«الإرهاب في السودان» .. مخاطر الوصول للنقطة الحرجة والسيناريو الأسود !!
بقلم: الهادي محمد الأمين
فوجئ سكان ضاحية جبرة جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم نهار يوم الثلاثاء 28 سبتمبر بسماع أصوات عالية من الرصاص وعمليات تبادل إطلاق نار استمرت لقرابة الساعة اتضح لاحقاً أن قوة من جهاز المخابرات العامة السودانية حاولت اقتحام بناية تقطنها خلية متطرفة تنتمي لداعش وان عملية المداهمة أسفرت عن مقتل 5 من منسوبي جهاز المخابرات العامة خلال المواجهة غير المتكافئة بين القوة النظامية التابعة لجهاز المخابرات العامة وعناصر الخلية المكونة من 4 أفراد رجلين وامرأتين من جنسية مصرية كانت تتسلح بمدافع القرنوف والتي لاذت بالفرار غير ان قوة اخري لاحقت الهاربين وتم القبض علي كامل عناصر الخلية التي اتخذت من مربع 14 حي جبرة مقراً لانطلاقة نشاطها الإرهابي بتنسيق عال مع خلية اخري تقطن بالقرب من الأولي في مربع 18 حي جبرة والثالثة في ضاحية الأزهري جنوبي الخرطوم وخلية رابعة في منطقة أركويت جنوبي الخرطوم حيث تم القبض علي جميع المتطرفين الذين يزيد عددهم عن العشرين عنصراً بينهم صوماليون ومصريون وجنسيات أخري لم يتم الإفصاح عن هوياتهم .
ووجد في مقرات هذه الخلايا أسلحة وأحزمة ناسفة وقنابل وتلي هذه الحادثة واقعة مماثلة في ذات الحي الذي عايش قاطنوه ساعات رعب مخيفة واسفرت الاشتباكات المسلحة -للمرة الثانية – وقوع قتلي وجرحي من الجانبين الأمر الذي يحمل عدداً من المؤشرات من بينها أن السودان الذي خرج للتو من لائحة الدول الراعية والداعمة للإرهاب بات مرشحا للدخول مرة أخري في دوائر وبؤر التوتر وتحوله لنقطة ساخنة ومنطقة مشتعلة تمهد لانزلاقه في مستنقع الإرهاب والصراعات الطائفية والتطرف الديني عبر صعود نشاط المتطرفين وتخطيطهم لتنفيذ اعمالهم الإرهابية وبداية تنفيذ سلسلة التفخيخ والتفجيرات التي قد تقود السودان نحو السيناريوهات السوداء والمظلمة كما هو الحال في عدد من بلدان العالم العربي والإفريقي حيث بدا واضحاً ووفق ما تسرب من معلومات ان هذه التشكيلات المسلحة كانت تخطط لتنفيذ اعمال إرهابية في عدد من مناطق الخرطوم تتزامن مع الاحتفالات برأس السنة الميلادية وأعياد الكريسماس ومع مظاهر الوجود الأجنبي في مستوياته العسكرية كالقوات الأممية وحفظ السلام والمدنية كالسفارات والبعثات الدبلوماسية ومنظمات الإغاثة العالمية التي تحتفل بهذه الأعياد مطلع العام الميلادي في الحدائق والفنادق والاندية وصالات الأفراح ومقراتها المغلقة بالخرطوم ..
نترات الأمونيوم من مرفأ بيروت إلى الخرطوم
والعام الماضي ألقت السلطات السودانية القبض علي خلية إرهابية مكونة من عناصر مسلحة كانت تتخذ من دارفور مسرحاً لنشاطها حيث تكشّف ان افراد الخلية الإرهابية من جنسيات تشاديه ونيجيرية ينتمون لبوكو حرام وقدموا من بحيرة تشاد واخترقوا الحدود السودانية عبر دارفور التي اتخذوها مقراً لهم ثم أعلنت قوات الشرطة بعد هذه الحادثة بقليل انها داهمت مخبأ بمنطقة الحاج يوسف بشرق النيل بالعاصمة الخرطوم يحتوي علي متفجرات ومفرقعات وعبوات ناسفة شديدة الاشتعال بالإضافة لأسلحة وذخائر ومهمات عسكرية وان القوة المداهمة اسفرت عن توقيف بعض الأجانب فيما فرّ الآخرون وتجري عمليات تمشيط واسعة للقبض عليهم وتلي ذلك إعلان قوات الدعم السريع وبصورة دعائية واسعة النطاق انها وبالتنسيق مع النيابة العامة السودانية وضعت يدها علي متفجرات خطيرة “نترات الأمونيوم” كافية لتفجير الخرطوم علي النحو الذي حدث في مرفأ بيروت بلبنان وفيما بعد قالت النيابة العامة أنها تحتفظ بعناصر خلية إرهابية بالخرطوم مكونة من 9 افراد ينتمون للقاعدة كانت تنوي تنفيذ أعمال إرهابية وان عناصر هذه المجموعة يحملون جوازات سفر سورية من أصل تونسي وتشاديين أحدهم متهم بالتخطيط للهجوم على السياح الأجانب في مدينة سوسة التونسية ومطلوب لدى تونس وظل ملاحقاً عدة سنوات وأن التحقيقات أظهرت أن المعتقلين متهمون في بلدانهم بالضلوع في جرائم إرهابية وان الخلية وفدت للبلاد عن طريق التهريب وتلقت تدريبات عسكرية متقدمة وتخطط لاستهداف بعض بلدان الخليج العربي وأن الإمارات تقدمت بطلب للحكومة السودانية لتسليمها عناصر هذه الخلية ويعد هذا هو الإعلان الثاني للنيابة العامة والتي سبق وأن دوّنت دعوى جنائية في مواجهة عناصر “خلية إرهابية” من جنسيات مصرية كانت تخطط لتنفيذ تفجيرات في مدن سودانية ..
إرهاب السودان.. بداية الشرارة
وتعود جذور الإرهاب في السودان الى مقدم أسامة بن لان ومعاونيه من الأفغان العرب الذين كانوا يقاتلون في افغانستان وتدفقوا نحو الخرطوم منذ العام 1991 حيث سمحت لهم الخرطوم بالاستقرار من خلال سنّها لسياسة الباب المفتوح وانتشرت الخلايا والشبكات الأصولية من محاربين ينتمون لعدد من البلدان ك(مصر ، ليبيا ، تونس ، الجزائر ، موريتانيا ، الصومال ، العراق ، افغانستان) هذا عطفاً علي وجود حركة الجهاد الإرتري وحماس وحركة الجهاد المصرية والجماعة الليبية المقاتلة والحزب الإسلامي العراقي وحركة النهضة التونسية وجماعات الأخوان المسلمين الملاحقين من حكومات بلدانهم في عدد من الدول فوقعت في العام 1994 أول حادثة إرهابية استهدفت مسجد الداعية السلفي الشيخ أبوزيد محمد حمزة بمنطقة الثورة في أم درمان وأسفرت عن مقتل 20 مصلياً وجرح اكثر من ثلاثين آخرين وكان قائد الخلية الإرهابية يسمي محمد عبد الله الخليفي ليبي الجنسية وتعود جذوره للسعودية وهو احد طاقم التأمين المكلف بحراسة أسامة بن لادن في الخرطوم ثم تلت هذه الحادثة مجزرة مسجد الجرافة شمالي ام درمان في العام 2000 قام بها السفاح عباس الباقر الذي ينتمي لجماعة التكفير والهجرة وخلّفت المذبحة 25 قتيلاً وأكثر من 20 جريحاً مما دفع واشنطن لوضع اسم السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب وتصنيفه حكومته كدولة داعمة للإهاب بسبب إيوائها للإرهابيين الدوليين عاليي الخطورة واحتضان المطلوبين دولياً الأمر الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين والأمن القومي لبعض بلدان الجوار خاصة وان السودان كان محطة للإرهابيين الذين خططوا لاغتيال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في مطار اديس ابابا خلال مشاركته في القمة الإفريقية بإثيوبيا في العام 1995 في ذات الوقت الذي كانت حكومة الإنقاذ التي يرأسها البشير قد اعلنت الجهاد ضد الحركة الشعبية بجنوب السودان وتفويج المقاتلين – المجاهدين والمرابطين – إلي مسارح العمليات لمقاتلة متمردي جنوب السودان كما جزمت واشنطن بتورط السودان في أحداث تفجيرات سفارتي واشنطن في نيروبي ودار السلام في العام 1998 وعن “دور” ما في استهداف المدمرة الأمريكية يو إس كول في مياه البحر الأحمر بالقرب من اليمن عبر وجود حبل سري يجمع أصوليو السودان بمقاتلين يتبعون للقاعدة في اليمن هاجموا المدمرة الأمريكية في العام 2000.
تزاوج التفاعلات الداخلية مع الخارجية
ظروف محلية وتحولات داخلية من بينها حالات الانقسام والتشظي التي ضربت أطراف الحكم وحدوث شرخ تنظيمي وسياسي وفكري اطلق عليه وقتها ب”مفاصلة الإسلاميين” في العام 1999 والتي وضعت الدكتور حسن الترابي في خندق المعارضة ضد عمر البشير وأعوانه وظهور تطرف جديد كان من مضاعفات وتداعيات هذا الانشقاق وبعده بقليل تم توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية بزعامة جون قرنق في العام 2005 والنص علي علمانية الدولة في الدستور وفصل الدين عن السياسة والموافقة علي حق تقرير المصير الذي قاد لاحقاً للانفصال واستقلال جنوب السودان عن شماله وقبل ذلك اندلاع ازمة دارفور في بدايات العام 2003 ووصولها حتي المنابر الإقليمية والدولية واستقدام قوات حفظ السلام والقوات الأممية اليوناميد واليوناميس ثم فتح الباب امام المنظمات العالمية للدخول للسودان شكلت هذه الظروف عوامل محفزة وفتحت شهية المتطرفين لتنظيم صفوفهم وبناء تشكيلاتهم العسكرية وتكوين الخلايا النائمة حيث تم الكشف عن خلية قوامها اكثر من 40 مقاتلاً تتخذ من منزل بحي السلمة جنوبي الخرطوم وكراً للتخطيط لاستهداف بعض السفارات الأجنبية ومقرات البعثات الدبلوماسية واماكن وجود القوات الأممية في كل من الخرطوم ودارفور وكان ذلك في العام 2007 فتم تفكيك الخلية والقبض علي جميع عناصرها وإيداعهم في السجون وتم العثور في مخبأ الخلية علي مفرقعات التي إن تي والنتر وجلسرين وأسلحة وممرات خرسانية معدة لتخزين السلاح والذخيرة ومصنعاً لتصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة وفي مطلع العام 2008 تم اغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيل وهروب القتلة إلي خارج السودان ووصلوا حتي الصومال للالتحاق بصفوف حركة شباب المجاهدين وبعد ثورات الربيع العربي ارتفع صوت تيار الصحوة “السروري” وظهرت السلفية الجهادية بصورة واضحة معلنةً عن نفسها وتبنت استهدافها لمقر السفارة الأمريكية بضاحية سوبا جنوبي الخرطوم والسفارة الألمانية بوسط الخرطوم علي خلفية ظهور الفيلم المسيء للنبي صلي الله عليه وسلم وتزامن ذلك الحراك المتطرف – وتحديداً في العام 2012 – مع كشف خلية الدندر الإرهابية التي كانت تتخذ من محمية الدندر في الحدود مع إثيوبيا مكانا للتدريب العسكري والإعداد لتفويج مقاتليها إلي الصومال وليبيا والعراق وسوريا ومالي ثم ظهر طلاب متطرفون يدرسون في عدد من الجامعات السودانية وبينهم طلاب سودانيون – بينهم عنصر نسائي – كانوا يدرسون في بريطانيا بايعوا القاعدة وداعش واعلنوا خروجهم من البلاد عبر التسلل من الخرطوم والتحقوا بقوات القاعدة وداعش وقُتل كثير منهم في جبهات القتال في تلك البلدان في الفترة من 2014 وحتي 2018 غير ان المرحلة الأكثر خطورة في هذا الصد تتمثل في حالة التلازم بين العوامل المحفزة التي تشكّل مخلفات وحمولات الإنقاذ خلا حكم المؤتمر الوطني مع العوامل الكامنة التي أفرزتها المرحلة التي اعقبت نجاح الثورة السودانية ووضعت السودان يعيش في ظل البيئات المتأزمة التي تخلق واقعاً جديداً تتهيأ فيه البلاد لتكون نقطة ساخنة وبؤرة مشتعلة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد وما تعانيه من أزمات واضطرابات تقود للفوضى الشاملة مما يجعلها ملاذاً آمناً لاستقطاب وجذب المتطرفين وساحة لنشاطهم الهدام وعرضة للعمليات الإرهابية ..