أمامنا المزيد من العقبات
بقلم : محمد عتيق
كانت إرادة الشعب من ذاك الخروج قد توزّعت إلى أكثر من هدف ، كلها أجمعت على مدنية الدولة وعلى التحول الديمقراطي المستدام فيها ..
وجاء النصر كاسحاً ومحققاً لكل الرغبات ؛ من أراد فض الشراكة نهائياً إنتصر ، ومن أراد تجديدها مع قيادات وسيطة في القوات المسلحة غير مُلوّثة “بالإنقاذ” ومفاسدها تمسُّكاً بالوثيقة الدستورية أيضاً إنتصر ، ومن كان ضد الجميع (المكون العسكري ، حمدوك ، وقوى الحرية والتغيير) وجد نفسه أيضاً منتصراً .. ورغم أنها – عند التحقُّق العملي – ستتنازعها التفاصيل البادية عليها ، الّا أننا سنفترض أن الناس قد التقوا على حلٍّ يركنون إليه ؛ فهل إنتهت المخاوف ؟ هل زالت المخاطر ( لا أقصد تلك الجديدة التي تتولّد من دايناميَّة التطور الطبيعي) وإنما مخاطر البداية ؟
نعم ، هنالك عقبات جدّيّة تعترض إستقرار البلاد ورفاه الشعب :
“الجنجويد” وهي : مليشيا بدوية في السلوك والعقلية ، قوامها شباب وفتيان (يُقال أن من بينهم عناصر من دول الجوار الإفريقي: مالي ، تشاد، النيجر ، أفريقيا الوسطى) ، المهم أنهم متمردون عنيفون ، يدينون لقائدهم محمد حمدان دقلو بالولاء التام .. وآل دقلو – كما هو معروف – وبمساعدة رأس النظام الساقط – حازوا على مصادر متنوعة من مناجم المعادن أقاموا بها شركات عملاقة داخل وخارج القطر وتوسَّع في بناء مليشيا الجنجويد (قوات الدعم السريع لاحقاً) كمَّاً ونوعاً ، وقطع شوطاً كبيراً في إتجاه تحويلها إلى قوة حديثة من حيث الأفرع والتخصصات ، واستقطب الخبرات العالية من القوات المسلحة وجهاز ألأمن ، والمستشارين من مختلف المشارب ، ويلعب المال الوفير دوره الحاسم في كل ذلك …
لقائد هذه المليشيا ، السيد محمد حمدان دقلو ، طموح جارف للحكم ، أن يكون رئيساً ويسلك في ذلك مسالك مختلفة : دعوة جهوية ، ثم عرقية/عنصرية ، إلى أن ينتهي إلى العائلة فيشرع في بناء سلطتها فهي التي ستنقصه بعد امبراطورية المال والقوة العسكرية الضاربة .. سينحني الرجل مؤقتاً أمام كل العواصف : مشروع الدمج والتسريح ، التحول الديمقراطي ومدنية الدولة ، ضغوط المجتمع الدولي …الخ ، ولكنه لن يقبل بذلك ، لن يتنازل عن مشروعه في بناء سلطة العائلة ، ” مشيخةً ” اضافيةً لما في المنطقة ..
العقبة الثانية تتعلق بمشروع الدكتور حمدوك ورسالته التي أتى بها من المجتمع الدولي … إذا تأملنا واقعة أنه وضع شروطاً ملزمةً لمن يريد المشاركة في حكومته (وعليه أن يوافق عليها بالتوقيع) ، وعلى رأسها الموافقة على شروط المنظمات الدولية “صندوق النقد والبنك الدوليين ، ومنظمة التجارة” المتمثلة في رفع الدعم عن السلع الأساسية ، تعويم سعر العملة …الخ مقابل موافقتها على قروض مالية وتسهيلات ائتمانية ، وهو الطريق لفتح أبواب البلاد أمام إستثمارات أجنبية حتى في المنتجات التي نستطيع السيطرة عليها والاستثمار الحكومي فيها ، لا تدري أتسميها الاستعمار الجديد أم الليبرالية الجديدة ؟ في كل الأحوال سيتحول السودان – في ظل مثل هذا المنهج – إلى بقعةٍ لعيش الأثرياء فقط ..