Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الأحزاب وامتحان الوطن

محمد عتيق

 محمد عتيق

يوماً بعد يوم تتسع القناعة بأن على الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية أن تستجيب للنداء التاريخي للوطن بنبذ كل شيءٍ سابق أو كل أمرٍ (هايف) جانباً ، حتى التكتلات بأسمائها المختلفة وذلك أمام الوطن ومصيره ومستقبل أجياله الجديدة ، وأن تجلس إلى بعضها لرسم برنامج وميثاق لقيادة الفترة الانتقالية مع شباب الثورة في لجان المقاومة (قُوّتهم الأساسية) ، وفي ذلك حقنٌ لدمائهم العزيزة وانتصارٌ للثورة الشاملة أن تتقدم خطوةً إلى الأمام على أنقاض الانقلاب المتخلف القائم.. وذلك يتطلب أن يكون أمامهم مقترحٌ بالأمر يكون أساساً للنقاش والإتفاق بين الجميع ..
ولما كان هنالك بالطبع استثناءٌ للمؤتمر الوطني وحلفائه، وسيمتلئ مثل ذلك (البرنامج المقترح) وطنيّةً واستقلاليةً وعدلاً وقصاصاً ، ولما كانت القوى المحلية والإقليمية والدولية المعادية للثورة ومشروعاتها يقظَةً في رعاية مصالحها الاستغلالية البشعة ، فالمتوقع في مثل هذه الظروف أن تظهر مقترحات للبرنامج المطلوب بتوقيعات مقبولة ، تحمل في ثناياها سموماً لِهَدّ كيان الثورة وخدمة أهداف تلك القوى التي تختبئ خلف مثل هذه المقترحات (مظهرها بَرّاق ومخبره مخادعٌ ومنحرف)… وليس ببعيد عن الأذهان أنه كلما كانت هنالك حاجة إلى تشكيل حكومة أو تعيين رئيسٍ لها ، كانت التكهنات تتصدّر الوسائط والمواقع بقوائم للحكومة ! وهي تكهنات مقصودة كان يتم تصميمها للتأثير في الرأي العام ولتلميع بعض الأسماء.

هذه المرة ، ولأن المطلوب هو برنامج وطني يلتفُّ حوله الجميع ، ستعتمد التسريبات على أفكارٍ ورؤىً تستهدف المحافظة على مصالح النظام الساقط وأربابه وحلفائه ، وعلى ما يُثير الفتن بين مكونات ألشعب الإثنية والثقافية والدينية، ستتحدث التسريبات عن التوافق وعدم الإقصاء ، وعن الانتخابات كطريقةٍ مثالية وسلمية لتداول السلطة ، وستتحدث عن السودان وأنه دولة عربية مسلمة وتصمت ، وأخرى تتحدث عن السودان دولةً افريقيةً وتصمت …الخ .. وفي كل ذلك وغيرها سيغُضُّون الطرف عن أنهم حكموا البلاد ثلاثين عاماً قهراً دكتاتورياً وفساداً واستبداداً ، إقصاءً للجميع (فهم كانوا يحكمون بما أنزل الله ظِلَّاً له في الأرض ومبعوثين لعنايته تعالى) ؛ لا انتخابات حرة ديمقراطية ولا تداول سلمي للسلطة ، أنهم كانوا يحكمون بالحديد والنار .. سيغُضُّون الطرف عن أنهم كانوا بلا شرعية بينما القوى الوطنية تمتلك الآن شرعية ثورية انتزعها الشعب باقتدار من نظامهم الساقط .. سيغُضُّون الطرف أيضاً عن أن نُجَبَاءَ من أبناء هذا الوطن قد سبق وأن توصَّلوا إلى التعريف الواقعي الصحيح – حتى الآن – في توصيف السودان بأنه ليس فقط بإفريقي جغرافياً ولا فقط بعربيٍّ عرقياً وإنما أن هويته هوية مزدوجة ثقافياً وعرقياً ..
هذا التعريف الذي يُلامس الواقع ويُعَبِّر عن الجميع يرونه رجساً لأنه سينفي أمامهم مادةً للخلاف وإثارة الفتن ..

هذه وغيرها من (التسريبات الفكرية)ستسود في الوسائط جَسَّاً للنبض وإثارةً لمواد التفريق والتمزيق ..
غير أن الأخطر من كل ذلك هو ما يحدث داخل جبهة الثورة من إصرارٍ على المناهج الخاطئة ، ما يُشبه العزّة بالإثم ، التمسُّك بالمسميات القديمة ، نفس الحزازات ولغة الاتهامات ، نسمع ونقرأ ، (مثلاً) :
– المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير والحزب الشيوعي السوداني ؛ ذاك يدعو لأوسع جبهة شعبية لهزيمة الانقلاب ويبدأ في إجراء الإتصالات اللازمة ، وهذا يصرّ على أن يلتقي كل طرفٍ على حِدة فهو لا يعترف بالمكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير !!!
وإذا اتفقنا على أن قطاعاً من مناضلي لجان المقاومة هم أعضاء في الأحزاب السياسية المختلفة ، وذلك حقٌّ طبيعيٌّ أصيل ، فإن الأحزاب بدأت في تحريك نفوذها داخل لجان المقاومة لتقوية مواقفها في مواجهة بعضها ، فتجد في الأخبار أن : لجان المقاومة بالخرطوم قد طرحت بعض المطالب أمام المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير كشروط للعمل معها ومن بينها تقديم نقد ذاتي لمواقفها السياسية السابقة !!
– وعلى إثر خبر يفيد بلقاءٍ جمع بين المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بقوى الثورة في ود مدني بدار حزب البعث العربي الاشتراكي ضم عدداً من الاتحادات والنقابات والتنسيقيات ولجان المقاومة ، يصدر تصريح بإسم لجان مقاومة مدني ينفي علمها وحضورها ذلك الاجتماع !!!
دونما مواربةٍ نقول أن ذلك يعني تراشقاً بين الشيوعي والبعث العربي الاشتراكي ، وكُلٌّ يستعمل ما لديه من نفوذ في الثورة وفي أوساط لجان المقاومة ! ..

أن تتمسّك الأحزاب بالمواقف والتكتُّلات والتسميات التي كانت سائدةً قبل انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ ، بل وقادت إليه ، لن يفيد الثورة في شيء بل سيعني أن نخسر المزيد من الدماء والأرواح العزيزة :
* فما الذي يَعْدِل هذا الوطن الذي نشأتم في كنفه ومن أجله ؟
* ما الذي يعدل تلك الأقمار المضيئة التي ذهبت عميقاً في ثرى الوطن وأنهاره لتفتح له أسباب الاستقرار والنهضة والتقدم -الأكرم منا جميعاً-؟
* ما الذي يعدل أحزان من فقدوا أشلاءهم وعقولهم أو فُقِدُوا هم أنفسهم ؟
* ما الذي يعدل أنين صبيّةٍ أو امرأةٍ في بلادنا وهي تتعرّض للاغتصاب ؟؟
مهما اعتقد أي حزبٍ في صحة موقفه ورؤاه فإنّ الأصوب الآن هو الاستجابة لمطلب الثورة والثوار ..
هو مطلبٌ قاسٍ ولكنه الطريق الوحيد ” وخيرهم الذي يبدأ بالسلام ”
بحق هذا اليوم العظيم من أيام الثورة..