاً غير مرغوب فيه من قبل الدولة التي كان يعمل بها.
ولذلك فإن تعيين السيد علي خشبة لتعزيز ذلك العدد الوافي من الموظفين الدبلوماسيين العاملين بسفارة الجمهورية العربية المتحدة، والذي بلغ 37 موظفاً بالفعل، يثير الشكوك حول طبيعة مهمته.
إن حكومة جمهورية السودان إذ تطلب من شقيقتها الجمهورية العربية المتحدة سحب ذلك الدبلوماسي لم يدفعها لذلك سوى عزمها الذي لا يحيد من أجل الحفاظ على العلاقات الأخوية بين البلدين، والتي تقدرها تقديراً عالياً.
وإن حكومة السودان تعيد التأكيد الآن على حرصها على الحفاظ على العلاقات الودية مع الجمهورية العربية المتحدة، ولكنها لا يمكن أن تفعل ذلك على حساب الأمن العام وسلامة الدولة. »
8
وبشأن إبعاد علي خشبة من السودان، ورد في برقية من السفارة البريطانية إلى وزارة خارجيتها بتاريخ 20 يوليو 1958،أنه وفقاً للسلطات السودانية فإن علي خشبة مشهور بأنه منظّم انقلابات، وأنه كان متورطاً في محاولة اغتيال ملك دولة عربية كبرى.
9
نشرت صحيفة The Sphere البريطانية بتاريخ 8 نوفمبر 1958 أنه خلال السنوات الأخيرة طاف علي خشبة العواصم العربية وعواصم الشرق الأوسط، تاركاً وراءه في كل عاصمة منها آثاراً شائكة لنشاطه التخريبي، وتتوفر لدى السلطات في الخرطوم أسباب تدعوها للاعتقاد بأن أكثر انقلاباته إثارة كان إغواء فرقة عبدالكريم قاسم وإفساد ولائها، وذلك عندما كان خشبة في منصب دبلوماسي رسمي في بغداد قبل وقت قصير من اغتيال الملك وولي عهده ونوري السعيد. ولذا فمن الصعب أن يُلام رئيس الوزراء السوداني عبدالله خليل في اشتباهه في أن قدوم علي خشبة إلى الخرطوم يتعلق بمهمة مماثلة.
10
وورد في وثائق الخارجية البريطانية للعام 1955، أن أنور السادات زار إمارة قطر على متن طائرة سعودية خاصة لإخطار حاكمها الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني بانعقاد المؤتمر الإسلامي في مكة بعد الحج. وكان على متن الطائرة التي أقلت السادات، علي خشبة السكرتير الأول بالسفارة المصرية في جدة. غادر علي خشبة الدوحة عبر الطيران التجاري إلى الشارقة ودخلها دون أن يحصل على تأشيرة دخول للإمارات المتصالحة. وقد تعرف عليه أحد المسؤولين البريطانيين في مطار الشارقة وأبلغه بأنه موجود في الإمارات بدون وثائق سفر سليمة، ولكن خشبة استطاع ان يفلت من الرقابة البريطانية ويتسلل إلى نزوى.
11
وفي نزوى التقى علي خشبة بإمام عمان غالب بن علي الهنائي وأخطره بانعقاد المؤتمر الإسلامي. وورد في تقرير تحصلت عليه السلطات البريطانية أن علي خشبة عرض على إمام عمان أموالاً وأسلحة، الأمر الذي أثار سخط سعيد بن تيمور سلطان مسقط وعمان.
12
وقد ذُكِر في تقرير بتاريخ 23 يوليو 1958، موجه إلى قادة الأركان الأمريكية المشتركة، أن عبدالناصر يخطط لانقلاب في السودان في غضون أسبوعين. رُفعت السرية القصوى عن هذا التقرير وأفرج عنه في 21/2/2014.
13
كما ذُكِر في الإيجاز الاستخباري المؤرخ في 29 اكتوبر 1958 الذي رُفع للرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور أنه قد يحدث انقلاب عسكري في السودان يخطط له رئيس الوزراء عبدالله خليل الموالي للغرب.
14
في 29 اكتوبر 1958 توجه عبدالله خليل إلى إثيوبيا في زيارة خاصة تستغرق 10 أيام حيث عقد خلالها عدة اجتماعات مع الإمبراطور هيلاسيلاسي أثير فيها موضوع الانقلاب العسكري المرتقب في السودان.
15
وفي رسالة بتاريخ 25 نوفمبر 1958 إلى سلوينلويد، وزير الخارجية البريطاني، ذكر السفير أندروز أن زميله السفير الإثيوبي، ملس عندوم، الذي عاد لتوه من أديس أبابا حيث حضر المباحثات السرية بين خليل والإمبراطور قد أخبره «بأن الأمبراطور لم يترك لدى عبدالله خليل أي شك بأنه لا يرغب في وجود ديكتاتورية عسكرية عربية عند عتبة داره».
16
في 4 نوفمبر 1958 غادر عبدالله خليل أديس أبابا إلى أسمرا حيث أجريت له فحوصات طبية في المستشفى العسكري الأمريكي هناك. ويبدو أن السفير البريطاني أندروز كان مهتماً بنتائج تلك الفحوصات. فقد طلب من زميله الأمريكي السفير موس أن يبعث له بنسخة من نتائج تلك الفحوصات عندما يتلقاها من أسمرا. عاد عبدالله خليل إلى الخرطوم في 7 نوفمبر 1958 من أسمرا مباشرة.
17
ومنذ أول شهر نوفمبر 1958 أصبح حدوث انقلاب عسكري في السودان متوقعاً من الأحزاب السياسية، والصحف، والسفارات الأجنبية، وحتى غمار الناس أصبحوا يرددون «قالوا الجيش حيستلم».
18
وفي 3 نوفمبر 1958 نشرت صحيفة الحزب الشيوعي «الميدان» مقالاً بعنوان «إفتحوا عيونكم جيداً. الأمريكان يستعدون لتدبير الانقلاب المقبل في السودان». ورد في المقال أنهم اعتادوا على الانقلابات التي تقوم بها جيوش متشبعة بالروح الوطنية ضد نظم الحكم الموالية للاستعمار مثل الانقلابات التي حدثت في سوريا ومصر والعراق. ولكن الانقلابات التي وقعت في سيام والباكستان وبورما دبرتها أمريكا ضد حكومات رجعية مواليه لها وهذا وجه الاختلاف.
19
وفي 12 نوفمبر 1958 ذكر مبارك زروق زعيم المعارضة في مجلس النواب، للسفير البريطاني في الخرطوم، تشابمان أندروز، أن هناك احتمال لحدوث انقلاب. وأنه إذا حدث فستكون تلك نهاية حزب الأمة كحزب سياسي. وكان ذلك رداً على سؤال للسفير عما إذا كان زروق يأخذ على محمل الجد الحديث بأنه قد يحدث عمل غير دستوري من نوع ما.
20
وكتب الرشيد الطاهر بكر المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين مقالاً في صحيفة الإخوان المسلمين بعنوان «على حافة الهاوية». نُشر المقال في عدد يوم 17 نوفمبر 1958. نقتطف من المقال قوله: «عندما تختفي محاسن النظام الديمقراطي، ولا تظهر غير معايبه… يندفع المحكومون في كل طريق بحثاً عن نظام آخر. حدث هذا في مصر وحدث في العراق وحدث في الباكستان وسيحدث في كل بلد تسيء فهم النظام الديمقراطي وتسيء ممارسته».
21
ورد في نشرة وكالة الصحافة السودانية بتاريخ 10 نوفمبر 1958 -أي قبل أسبوع من وقوع الانقلاب العسكري- أن محمد أحمد عمر عضو الجهاز التنفيذي لحزب الأمة غادر السودان إلى جنيف حاملاً رسالة من حزب الأمة إلى رئيسه الصديق المهدي بشأن الوضع السياسي في السودان. وكان الصديق موجوداً في جنيف لتلقي علاج طبي.
يُفهَم من هذا أن الصديق المهدي كان غائباً، ولكنه لم يكن مغيباً عن تطورات الأحداث في السودان.
22
في يوم 15 نوفمبر 1958 قدم وزراء حزب الأمة في الحكومة الائتلافية استقالاتهم وهم: عبدالرحمن علي طه (الحكومات المحلية)، وإبراهيم أحمد (المالية)، ومحمد أحمد محجوب (الخارجية)، ومأمون حسين شريف (المواصلات)، وعبدالله عبدالرحمن نقد الله (وزير دولة) وأمين التوم (وزير دولة). وقيل أن سبب هذه الاستقالات إعطاء وقت لرئيس الوزراء للبدء في مشاورات لتشكيل حكومة قومية. أياً كان السبب، فقد وفرت الاستقالات لعبدالله خليل المبرر لطلب تأجيل انعقاد الدورة البرلمانية.
23
في 15 نوفمبر 1958 تلقى عبدالله خليل رسالة من سفير السودان في القاهرة، يوسف مصطفى التني، ذكر فيها أنه حصل على معلومة من مسؤول مصري سابق بأن مصالحة تمت في القاهرة برعاية مصرية رسمية بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي. وبموجب ذلك يأتلف الحزبان لتشكيل حكومة تخلف حكومة عبدالله خليل. وتتحالف هذه الحكومة مع مصر.
24
إن الانقلاب أو تسليم السلطة للجيش كان قد تقرر قبل رسالة التني. ولكن ربما تكون رسالة التني قد عجلت بتنفيذه كما سيرد في الفقرة التالية.
25
فقد ورد في برقية (سري شخصي) بتاريخ 27 نوفمبر 1958 من وزير المستعمرات البريطانية إلى حكام المستعمرات البريطانية أنه وفقاً لمصادر سرية موثوقة سابقة، فإن الانقلاب العسكري الذي وقع في 17 نوفمبر قد تم بمبادرة من رئيس الوزراء السابق،عبدالله خليل. وقد عجل بذلك عودة الأزهري، زعيم الحزب الوطني الاتحادي، من القاهرة. إذ نما إلى علم خليل وجود خطة دُبِّرت في القاهرة يتحد بموجبها الحزب الوطني الاتحادي مع حزب الشعب الديمقراطي ضد حزب الأمة، وأن النواب الجنوبيين سوف تتم رشوتهم بمبالغ كبيرة لكي يصوتوا ضد الحكومة. وعندما تواصل وفد حزب الأمة مع الجنوبيين لم يوافق الجنوبيون على دعم الحكومة، معللين رفضهم بمعارضة الحكومة لانفصال الجنوب.
26
في 15 نوفمبر 1958 أصدر رئيس مجلس النواب محمد صالح الشنقيطي إعلاناً قال فيه: «بعد التشاور مع السيد رئيس مجلس الوزراء، أُعلن أن المجلس سينعقد في الساعة العاشرة صباحاً من يوم الإثنين 8 ديسمبر 1958 بدلاً من يوم الإثنين 17 نوفمبر 1958».
وقد صدر إعلان مماثل من محمد أمين السيد رئيس مجلس الشيوخ بعد اتصال هاتفي بينه وبين عبدالله خليل. وكان أمين السيد لا يزال وقتها في القاهرة.
27
نشرت صحيفة «العلم» الناطقة باسم الحزب الوطني الاتحادي في عدد يوم الأحد 16 نوفمبر 1958 أن قادة الحزب عكفوا في اجتماعات مستمرة طوال يوم 15 نوفمبر 1958 على دراسة كافة الاحتمالات بعد التصرف غير الدستوري الذي لجأت إليه الحكومة بتأجيل انعقاد البرلمان. وورد في الخبر أيضاً أنه كان بضمن الأشياء التي تقررت رفع قضية دستورية ضد الحكومة أمام المحكمة العليا لسلوكها الغريب. كما دُرست الخطوات الأخرى التي ستتخذ لمجابهة هذا التصرف الخطير.
28
كان من المؤكد أنه لو بدأت الدورة البرلمانية في التاريخ المحدد لها أي 17 نوفمبر 1958، فإن الثقة كانت ستُحجب عن الحكومة في مجلس النواب إذا طُرح اقتراح بذلك. فقد قُدِّم لكاتب مجلس النواب 500 سؤال مكتوب ليجيب عليها الوزراء في مجلس النواب عند انعقاده. وقد تبين للذين فحصوا هذه الأسئلة أنها كانت معادية للحكومة تماماً، ومقدمة من حزب المعارضة الرسمي أي الحزب الوطني الاتحادي، ونواب الحزب الحليف أي حزب الشعب الديمقراطي. كما قُدِّم لكاتب مجلس النواب اقتراح بالتأجيل يدعو لإلغاء المعونة الأمريكية، واقتراح آخر يدعو للاعتراف بالصين الشعبية.
29
حدث أن قُلتُ لأحد أقطاب حزب الأمة: لم كنتم تخشون حجب الثقة عن الحكومة وهو إجراء يكفله الدستور! فأجاب نعم، هو كذلك إذا صدر عن إرادة سودانية خالصة. ولكننا نرفضه إذا تم بموجب اتفاق عُقد في الخارج. وأضاف: أتريدنا -يارعاك الله- أن ننتظر حتى يغمرنا المد القومي العربي الطاغي آنذاك فيصبح السودان الإقليم الثالث في الجمهورية العربية المتحدة. ومن ثم يُطلق على إسماعيل الأزهري لقب «المواطن العربي الثاني»! وكان يشغل لقب «المواطن العربي الأول» حينئذ الرئيس السوري شكري القوتلي بعد أن هزمه عبدالناصر في الاستفتاء على رئاسة الجمهورية العربية الذي عقد في فبراير 1958.
30
كانت تلازم تلك الأزمة السياسية في السودان أزمة اقتصادية سببها كساد سوق القطن وتدني أسعاره. ففي 15 نوفمبر 1958 أعلن مجلس إدارة مشروع الجزيرة عن تخفيضات كبيرة في أسعار أقطانها الأساسية. يبدأ التخفيض الجديد من 210 قرشاً عن القنطار الواحد كحد أعلى ويتدرج إلى 65 قرشاً كحد أدنى في مختلف أنواع ودرجات قطن المشروع. وتوقع المراقبون أن المزاد الأول الذي سيعقد بعد إعلان هذه الأسعار في 17 نوفمبر 1958 سيشهد منافسة ضخمة وإقبالاً كبيراً على الشراء من شركات القطن بعد إعلان هذا التخفيض الكبير.
31
قطعاً لم ينعقد مزاد القطن المعلن عنه في 17 نوفمبر 1958. بل أعلنت وكالة اسوشيتد برس أنه «غابت اليوم شمس حكومة ديمقراطية أخرى من الديمقراطيات البرلمانية الشرق أوسطية عندما استولى قائد الجيش الفريق إبراهيم عبود على السلطة في السودان عبر انقلاب عسكري».